الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المنسحبون من «طالبان»... ومخاطر الوعود الزائفة

المنسحبون من «طالبان»... ومخاطر الوعود الزائفة
14 ديسمبر 2009 22:58
كان فداء محمد، يسير مهتدياً بضوء القمر، حاملا على ظهره بندقية "كلاشينكوف" على امتداد الدرب الجبلي الذي يخترق المرتفعات الفاصلة بين باكستان وأفغانستان، الذي قطعه قبل ذلك عشرات المرات أثناء ذهابه في مهمات لضرب القوات الأميركية في أفغانستان.. غير أن رحلته هذه المرة كانت مختلفة تماماً عن المرات السابقة، حيث كان ذاهباً في مهمة خاصة لتسليم نفسه. وهذا الرجل الذي وُعد بوظيفة، وأرض لعائلته، وراحة من ويلات القتال إذا ما ترك صفوف التمرد، يشكل هو وأمثاله الأمل الذي يعول عليه قائد القوات الأميركية في أفغانستان الجنرال "ستانلي ماكريستال" في إنهاء الحرب المستمرة منذ ثماني سنوات في ذلك البلد. وبرامج إدماج المقاتلين السابقين في المجتمع الأفغاني، بل وحتى جعلهم ينقلبون على رفاقهم السابقين في التمرد، تقع في صلب استراتيجية أوباما الجديدة لوقف التمرد في أفغانستان. غير أن تجربة "محمد" تمثل عبرة للآخرين: فبعد أربعة شهور تخلت الحكومة الأفغانية عن كافة الوعود التي قطعتها على نفسها، ولم توفر للرجل وظيفة، وتركت أسرته المكونة من عشرة أشخاص دون مأوى، وعندما وجد نفسه مطارداً أيضاً من قبل "طالبان"، وخائفاً في الوقت نفسه من الجنود الأميركيين، لم يكن أمامه سواء قضاء معظم وقته مختبئاً. وفي حرب يجب على كل شخص في أفغانستان أن ينضم فيها إلى طرف ما، فإن محمد ربما يندم على الخيار الذي اتخذه. ومثل تلك الحالات كانت سبباً رئيسياً لدفع الولايات المتحدة وحلفائها للتخطيط لاستثمارات ضخمة في البرامج الهادفة لاستخدام الوظائف، وغيرها من الحوافز، لإغراء مقاتلي "طالبان" بالتخلي عن التمرد. وعن ذلك يقول الجنرال البريطاني "ريتشارد بارونز" الذي وصل إلى أفغانستان الشهر الماضي لقيادة جهود إعادة الإدماج (في المجتمع) التي تتم تحت إشراف الناتو: "إن ذلك يتصل بكل جزء من أجزاء خطة ماكريستال. وأنا واثق تماماً من أنه من الممكن تحقيق هذا، وأن الوقت الراهن هو الوقت المناسب"، ليضيف: "وهذه في رأيي فرصة قد لا يحصل الأفغان على مثلها مرة ثانية، ومعظمهم في تقديري يدرك ذلك جيداً ويحرص على انتهاز هذه الفرصة الآن". والمتمرد السابق محمد، نحيف، وقد بدأ شعره يتساقط على رغم أنه لا يزال في السادسة والثلاثين من عمره، وقد أمسك بـ"الكلاشينكوف" لأول مرة في حياته عندما كان السوفييت لا يزالون يحتلون أفغانستان. وشأنه في ذلك شأن العديد من بني جلدته، لم يتوقف عن القتال منذ ذلك الحين ضد أعداء مختلفين كان آخرهم خلال الثماني سنوات الماضية هم الجنود الأميركيون. ولكن ما حدث هو أن محمد تعب من القتال، وأراد أن يعود إلى بلده الأم أفغانستان بعد أن ظل يعيش لسنوات بين المتمردين الذين يعيشون في المنفى على حدود باكستان. وفي إحدى ليالي أغسطس الماضي، تمكن محمد من خداع قادته عندما أقنعهم بأنه ذاهب إلى أفغانستان في مهمة لمهاجمة قاعدة أميركية هناك، بينما كان يضمر الهرب في قرارة نفسه. وكان قد اتخذ قرار الهرب بالمشاركة مع إخوانه ووالده، حيث اعتقد الجميع أن هذا القرار سيفتح أمام عائلتهم الفقيرة نافذة فرص جديدة. يقول محمد: "إن أطفالي يسألونني: لماذا لا نعود إلى ما كنا عليه عندما كنت تقاتل في صفوف طالبان، حيث كانت حالة العائلة أيسر، بفضل ما كنت تحصل عليه من مال من طالبان؟ فلا أجد إجابة على سؤالهم". أما الرجال الذين أقنعوا محمد بالفرار من صفوف "طالبان"، والانضمام لصفوف قوات الحكومة فيقولون إنهم يأسفون على ما آل إليه حاله، وحال غيره من المتمردين، الذين أقنعوهم بالتوقف عن القتال مقابل وعود كانوا يعرفون جيداً أنها زائفة. يقول الحاج "جان محمد" مدير برنامج الوفاق الوطني الحكومي لولايتي "نانجارهار" و"لاجمان" الواقعتين في المناطق الشرقية المضطربة من أفغانستان: "نحن لا نحصل على أي قدر من المساعدات من الحكومة المركزية، ولذلك نعد هؤلاء المقاتلين بالوظائف في حين أنه ليست ثمة وظائف، ونعهدهم بالأرض ونحن نعرف أنه ليست هنالك أراضٍ". وعندما يعرف المقاتلون السابقون بأنهم قد تعرضوا للخديعة، فمن السهل التنبؤ بردة فعلهم. ويوضح الحاج "سناء جُول" مستشار حملة الوفاق في الولايتين المذكورتين ذلك بقوله: "عندما يدرك المقاتلون السابقون أنهم قد خدعوا، فإنهم يحملون سلاحهم مجدداً". ويعترف "نجيب الله مجددي" نائب مدير برنامج الوفاق الوطني، والمقيم في كابول، بالتقصير ولكنه يؤكد أن سبب ذلك هو أنهم لا يتلقون أي دعم سواء من الحكومة الأفغانية أو الحكومات الأجنبية، وأن إجمالي ميزانية البرنامج خلال العامين السابقين لم تزد عن 3 ملايين دولار أميركي! ولكن الجنرال البريطاني "بارونز"، المذكور أعلاه، يقول إن ذلك سيتغير عما قريب.. وإن إدارة أوباما تراهن بقوة على هذه الفكرة، ووعدت بالفعل بتخصيص مبالغ لهذا البرنامج، علاوة على أن الحكومة اليابانية تعهدت بدفع 5 ملايين دولار في صورة مساعدات للأفغان، يتوقع أن يخصص جزء كبير منها لجهود إعادة الإدماج الاجتماعي. ولكن تلك الجهود يمكن أن تكون محدودة، على كل حال. ويرجع ذلك، كما يقول مسؤولو التحالف هنا، إلى أن الحكومة الأفغانية ستكون بحاجة إلى أخذ زمام المبادرة في هذا الجهد. ومع ذلك، فإن لدى "بارونز" وغيره من المسؤولين الدوليين أفكارا محددة عن الكيفية التي يريدون لتلك البرامج أن تكون عليها. ورؤيتهم تستمد إلهامها من نموذج العراق، وإن كانت ليست مبنية على غراره تماماً. وقد أكد "بارونز" أن الخطة تقوم على عدم دفع المال مباشرة لمقاتلي "طالبان" الذين يتخلون عن التمرد، وإنما على ما يعرف بـ"برامج النقود مقابل العمل" التي يمكن أن توفر لهؤلاء المقاتلين دخلا بديلا عن الدخل الذي كانوا يحصلون عليه من "طالبان"، والذي كان معقولا إلى حد كبير. ولكن، يشكك البعض في تلك الجهود ويقولون إنها تأتي متأخرة للغاية، وإن تدفق المقاتلين الآن هو في اتجاه "طالبان" وليس في اتجاه الحكومة. غير أن المسؤولين الأميركيين يرون أن سنوات الحرب الطويلة في ذلك لبلد قد خلقت رغبة جارفة في السلام لدى سكانه، وأن واضعي الخطط يراهنون على أن البعض من الأفغان سيستجيبون لأي عرض يقدم لهم للابتعاد عن ميدان التمرد. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©