أبوظبي (الاتحاد)
في بعض ما يوضح سرّ صوفيّته، لا سيما في قصائدة المتأخرة، يعثر المرء على روح الشاعر الرهيف محمد الفيتوري المتوارية.. هناك في عمق الطفولة الذاهبة إلى أمدائها الأخروية عبر أفعال طقوسية، بدأت حكاية الرجل مع التصوف.. رأى الطفل أباه صاعداً إلى معناه الوجودي في ترتيلة ... فلاحقها حتى وقعت في يده.. مذّاك ، سيعرف الصبي الدهشة عبر رحلة معرفية، عرفانية، إلى جنات الكلام.. وسيقطف ورود الشعر من أعناقها، ليصنع منها قلادة لحرية روحه وانعتاقها.. فالشاعر ابن لأب صوفي كبير هو أحد رجالات الطريقة «الشاذلية»، وكان لهذه النشأة، أثر كبير تبدى في شعره وسلوكه. إذ يجمع الذين كتبوا عن الفيتوري على أنه لم يكن ساعياً وراء مكاسب دنيوية.. وفي سيرته، تقترن الكلمة بالممارسة، لكي تتجسد فكرة «الصوفيّ» في حياته.. التي ستشكل بدورها نموذجاً للشاعر المبدئي، الثابت على موقفه.تلك هي حكمة قراءة الفيتوري: أن يكون الشاعر نفسه في كل مرّة...
فالرجل عاش حياته في عمقها، وعلى هامشها في الوقت نفسه.. بمقياس الإبداع والأثر الباقي فإنه في بؤرة الحياة. أما بمقاييس الغنى المادي وما يحف به من مظاهر الرفاهية والترف، فهو عزف عنها، وركلها بطرف قصيدته!