الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تنمية الديمقراطية

2 يوليو 2010 21:43
تقاس المساهمة السياسية للمواطن في الدول المعاصرة بمعايير واضحة تتعلق بقدرته على التعبير عن آرائه بحرية وبترجمة قناعاته السياسية وتجسيدها من خلال العمل الفردي أو الجماعي المنظم، وبدرجة تأثيره على آليات عمل النظام السياسي وقراراته، وتحكمه بسلوك ممثليه. وبقدر ما يمتلك المواطن الوعي السياسي والأدوات والوسائل التي تتيح له ترجمة هذا الوعي في سلوك حرّ، تكون البيئة السياسية هي الأمثل. وقد وجد الفلاسفة السياسيون أمثال لوك وميل وتوكفيل وغيرهم، أن هذه المعايير أساسية لنظام ديمقراطي قائم على التعددية وحرية التعبير. والمشاركة السياسية الحرة والطوعية لمواطني الدولة الحديثة، شرط أساس لأي نظام سياسي حديث. وقد أظهرت التجربة التاريخية للعديد من المجتمعات أن حيويتها، وتماسكها واستقرارها، رهين بدرجة الإسهام السياسي والمبادرة لدى المواطن الفرد. بينما يفسّر هشاشة النظام السياسي وعدم استقراره وضعف المجتمع المدني بتدني مستوى المشاركة السياسية للأفراد. وقد مثل نظام العراقي السابق نموذجاً حيّاً لهذا الموقف، إذ اعتقد أن من شأن القمع وسلطة الخوف وحدهما أن توحدا المجتمع، فحوله إلى عبد لقوته المتعسفة. وقد أفضى ذلك إلى تدمير روح الاجتماع الإنساني، فتحول المجتمع إلى جمهرة قلقة وعدمية، محتقنة ومفككة، تسودها الكراهية وعدم الثقة. ويتعلم المواطن في زمن الاستبداد والقهر أن يكون سلبياً إلى أقصى درجة، وخلق الرعب لديه نوعاً من العدمية السياسية واللامبالاة التي كرست الاغتراب الداخلي وعمقت من تصدع الوحدة السياسية والاجتماعية المطلوبتين إزاء أيّ تحدّ خارجي. ومن هنا أخفقت جيوش صدام في الإنابة عن المجتمع دفاعاً عن نظامه وعن سيادة البلاد. لا يستطيع النظام السياسي الدفاع عن المجتمع وحمايته من دون مواطنين يستشعرون حريتهم. فالنظام الذي يؤثر القمع يولّد الخوف في الأذهان ويخلق مقداراً كبيراً من عدم الثقة، ويؤدي كل ذلك إلى القطيعة بينه وبين الأساس الاجتماعي لشرعيته ووجوده وبقائه. إن النظام السياسي الذي لا يثق بالوعي السياسي لمواطنيه، ليس له أن يفرض وعياً وطنياً مشتركاً بالقوة من دون أن يغامر بإثارة العداء والكراهية نحوه. إن عملية التعبئة الأيديولوجية التي تبدو مفروضة، لا تخلق شعوراً وطنياً مشتركاً وفاعلاً، وعوضاً عن أن تحقق تواصلاً سياسياً بين النظام السياسي والمجتمع المدني. إن من شأن الكوابيس الأيديولوجية، التي تنجم عن تماهي المجتمع والدولة مع أيديولوجية حزب حاكم، أن تضعف الشعور بالمواطنة لدى الأفراد وتخنق لديهم كل ابتكار أو تنوع خصب في الرؤى، وتقيّد روح المبادرة. فالمجتمع الديمقراطي الحديث، في أبرز تعريف له، هو المجتمع الذي يشرك أكبر تنوع ثقافي ممكن وتنوع في الآراء مع أوسع استخدام ممكن للعقل، مع ضمان أكبر قدر ممكن من الاحترام للتطلعات الفردية والجماعية، ودون اللجوء إلى أي شكل من أشكال العنف أو القهر أو الإقصاء. ومن جانب آخر، فإن الاعتقاد بأن المصلحة الوطنية تقتضي هذا التماهي بين المصادر الثلاث، إنما يقوض كل أساس سياسي أو قانوني لمعارضة تعسف السلطة، ويطيح بكل إمكانية لتصحيح مثالبها وتعويضها، وبالتالي يعدّ العدة لشرْعنة أخطائها، بجعلها القاعدة الناظمة للحياة السياسية. فيصير لزاماً على الدولة إذا شاءت أن تكون وطنية وديمقراطية حقاً، أن تعترف لمواطنيها بحقهم ضمن إطار القانون، بالأسلوب الفردي أو الجماعي. فلا تقوم الدولة فقط بتحديد سلطتها على هذا النحو، وإنما تفعل ذلك من موقع وعيها بأن شرعية نظامها واستمراريته مرهونتان بدرجة تفاعله وتواصله مع المجتمع المدني. إن اجتماع المساهمة السياسية للمواطنين مع تحديد السلطة وتقييدها بوساطة الحقوق الأساسية، يعدّ الأساس الراسخ لأي نظام سياسي حديث، وهو الأمر الذي بدونه لا تكون الدولة الحديثة دولة مواطنين أحرار. لكن يتعين أن يتوج كل ذلك بالحد من مبدأ مركزة السلطة ونفي كل صفة جوهرية عنها، بوصفها حزباً واحداً، ينطق باسم الشرعية الأخلاقية والسياسية للمجتمع... الأمر الذي يمكن ترجمته بشكل ملموس في التداول السلمي للسلطة عبر انتخابات حرّة ونزيهة تعتمد رغبة الأغلبية قانوناً لها. سربست نبي - باحث سوري ينشر بترتيب خاص مع "مشروع منبر الحرية"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©