السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

معرض الكتاب.. على قدر الروح

معرض الكتاب.. على قدر الروح
25 ابريل 2013 00:39
شهيـرة أحمد (أبوظبي) ـ لا شيء يمكن أن يدلك على معرض الكتاب سوى الروح.. الروح التي تذهب إلى المعرفة، نافضة غبار الوقت عن المشاعر التي تكلست في الرتابة، تستعيد ألقاً سلّم مفاتنه كلها لاشتهاءات اليومي، وتنازل عن نفسه مختاراً للهاث لا يجدي ولا يغني ولا يسمن من جوع.. الجوع.. بلى، تلك هي الكلمة التي تبحث عن دلالاتها في الممارسة الثقافية بشكل عام، جوع إلى الحقيقي والرصين والجوهري والفاعل في الروح العربية التي احترفت الغياب حتى صار لها مهنة.. الجوع الذي يأخذك من قلبك إلى المعرض باحثاً عن منازل الوعي الأول، وحرقة الكتابة الحقة، ووهج الإبداع حين يكون مشروعاً حقيقياً ينذر صاحبه نفسه، خالصة مخلصة، للكتابة .. تذهب إلى هناك محكوماً بالأمل (على حد تعبير الرائع الباقي أبداً سعد الله ونوس) في أن تجد لروحك موطئ قدم.. محكوماً بالشوق الذي يصهل في الأعماق لكتاب ينتظر يدك لتمسح عن وجهه غبار النسيان.. بالرغبة في لقاء أصدقاء قدامى.. أو استعادة نكهة لاذعة لقهوتك المرة التي ارتسمت عليها صور ربما غيبها الموت أو أخذها الضياع إلى متاهته الكبرى.. بالروح تبدأ جولتك في المعرض، بالشغف المتيقظ لارتشاف شيء من الحكمة الثاوية بين الأجنحة.. لا أدري من الذي أطلق على أروقة معارض الكتب هذا الاسم الجميل: أجنحة، لكنه حتماً كان شاعراً أو على الأقل كان منسوب الجمال عالياً في داخله، وإلا لما قرن بين الكتب والأجنحة، فكلتاهما تحيلان إلى الحرية وإلى التحليق؛ الكتاب فعل حرية بامتياز.. فعل وعي يزقزق في الأعالي محلقاً في أجواء الحرية الهاربة من شرط المكان وقيده، لتحيا على قيد الإبداع فقط.. والأجنحة ليست سوى وسيلة الفكرة في التحقق.. في وضع قدميها على بلاط الخيال، و..الطيران. والحرية من أبرز سمات المعرض التي تترسخ في كل دورة من دوراته. ومما يفاجئك في المعرض وجود أجنحة مصممة بشكل تراثي جميل، بل ببذخ جمالي لافت، يبرز جماليات العمران التقليدي في الإمارات، حتى لكأن الهيئات والوزارات ومراكز البحوث والمؤسسات المعنية بالثقافة تخوص سباقاً على هذا الصعيد، وتتنافس في تجميل أجنحتها على النحو الذي يليق بالكتاب.. ولعل الغاية من وراء ذلك، تعريف ضيوف المعرض (وهم كثر) بتراث الإمارات وتقاليدها.. لكن خلف الشكل الخارجي لمعرض الكتاب تتنفس حيوات وحيوات.. تزدهر قصص.. تنشأ صداقات.. تولد مشروعات كتب.. يلتقي المثقفون على حافة عناق غير منتظر أو يتعارفون في ركن هنا أو زاوية هناك، حين يكون هذا لقاءهم الأول.. ناشرون ومثقفون وشعراء وكتاب وأدباء وباحثون من جغرافيات شتى وفدوا إلى المعرض.. هذا ليوقع كتابه، وذاك ليحاضر، والثالث ليتسلم جائزة، والرابع ليقرأ الشعر، والخامس ليسرد شيئاً من ذاته الإبداعية على مسمع من قرائه، و..يزدهر الجدل الجميل الذي تفتحه الأسئلة على مصراعيه.. وربما تستعيد الثقافة شيئاً من معناها الحقيقي. وأمام “بحر الثقافة” الذي يشارك لأول مرة في معرض الكتاب، يفاجئك مبنى أبيض مكتوب عليه بخط عربي جميل “بحر الثقافة”.. مبنيّ على هيئة أبواب تقليدية قديمة وبين جدرانه تشيع رائحة ثقافة من نوع خاص.. ثقافة النساء اللواتي يجدن لهن متنفسين في هذا المعرض: الأول جناح “بحر الثقافة” الذي أسسته الشيخة روضة بنت محمد بن خالد آل نهيان، وتجتمع فيه كوكبة من النساء المهتمات بالقراءة لمناقشة الكتب في شتى أنواع المعرفة.. والثاني هو “الملتقى” الذي أسسته وتشرف عليه أسماء صديق، وهو متخصص في قراءة الرواية. وبين الأجنحة أفكار من كل نوع؛ بعضها يحبو، وبعضها يعرج، وبعضها يسير منتصباً على قدميه، وبعضها يحلق أو يكرج خفيفاً على الروح، لرهافته ولما يتوافر عليه من أبعاد خلاقة ومنجز جمالي مرتفع السوية الإبداعية. وأنت تنتقي زادك المعرفي أو تعثر على ضالتك الإبداعية، تستشعر حجم الفرح المعرفي الذي يتوافر عليه معرض الكتاب.. تشعر بامتنان كبير لهذه المدينة التي تتلطف كثيراً وهي تمنحك واحداً من أسرارها المخبأة في حوانيت الوراقين.. وتهديك على غير موعد مسرّة موضَّبة على قدر روحك التي ربما تتعثر بفرح فقد ضالته.. فتضيء.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©