الخميس 18 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«صغائر» التاريخ

«صغائر» التاريخ
16 ديسمبر 2009 22:21
الكثير من أحداث التاريخ الكبرى وقعت نتيجة “أحداث أو وقائع صغيرة” تبدو كالحكايات التي لا معنى لها، ولكنها في الحقيقة تعتبر في الكثير من الأحيان المحرك الرئيسي والدافع نحو وقع الأحداث الكبرى التي تذكرها لنا كتب التاريخ وتغفل في سردها لتلك الأحداث والوقائع عن ذكر تلك الحكايات الصغيرة التي أدت إليها، ربما لأن الكثير من تلك الأحداث الصغيرة مثيرة للسخرية ولا يتقبل العقل أن تكون مقدمة لوقائع تاريخية كبرى تغير مجرى أمم بأسرها، وتتحول عند العلم بها وسردها إلى مجرد “حكايات صغيرة” يتم روايتها على سبيل التندر. الباحثة الإسبانية “نييفيس كونكوسترنينا” جمعت الكثير من تلك الحكايات التي تعج بها الموسوعات وكتب التاريخ والانثروبولوجيا وذلك خلال إعدادها لبرنامج إذاعي بالإذاعة الإسبانية كانت تعده وتقدمه لمستمعيها، ونظرا لنجاح البرنامج قررت أن تنشر تلك الحكايات في كتاب ممتع مليء بالمدهش والعجيب رغم أنها حكايات عن وقائع حياتية ربما يجري مثلها من حولنا دون أن ننتبه أو نتوقف عندها. قسمت الباحثة ما جمعته من حكايات صغيرة من التاريخ إلى ثلاث عشرة مجموعة، في كل قسم جمعت الحكايات المتشابهة أو التي لعبت دورا في أحداث ووقائع تاريخية مشابهة، ووضعت لكل قسم عنوانا دالا على ما يحويه من حكايات، نجد قسما تحت عنوان: إلهي إلهي.. يا له من صليب. ويحتوي على الحكايات التي لها علاقة بالكنيسة الكاثوليكية التي تعتبر الدين الرسمي لبلادها إسبانيا، وآخر عن “العشاق والمحبين والشائعات”، يضم أشهر حكايات الحب، والدور الذي لعبته تلك الحكايات في صناعة تاريخ الأسر المالكة، وثالث عن “لحظات حاسمة في التاريخ” ورابع عن “الفنون” وهكذا إلى آخر القصص التي تغطي جميع مناحي الحياة، وإن كانت كل تلك الحكايات صغيرة جدا ولا تتعدى الصفحة الواحدة في هذا الكتاب، إلا إنها تعني الكثير بالنسبة لما تبعها من أحداث ووقائع تاريخية. معظم الحكايات تركز على ما يجري داخل الحدود الإسبانية إلا إنها تتعدى تلك الحدود إلى أوروبا والعالم الجديد (أمريكا الشمالية وأمريكا اللاتينية) باعتبار أن إسبانيا كانت لفترة طويلة لها امتدادات سياسية واجتماعية ودينية كإمبراطورية كبرى “لا تغيب عنها الشمس”، بمناسبة هذا التعبير يجب أن يعرف القارئ أن هذا التعبير أطلق على الإمبراطورية الإسبانية التي كانت مستعمراتها تمتد من الأمريكتين غربا وحتى الفلبين شرقا، وإن كان الشائع بين العرب انه تعبير يطلق على “بريطانيا العظمى” وهو أمر خاطئ لأن إسبانيا كانت أول وأكبر إمبراطورية استعمارية أوروبية في التاريخ. انقسام مسيحي فيما يختص بالكنيسة المسيحية الكاثوليكية أو ما يُعرف تاريخيا باسم “الكنيسة الغربية” بعد انقسام الدين المسيحي إلى كنيسة شرقية وأخرى غربية، شهدت الكنيسة الغربية انقساما آخر، حتى أصبح للكنيسة الغربية ثلاثة “بابوات” في وقت من الأوقات، وهذا ما دفع تلك الكنيسة إلى عقد “مجمع مسكوني” يوم 25 مارس من العام 1409 ميلادي في محاولة لجمع الكلمة