الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدارس سمرقند تجمع بين علوم الدين والدنيا

مدارس سمرقند تجمع بين علوم الدين والدنيا
28 سبتمبر 2008 00:54
تعد مدارس سمرقند من أجمل ما خلفته الدول المتعاقبة على حكم المدينة منذ عهد التيموريين، فقد كان من حسن حظ سمرقند أن اختارها الغازي الكبير ''تيمورلنك'' لتكون حاضرة دولته وكرّس جهده لتجميل المدينة بالمنشآت الرائعة· وتعتبر سمرقند واحدة من أقدم مدن العالم، إذ يقدر عمرها بألفين وخمسمئة عام، تقع وسط الأراضي الخصبة لنهر زرفشان وتعني ناثر الذهب. خضعت المدينة للحكم الإسلامي على يديْ الفاتح العربي الكبير قتيبة بن مسلم الباهلي، وأخذت تزدهر بسرعة كبيرة خاصة بعد أن اتخذها السامانيون عاصمة لدولتهم لفترة من الزمن· ولكن سمرقند تعرضت لمأساة نتيجة هجوم قوات جنكيز خان عليها، ورغم المقاومة البطولية التي أبداها أهلها، فإن القائد المغولي نجح في دك أسوارها وهدم أغلب مساجدها وقصورها· وتقع المدارس الرئيسية بالمدينة في ساحة ريجستان، وهي الساحة المركزية في سمرقند، وملتقى تقاطع ستة طرق تمتد من بوابات المدينة، وفي الأصل كانت تعبرها قناة ماء واسعة تترك خلفها ترسبات رملية أعطت الساحة فيما بعدُ اسمها، حيث إن كلمة ريجستان تعني في التركية ''ساحة الرمل''· والمعالم الرئيسية في هذه الساحة هي ثلاث مدارس إسلامية معروفة، وهي مدرسة ألوغ بيك، ومدرسة شيردار، ومدرسة تيلاكاري· وأقدم المدارس وأبعدها صيتاً في التاريخ هي التي شيدها الوغ بيك حفيد تيمور لنك في حوالي عام 823هـ ''1420م''· وأبدى هذا الحاكم التيموري اهتماماً كبيراً بهذه المدرسة حتى قيل إنه شارك في أعمال البناء بنفسه لتكون منارة للعلم في سمرقند، واختار لإدارة المدرسة العالم المعروف آنذاك محمد عفيفي نظراً لسعة علمه، وكان محمد عفيفي مسؤولاً عن كل مدارس سمرقند· وكانت المدرسة فريدة في زمانها حيث ضمت مناهجها، إلى جانب دراسات الفقه والحديث، علوماً دنيوية مثل الفلك والرياضيات، وكذلك آراء المتصوفة الفلسفية· وألقى فيها الوغ بيك بعض دروس الفلك العلم الأثير الذي اشتغل به ومهر فيه حتى أنه شيد مرصداً خاصاً على أحد تلال المدينة قبل أن يثور عليه الفقهاء ويجبروه على التنازل عن العرش لابنه عبداللطيف لاشتغاله بعلم الفلك· ووصل عدد الطلاب الدارسين في مدرسة الوغ بيك إلى مئة طالب، وظلت المدرسة لعدة قرون محافظةً على موقعها كرمز رائد للتعليم في بلاد ما وراء النهر· وأحدثت الزلازل المتتابعة والحروب الأهلية فيما بعدُ على بناء المدرسة فدمرت القبة تماماً، وتعرضت المآذن لانهيارات جزئية، وكذلك الوحدات السكنية الخاصة بالطلاب ''الخلاوي'' في الطابق الأرضي· وشرعت الحكومة السوفيتية منذ عام 1922 في ترميم مدرسة الوغ بيك وغيرها من مدارس ريجستان، وكان على هؤلاء المرممين أن يعيدوا المئذنة الشمالية الشرقية إلى استقامتها بعد أن مالت نحو 1,8 متر عن موقعها الرأسي، وتم ذلك بالفعل في سنة 1932 في فترة تبلغ 20 دقيقة، ولكن بعد عشر سنوات من العمل