الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مصائبهن.. رجل

مصائبهن.. رجل
24 ابريل 2013 21:50
في رواية «نساء المتعة» للروائية البحرينية منيرة سوار، يتكشف فضاء الرواية عن أربع نساء، تسورهن الأسئلة المحيرة في وسط ذكوري، يصادر كل شيء بنرجسية عالية، تحرسها ترجيعات رؤى وأفكار الماضي البعيد، التي جعلت من المرأة كيانا سلبيا، يعيش من أجل إشباع رغبات الذكور المتزايدة، تحت طائلة الخضوع التام للأنثى. أسماء يقدم لنا الفصل الأول من الرواية أربع نساء يرتبطن بعلاقة صداقة هن على التناوب: سوسن التي ترى «.. جميلة ولا تزال مثيرة، على الرغم من تجاوزها الثالثة والثلاثين عاما، وعلى الرغم من إنجابها لثلاثة أبناء! فلا بطن متدلية ولا أرداف متهدلة، وقد حباها الله وجها مفعما بالأنوثة حتى تحتار (مقلتيك) في تأمل قسماته المرتسمة على صفحة خمرية». وأمل العانس التي تطرب لعبد الحليم حافظ منذ أن كانت في الثانية عشرة وقد «تربت في بيت بحريني يشبه آلاف البيوت التي نمر بها كل يوم. كان كل شيء في حياتها في الوسط.. لم تولد لأسرة فقيرة ولا غنية.. ولم تعان من الشدة في تربيتها ولم تحرم من الحنان كذلك.. إلا أن عائلتها كانت صارمة في الالتزام بالعادات والتقاليد». ومهدية مثال المرأة الملتزمة دينيا، لكن زوجها صادق: «رجل شهواني.. يصعب عليه النظر إلى الأخريات دون أن يطوف هاجس الجنس بذهنه. إنها لم تستطع يوما استكشاف هذا الأمر من عدد مرات معاشرته لها أو حتى طريقته في ذلك». أما زهراء فهي: «مسكينة وذات حظ عاثر على الرغم من هذا الجمال الذي وهبها الله إياه، فهي محرومة من العيش كباقي النساء، فلا بيت تمتلكه ولا رجل تحتمي به ولا أطفال يملؤون عليها حياتها»، كما يصفها أخوها الشهواني صادق. ومن خلال فحص الفضاء التي تعيش ضمنه بطلات الرواية نلاحظ امتلاكهن جميعا العديد من أسباب الرفاهية كالبيوت والسيارات والملابس الفاخرة إضافة إلى الحرية الشخصية في التنقل وحضور المناسبات الخاصة دون ضغط من أحد، إذن ما هي أسباب تساؤلات المرأة في هذه الرواية؟ وما هدف هذه التساؤلات؟ وكيف تجيب عليها؟ شخصيات لنقترب من شخصية (سهير) التي تتوفر على مواصفات شخصية واجتماعية لا تمتلكها زميلاتها، فنقرأ في الصفحة الأولى من الرواية أسباب أزمتها: حياة متشابهة لا فرق بين الأمس واليوم والغد، العلاقة مع زوجها وصلت إلى طريق مسدود «فالمشاعر باتت مكسوة بطبقة من جليد»، حتى وصلت إلى اكتشاف أن «عادل» زوجها لا يعجبها «لم تعد تحب بشرته البيضاء... ولا (عينيه).. ولا شواربه ولا طريقته في تناوله لطعامه»، «إنه ليس الأب الذي تمنت لأولادها»، بعد أن كان «عشقها له عاصفا وثوريا، ومثلما تعلن العواصف عن نفسها كان عشقها جليا لكل من في البيت، فلم ترتدع من أم ولا من أخ كبير». وتتجلى أزمة مهدية بنفس هذا الإطار: الزوج (صادق) الذي يشاهد الأفلام الجنسية ويغرق في شهواته مع نساء المتعة! وعندما تسأله باستهجان عن عادته هذه: «لماذا لا تدعني أشاركك في مشاهدة هذه القذارة» يرد: «أنت امرأة.. ولا يجوز لك أن تفعلي كل ما افعله»، «يومها فقط.. رأت الفتق جليا وواضحا كقرص الشمس». أما أزمة زهراء وأسئلتها المحيرة فتبدو عبر تصرفات زوج غيور أذاقها العذاب لتتخلص منه بشرط قاس: «بأنها لن تعاشر رجلا آخر