والاتفاق على توجه نحو “بابا” واحد بدلا من الاثنين اللذين تحصن أحدهما في “افينيون” الفرنسية، فيما كان الآخر يدعي الوحدانية في “روما”، لكن الخلاف كان حادا إلى درجة دفعت ملك فرنسا “تشارلز السادس” إلى التدخل والتهديد بسحب الثقة من الاثنين ما لم يتم الاتفاق على “بابا” واحد للكنيسة الغربية، لكن هذا اللقاء انتهى إلى أبعد مما أراد الملك الفرنسي، فقد تم الاتفاق بالفعل على “الكساندر الخامس” ليكون البابا الأوحد للكنيسة الغربية، لكن بدلا من حل القضية وجدت الكنيسة المسيحية الغربية نفسها قد أضافت “بابا” جديدا، فأصبحوا ثلاثة “باباوات” بدلا من اثنين، لأن كل من بابا “افينون” وبابا “روما” رفضا التنازل، ولم يتركا أمام البابا الجديد مكان لإقامة كرسي البابوية الجديد، فانتقل إلى “بولونيا”، لكنه لم ينج من مؤامرات زميليه اللذين اتحدا معا وقاما بالتخلص منه قتلا بالسم (؟!). ثم هناك حكاية الملك الإسباني “كارلوس الخامس” الذي اقتحم روما ودمر كنائسها وأخرج البابا من على كرسيه لمجرد انهما اختلفا في الرأي عندما طلب البابا من الإمبراطور الإسباني التنازل عن جزء من ممتلكاته في إيطاليا لصالح الكنيسة، فغضب الإمبراطور الإسباني وكان الرد على البابا الذي تجرأ على مثل هذا الطلب اكتساح أراضي الكنيسة نفسها، وضم ممتلكاتها إلى الإمبراطورية الإسبانية، مؤكدا على أن “الدين في خدمة الإمبراطور وليس العكس”. محاكم التفتيش من الحكايات المثيرة أيضا ان “محاكم التفتيش” الإسبانية التي أقامها يهودي متنصر بعد سقوط غرناطة عام 1492 ميلادية ليمارس كل أنواع القمع ضد المسلمين الموريسكيين، بل واليهود من أهله أيضا، ظلت تلك المحاكم تعيث فسادا وتحاكم بذنب أو بغير ذنب كل من ترى فيه عدوا للدين والملك، أو من يسقط ضحية لوشاية من طامع في أملاكه، إلى أن احتل نابليون بونابرت إسبانيا وضمها إلى الإمبراطورية الفرنسية، فكان أول قراراته إصدار مرسوم بإلغاء محاكم التفتيش رسميا وفعليا لأنها في رأيه ـ وهو العلماني ـ تدعو إلى الكراهية الدينية وهو أمر يتنافى مع دعوة الأديان السماوية إلى التسامح. صدفة “إيفل” ومن حكايات هذا الكتاب الشيق ما ترويه الكاتبة عن بناء “برج ايفل” الشهير الذي يعتبر من أهم المعالم للعاصمة الفرنسية، فقد جاء بناؤه بالصدفة وقوبلت فكرته في البداية بمعارضة شديدة وصلت إلى حد صدور قرار عن الجمعية الوطنية الفرنسية “البرلمان” بإزالة هذا البناء الغريب المكون من آلاف الأطنان من الحديد بعد انتهاء الغرض منه مباشرة، أي بعد انتهاء “المعرض الدولي” في باريس. وبدأ بناء برج “ايفل” في باريس يوم 28 يناير العام 1887، ومعروف أن صاحب الفكرة والمشرف على البناء المعماري البرتغالي “جوستافو ايفل”، أو “جوستاف ايفل” كما يسميه الفرنسيون، الذي كان يعد من أبرز ممثلي الطليعية في الفنون والمعمار، وكانت كلما تراكمت كميات الحديد التي تشكل جسد البرج كانت المعارضة لإقامته تزداد إلى أن بلغ ارتفاع قمته 300 (ثلاثمائة) متر، والمصادفة الغريبة أن ارتفاعه هذا كان السبب في بقائه في مكانه حتى اليوم. فقد حدث أنه بينما كانت فرنسا تستعد بالفعل لإزالة