التحضيري· تشير بقايا الفسيفساء الخزفية في هذه المدرسة إلى ما كانت عليه من ازدهار وجمال معماري منذ تشييدها، فقد كان للبناء الأصلي المكون من طابقين، قبتان بين البوابات والمآذن وقبتان أيضاً في الجزء الغربي من الإيوان المغطي بقبو معقود، وذهبت هذه القباب ومعها مئذنة كانت قائمة في الركن الجنوبي الغربي، مما أفقد مدرسة الوغ بيك توازنها المعماري الأصيل· والمدرسة الثانية في مجموعة ريجستان هي مدرسة ''شيردار'' وهي تعني بالفارسية ذات الأسُود، لوجود رسم لأسدين أو نمرين على جانبيْ عقد مدخل المدرسة، وشيدت المدرسة بين عامي 1619 و1636م بأمر من القائد العسكري الأوزبكي ''يالا بجتوش بهادر'' الذي تكفل بالإنفاق من ماله الخاص على بناء هذه المدرسة· وجاء تصميم المدرسة ثمرة للفكر المبدع لاستاذ البناء ''ابوجبار'' الذي استعار تصميم مدرسة الوغ بيك في بخارى ليقابل به في تماثل بديع بناء مدرسة الوغ بيك الواقعة على الطرف الآخر من الساحة· فعلى جانبيْ المدخل المهيب المعقود بعقد فارسي توجد قبتان مضلعتان وإلى جوار كل قبة تقوم مئذنة ذات بدن اسطواني تنتهي بشرفة أذان محمولة على صفوف من المقرنصات· وكسيت واجهة مدرسة شيردار والقباب والمآذن ايضاً بزخارف الفسيفساء الخزفية الزاهية التي تضمنت شتى أنواع الزخارف الهندسية مع كتابات بالخط الكوفي تدور حول بدن المئذنة الأسطواني ونصها عبارة ''البقاء لله''· أما المدرسة الثالثة، فهي مدرسة ''تيلاكاري'' أي المطلية بالذهب، واكتسبت هذه التسمية لكثرة استخدام اللون الذهبي في زخارف الفسيفساء الخزفية فيها· وشرع في تشييد هذه المدرسة ايضاً القائد الأوزبكي ''يالابجتوش بهادر'' المعروف باسم تيمور الصغير في عام 1646 لتكتمل بذلك أضلاع البناء المحيطة بساحة ريجستان وتكتسب هيئتها الحالية· وصممت مدرسة ''تيلاكاري'' بحيث تستخدم إيواناتها لإقامة الصلوات الجامعة بعد ما تهدمت جدران مسجد بيبي خانوم رابع أضلاع البناء ولم تعد الصلاة آمنة فيه· وشيدت خلاوي إقامة الطلاب على طابقين يطلان على ساحة ريجستان بعقود فارسية متماثلة تظهر كما لو كانت صدى لعقد المدخل الهائل الاتساع· وإلى جانب الاستخدام التقليدي للزخارف الهندسية والكتابات الكوفية المربعة، أخذت الكتابات النسخية في الظهور· كما عرفت زخارف التوريق العربية ''الارابيسك'' طريقها ايضاً الى أعمال الفسيفساء الخزفية بهذه المدرسة وخاصة في كوشتي عقد المدخل حيث يظهر اللون الذهبي ليخطف الأبصار· ومما يزيد جمال هذه المجموعة من المدارس إطلالتها على بركة ماء ضخمة تعرف باسم ''سارخوز''، وكان القصد من حفرها أن تكون مصدراً للمياه التي يستخدمها سكان سمرقند في الشرب· وبين عاميْ 1533 و1534م أمر حاكم سمرقند ''مراق لطيف'' بتبليط البركة ببلاطات خزفية لتتزين ساحة ريجستان بمرآة من الماء النقي· وتعتبر مدارس الوغ بيك وشيردار وتيلا كاري اقدم مباني سمرقند التاريخية بعد مقابر شاه زاندة ومدفن تيمور لنك ''جور امير'' ومسجد بيبي خانوم·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©