بعده.. وإلا فأن مصيرها سيكون بحرمانها من ابنتها إلى الأبد!». وتبقى تساؤلات (أمل) أكثر إشكالية نسبة إلى التساؤلات المحدودة التي تطرحها صديقاتها: سهير ومهدية وزهراء لأنها أسئلة وحوارات مع النفس تنطلق في فضاء رحب ومن تجربة معاشة مع رجل مفترض (عبر الشبكة العنكبوتية) تحمل انفتاحا على مستقبل مجهول تحاول الروائية استثماره ابتداء من الاسم (أمل)، وصولا إلى نهاية الرواية التي تنفتح على فضاءات العولمة المتمثلة بالشبكة العنكبوتية، بالعلاقة مع الآخر، ومع الحرية التي يفتحها فضاء هذه الشبكة لإقامة علاقات افتراضية تحتمل العديد من الأسئلة الإشكالية التي يوفرها هذا الفضاء المغلق على الذات من جهة والمنفتح على فضاءات الآخر الشبيه أو المعادي، التي سنشير إليها قريبا. أسئلة سنتخذ من أسئلة (سهير) و(أمل) نموذجين للكشف عن وجهة نظر الأنثى في عالم رجولي تعمد الروائية على فضحه عبر فصول الرواية. في الفصل الثاني من الرواية تتطور أسئلة سهير باتجاه التحرر من طوق العلاقة الزوجية نحو العلاقات الحرة متخذة من جمالها وسلوكها وارتدائها لملابس غير محتشمة وسيلة لجلب انتباه الرجال إليها هدفا لإعادة الاعتبار إلى ذاتها التي حطمها برود زوجها عادل . فهي ترتدي أجمل ثيابها وتخرج وحيدة من البيت في الساعة العاشرة ليلا لتعرض جسدها أمام مجموعة كبيرة من الرجال تعج بهم إحدى المقاهي: مجاميع من رجال ينقسمون إلى مجموعات موزعة على الطاولات تتجه أنظارهم إليها، فبدأت بالانتشاء والاسترخاء رويدا رويدا، لقد أعجبها الرجل ذا الشماغ، لكن الأسئلة المحيرة تبدأ في تلك اللحظة: ـ هل يعد تصرفها انحلالا أخلاقيا؟ هل تعتبر خائنة لزوجها إذا سعدت بإعجاب رجل آخر دونه؟ هل يتنافى سلوكها هذا مع التزامها بصلاتها؟ هل الخيانة الحقيقية تكون بالجسد فقط؟ أم الخيانة تكون بالفكر أيضا؟ ولكنها تطرد هذه الأسئلة: «مالي أضخم الأمر إلى هذا الحد؟ ما ذا جرى؟ شخص فاضي غازلني وتبعني بسيارته ثم مل وذهب لحال سبيله؟ ولم تكن ابتسامتي إلا سخرية منه..». وتكبر الأسئلة في ذاتها على شكل أجوبة تتحكم بها أدوات الاستفهام: «هل تشتهي رجلا بخلاف زوجها؟ لم لا؟ ألا يشتهي الرجل نساء أخريات بخلاف زوجته؟ أفلا يعقل إذاُ أن ترغب المرأة في رجل آخر.. أي رجل ترى فيه قدرا من الجاذبية والوسامة؟». ونلاحظ أن الأسئلة الأخيرة لسهير تحمل مفهوما عن حرية المرأة أكثر تطرفا ونرجسية، حين تضع تجربة الأنثى في مساواة تجربة الرجل في مجتمع روائي وواقعي يمجد الذكور ويستهجن تمردات الأنثى. وهي أسئلة محكومة بالإدانة في مثل ذلك المجتمع. في حين ترتفع أسئلة أمل إلى أسئلة وجودية تناقش وجودها الإنساني وليس الجنسي، على الرغم من شعورها بالإحباط والدونية نتيجة عدم اقترانها برجل، ولهذا فهي تبدأ بطرح أسئلة حول هذا الموضوع أولا حين تكتب رسالة الكترونية إلى صديقها في الشبكة العنكبوتية محمد البحريني: «فالمرأة التي بلا رجل عندنا تفقد ظلها تصور يا سيدي أن ظلال الشيء برهان على وجوده وأنا موجودة بشحمي ولحمي ولكن الناس لا يرون لي ظلا؟ هل يعقل سيدي أن يلغى وجودي وتتنكر الناس لظلالي المرتسمة على الإسفلت لتبحث عن ظل آخر لي في خيالها الواهم؟».وتتابع في رسالة أخرى «نعم يا محمد الحرية أولا ثم الدخول إلى التجربة ثانيا! ما هي الحرية أصلا؟ لماذا تكون الحرية وعي كثير من الناس مترادفة للانفلات وانعدام الأخلاق والبعد عن الدين؟ لماذا أصبحت الحرية تهمة؟ هل الحرية تناقض الشرعية؟ ومن الذي يحدد الشرعية هنا؟ هل هو القانون الإلهي أم القانون البشري أم المجتمع على اختلاف أطيافه؟ من أكثرهما حرية وشرعية؟ العلاقة التي تدار بالأوراق وتصطبغ بالأختام؟ ام تلك التي يلتزم بها الإنسان التزاما ذاتيا من منطلق قيمه وأخلاقه؟ ماذا عن العلاقات التي تحدث خلف الأبواب المغلقة، بعد أن تختم بختم الشرعية؟ هل هي شرعية حقا؟ هل تعتبر حرية شرعية؟». لقد تعمدنا اقتباس معظم الأسئلة التي طرحتها أمل على نفسها وعلى محاورها محمد البحريني لأنها تمثل الأسئلة الأساسية التي تطرحها الكاتبة على لسان أبطالها، وهي تمثيل غني لوجهة النظر الأنثوية في عالم رجولي مغلق على رغباته وأفكاره. ونلاحظ أن رواية «نساء المتعة» رواية نسوية بامتياز لأنها تتخذ من وجهة نظر الأنثى أساسا في تأثيث فضاء الرواية كما أن مجتمع النساء في رواية «نساء المتعة»، هو المجتمع الفاعل، من خلال مشاركة نسائه في العمل اليومي: التدريس أو تربية الأطفال في البيت، في حين يبدو الرجل منحى عن الفاعلية في حياة هذا المجتمع، ضمن تناقض صارخ، يعطي الحرية للجسد العاطل ويمنعه عن الجسد الفاعل، في صورة شائهة تتضح صورتها حتى في الأجيال الفتية، حين يبدو الطفل الذكر ـ أسامة مثالا ـ كسولا إلى جانب تفوق أخته عليه في المدرسة وفي البيت. رجال يخلو عالم الرجال من الأسئلة الوجودية، أو العلاقات الاجتماعية خارج نطاق العلاقة مع الأنثى، وبهذا المعنى تقتصر تطلعاتهم في هذه الرواية على المتع الصغيرة التي يحصلون عليها بعلاقات مع أنثى سواء عن طريق زواج المتعة أو الزواج العرفي، ولن تجد في الرواية علاقات خارج هذين النظامين كدليل على التزام شكلي بنواهي الدين والعرف الاجتماعي، إضافة إلى الالتزام الصارم بالنظام الأبوي الذي يكرس الهيمنة المطلقة للرجل على المرأة: الزوجة والأخت. وتبنى شخصية الرجل في هذه الرواية بشكل كاريكاتيري بتكبير مبالغ فيه بحياته الشبقية نسبة إلى جوانبه الإنسانية الأخرى، باختلال واضح يمسخ شخصيته ويجعله هائما وراء غرائزه التي لا تنتهي، ويتضح ذلك بشخصيات عادل زوج سهير وصادق زوج مهدية وعلي طليق زهراء، إضافة إلى شخصيات ذكورية ثانوية ولكنها مؤثرة في حياة نساء الرواية. وتتضح شخصية الرجل من خلال وجهة نظر الإناث أولا ومن خلال وجهة نظر السارد الضمني الذي يمثل وجهة نظر الروائية. فعبد الله السكير جار أمل يبدو شخصية كاريكاتيرية من وجهة نظر أمل حين يتجلى لها «برأسه المربع البني الذي يشبه طنجرة الغداء المحروق يتوسطه انفه الكبير المدور الذي يذكرها بـ(الخنفروش) في لحظة استوائه». ويبدو صادق زوج مهدية من وجهة نظرها: «لم يكن وسيما بمقاييس الوسامة فلم يكن طويلا ولا عريض المنكبين وكان بقوام متوسط أكرت الشعر، وانف أفطس وقد اكتشفت فيه بعد الزواج صفات غريبة، فهو مدمن على مشاهدة الأفلام الإباحية خلسة» وانه يخونها مع مجموعة من النساء، عبر زواج المتعة. اما علي طليق زهراء فيذكرها دائما «بغلطة عمرها وبمأساتها» فهو غيور بشكل غريب وكان يرى «أن المومسات هن فقط من يقبلن على أنفسهن التسامر والضحك مع رجال أغراب في الشارع وأنا لم أعرف إنني متزوج من مومس»، وهي تتساءل: «كيف استطاعت معاشرة هذا الإنسان طوال هذه المدة؟ كيف استطاعت أن تقف كل يوم لتلقي المواعظ والدروس على الطالبات ثم تعود لتتلقى أشكالا من الإهانات في بيتها بعد ذلك؟ أنها إنسانة منافقة». لقد صورت الروائية عالم الرجال بطريقة الكاريكاتير حين حذفت تطلعاتهم الإنسانية وأفكارهم وإسهاماتهم في تأثيث ما يحيط بهم، وإسهامهم في بناء عالم من الانسجام والعدالة، الذي تتوفر عليه العديد من الروايات العربية والعالمية، وأخضعت عوالمهم إلى العالم الطبيعي، الذي يعطي الذكر وظيفة جنسية، وينزع عنه كل مظاهر الحضارة والتقدم البشري ليكون عاريا متأهبا للتلقيح، وهي وجهة نظر سلبية وممعنة في سلبيتها، فتحرر المرأة والإجابة عن أسئلتها المصيرية التي طرحتها الروائية بجرأة فائقة لا يمكن أن تجد لها افقآ دون إسهامة الرجل، في هذا المجال الشائك والعسير على التحقق. نهاية لقد طرحت الروائية منيرة سوار تساؤلات مهمة عن عالم الأنثى في أفق مسور برغبات الذكور وتصوراتهم الشهوانية عن الأنثى التي تصادر كل تطلع لها في هذا الفضاء المغلق، لكنها من طرف آخر فرضت عقوبات قاسية على هذا التطرف في استثمار صلاحيات الذكر في مجتمع الرواية، وهي عقوبات تستقي تفاصيلها من الواقع المعيش الذي يسرد حكايات لا نهاية لها، تكون العائلة والأطفال بشكل خاص ضحية لهذا التطرف عند الرجل او المرأة، والتذكير بذلك في الرواية نوع من العظة الأخلاقية، كالخراب الذي حل ببيت صادق ومهدية اثر اكتشافها زواجه زواج متعة من امرأة (أرتيست). واندفاع سوسن نحو إشباع نرجسيتها في التبرج واصطياد الرجال، كرد فعل على إهمال زوجها عادل لها وزواجه من امرأة ثانية، أدى إلى ضياع طفلتهم سوسن التي انهارت حين سمعت حوار أمها مع عشيقها، وانحراف أسامة بمداعبة أخته الصغيرة. إن النهايات الدرامية التي تنتهي إليها حياة أبطال رواية «نساء المتعة» من الرجال والنساء، لم تكن سوى وجهة نظر أخلاقية حاولت الروائية أن تجعلها رد فعل مناسب لكل أنواع التطرف. وتبقى أسئلة أمل المصيرية، تمهد لصعود وسمو الأسئلة الإشكالية التي طرحتها «نساء الرواية» عن آفاق الحرية وإشكالاتها في عالم ذكوري تحرسـه القيم الماضية والعادات وعن المسـاواة في اختيـار نوع الحياة. إن هذه الأسئلة تمثل تمردا ضد كل المحرمات المفروضة على النساء، تتضامن مع أسئلة أمل في نهاية الرواية عن الحرية: «من منا حر حقا؟ ومن منا يتصرف «بشرعية» أكبر؟: وهي الأسئلة التي تبقى معلقة في فضاء مفتوح على الآتي من الأيام، والتي تحمل وعودا في تغيير جذري، أساسها وضوح التطور في أفق الرواية وفي الواقع المعيش، المتجسد بهذا الرخاء الكبير في مجتمع الرواية، باستثمار تقنيات العلم الحديثة في الشارع والبيت، وقدرة الفرد- ذكر أو أنثى- بالانفتاح على عالم متنوع، في العمل والبيت لا تحده أفكار ولا عادات ولا (تابوهات)، عالم منفتح على مدنية عالمية، تستنكر علينا هذه الحرية المقيدة للأنثى، وسط حياة لا يمكن لها أن تستقيم وتتجدد دون إسهام ايجابي من قبل المرأة، وهذا الفضاء المفتوح يمثل إجابات محتملة للأسئلة الإشكالية التي فرضتها قيود مجتمع الرواية، كإشارات كنائية عن واقع معيش تختمر فيه مبررات التغيير القادم.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©