هذا البناء الحديدي بدأت تدق طبول الحرب العالمية الأولى، فاكتشف الجيش الفرنسي أن الارتفاع الشاهق لهذا البرج يؤهله ليكون حاملا لأعلى “ايريال” للخطوط اللاسلكية المطلوبة لرصد الاتصالات العسكرية بين القوات الألمانية الغازية ومعرفة تحركاتها، فقرروا الإبقاء عليه حتى يمكن كسب الحرب، وبعد هزيمة الجيش الألماني وفوز فرنسا في المعارك العسكرية بسبب وجود هذا البرج “غير المرغوب فيه” كسب البرج معركة الأرقام القياسية باعتباره المبنى الأعلى في العالم، كما فاز في معركة أخرى في مجال الأرقام القياسية، فهو الأثر التاريخي صاحب أعلى رقم لعدد الزوار سنويا. بقي أن نعرف أن هذا المعماري العبقري كان قد عرض فكرة بناء البرج على بلدية مدينة برشلونة الإسبانية التي رفضت المشروع لارتفاع كلفته، وان هذا المهندس المعماري نفسه أقام العديد من المشروعات التي تستخدم فقط الحديد كهيكل وبناء، ومن أعماله “كوبري أبو العلا” الذي كان يربط حي الزمالك الراقي بالقاهرة بحي “أبو العلا،” ولا يعلم أحد مصيره الآن بعد أن صدر قرار الحكومة المصرية بإزالته قبل سنوات قليلة ليمر في مكانه امتداد “كوبر 6 أكتوبر”. نصر بلا رصاص من أطرف حكايات التاريخ تلك التي كان بطلها “نابليون بونابرت” والتي انتهت باحتلال إسبانيا وضمها للإمبراطورية الفرنسية، فقد تم هذا الاحتلال دون أن تطلق القوات الفرنسية طلقة واحدة، وتقول تلك الحكاية الموثقة تاريخيا، أن نابليون اقنع ملك اسبانيا بعقد معاهدة تسمح بمرور القوات الفرنسية عبر إسبانيا وتكوين جيش مشترك فرنسي إسباني لمهاجمة البرتغال واحتلالها واقتسامها بين فرنسا وإسبانيا بهدف إغلاق الموانئ البرتغالية في وجه البحرية البريطانية المنافسة لكلا الدولتين، ولكن نابليون دفع بقوات تفوق العدد المتفق عليه، وبعد احتلال البرتغال بالفعل أعلن احتلال إسبانيا أيضا التي لم تكن تملك جيشا مسلحا بشكل يسمح لها بمقاومة الاحتلال الفرنسي، وقام بونابرت بنفي الملك الإسباني وتعيين ابن شقيقه ملكا على إسبانيا التي أصبحت محمية فرنسية (؟!). حكاية حب ومن أطرف حكايات الحب التي صنعت تاريخا، حكاية الملك البريطاني “ادوارد الثامن” الذي تنازل عن عرش بلاده ليتزوج المطلقة الأمريكية “ويليس سمبسون”، إلا أن تلك الحكاية التي اكتسبت زخما “رومانتيكيا” وأصبحت مضرب الأمثال على قوة الحب والتضحية من أجل الحبيب حتى لو كانت التضحية بتاج الإمبراطورية البريطانية، تلك الحكاية تؤكد أن الملك ادوارد الثامن كان يعرف انه لا يملك القدرات التي تؤهله حكم بلاده، فوجد في حكاية حبه من مطلقة غير بريطانية سببا يسهل له الهروب من مسؤولياته الملكية، لأن الكنيسة الانجيلكانية ما كان لها أن تقبل بزواج الملك من “مطلقة”، لكن سوابق تاريخية بين الكنيسة والعرض البريطاني بل والعروض الأوروبية الأخرى تقول بغير ذلك، فسادة الكنيسة كثيرا ما كانوا يعثرون على الحل المناسب الذي يسمح للملك بفعل ما يريد حفاظا على العلاقة بين الكنيسة والعرش، لأن الملك هو في النهاية “رأس هذه الكنيسة”، وتؤكد حكاية أن هذا الملك كان يبحث عن “سبب” يجهله يتهرب من مسؤوليات رأى أنه غير مؤهل لها، وانه لم يفقد شيئا من مميزاته المادية، من قصور وممتلكات ومزايا مالية، بل ظل محتفظا بها بعد تنازله عن العرش. البيانو والمقصلة ومن أطرف ما جاء في كتاب “حكايات صغيرة من التاريخ” أن الموسيقي وصانع “البيانو” الألماني الشهير “توبياس شميت” هو من تولى صنع “المقصلة” الشهيرة التي لازمت الثورة الفرنسية وقصفت أعمار عشرات الآلاف من البشر بعد نجاح تلك الثورة، ومن أشهر من مرت أعناقهم تحت تلك المقصلة الإمبراطورة الفرنسية “ماري أنطوانيت”، وان كانت فكرة المقصلة من بنات أفكار عضو الجمعية الوطنية الفرنسية “جوزيف اجناس جيلوتين” الذي استصدر قرارا من البرلمان بصنع هذه الآلة القاتلة، وتولى الموسيقي الألماني تنفيذها بحرفية الفنان الحاذق الذي يجيد صنع “الآلة القاتلة” كما يجيد صنع “الآلات الرقيقة” التي تمتع الملايين، ويبدو أنه فكر في مئات الآلاف من الفرنسيين الذين كانوا يستمتعون بقطع الرقاب كل صباح في ساحة الباستيل وأراد أن يضمهم إلى المعجبين به. وغير تلك الحكايات الكثير من الحكايات الشيقة والممتعة التي تجول بنا التاريخ وتروي لنا طرائف تبدو مثيرة للضحك في كثير من الأحيان، لكن الكثير من تلك الحكايات تبعته وقائع وأحداث تاريخية مأساوية أو مفيدة طبقا لنتيجة كل حكاية. الباحثة الإسبانية “نييفيس كونكوسترنينا” جمعت تلك الحكايات في كتاب صدر تحت عنوان “حكاية صغيرة من التاريخ” عن دار “لا إسفيرا دي لوس ليبروس”. من أجل عينيها كان إدوارد الثامن ملك المملكة المتحدة ودول الكومونولث وأيرلندا والهند، منذ وفاة والده جورج الخامس في 20 يناير 1936 حتى تنازله عن العرش في 11 ديسمبر من نفس العام ليتزوج من واليس سمبسون. وكان ثاني حاكم من بيت وينزر. بعد تنازله عن الملكية عاد للقبه السابق “الأمير إدوارد”، ثم أصبح دوق وينزر في 8 مارس 1937. خلال الحرب العالمية الثانية تم تعيينه كحاكم على جزر البهاما. يعد إدوارد الثامن الحاكم البريطاني الوحيد الذي تنازل متعمداً عن الحكم في 11 ديسمبر 1936. كما جاء تنازله عن ملكية أيرلندا في اليوم التالي. أما واليس سمبسون فهي من بنسلفانيا بالولايات المتحدة ومطلقة مرتين. وقبل زواجها من الأمير إدوارد الثامن، تزوجها إيرل وينفيلد سبنسر عام 1916، ثم طلقته عام 1927. بعد ذلك تزوجت إيرل سمبسون من عام 1928 حتى طلاقهما في 1936. في ذلك الوقت كانت تعيش في بريطانيا حيث تعرفت بأمير ويلز عن طريق الأصدقاء. اعتبرتها العائلة الحاكمة البريطانية غير مناسبة لزواجها بالأمير لكونها مطلقة وهذا ما جعل زواجها بالأمير أمراً صعباً، حيث كان زواج المطلقات حسب الكنيسة الإنجليزية “أمرا غير ممكن”. ولكنهما صمما على أن يتم الزواج بشكل شرعي. وتزوجا بالفعل في 3 يونيو 1937 في فرنسا بعد تنازل الأمير إدوارد الثامن عن الحكم. لم تتقبلها العائلة الملكية البريطانية، رغم ذلك كان إدوارد الثامن يزور والدته وأخوته بعد تنازله. عاش الزوجان في باريس بفرنسا معظم بقية حياتهما. بعد وفاة الدوق في عام 1972، عاشت بانعزال، وتوفيت في 24 أبريل 1986 بباريس. لم يكن لها أبناء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©