الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الشراكة الصينية... طوق نجاة للقارة اللاتينية

2 يوليو 2010 21:42
ها هو المخرج السينمائي الأميركي أوليفر ستون يعيد الكرة من جديد: فشريطه الوثائقي الجديد "جنوب الحدود" يُحمّل مسؤولية مشاكل أميركا اللاتينية ومتاعبها للولايات المتحدة والرأسمالية العالمية والشركات الإعلامية. كلام مبتذل، ولكنه سيغذي من جديد الجدل حول ما إن كان على أميركا اللاتينية أن تبحث عن بدائل سياسية واقتصادية لولايات متحدة متعجرفة ولا تبحث إلا عن مصلحتها الذاتية. بالطبع، وكما يقولون في السياسة، لا يمكنك أن تضرب شيئاً بلا شيء، وهذا ما يفسر نظرة عدد متزايد من المراقبين من أميركا اللاتينية بعين الرضا إلى إمكانية نسج علاقات أوثق بين بلدانهم والصين؛ والحال أن لصعود الصين في القارة الأميركية الجنوبية تداعيات كبيرة ربما لا تُفهم الآن كما ينبغي. من المعروف أن الصين بلد يسعى وراء النمو الاقتصادي كوسيلة للحفاظ على النظام السياسي الداخلي. وخلال الفترة من 1979 إلى 2009، نما هذا البلد بمعدل 9.8 في المئة سنويّاً. وحتى في أسوأ أزمة عالمية منذ "الكساد الكبير"، حققت الصين نمواً بلغ 8.7 في المئة في 2009. واليوم، وبينما تترنح أوروبا على شفير أزمة مالية أخرى وتكافح الولايات المتحدة ارتفاع معدل البطالة وتباطؤ النمو، عادت الصين إلى معدلات النمو المذهلة التي كانت تسجلها قبل الأزمة. وما يغذي توسعها هو المواد الخام التي تستوردها من معظم بلدان العالم النامي. وبالنسبة لبلدان أميركا اللاتينية تحديداً يشكل الاهتمام الصيني نعمة اقتصادية حيث ركب هناك مُصدرو المواد الخام الموجةَ. هذا زيادة على أن صعود الصين كقوة اقتصادية أحدث تحولا في ظروف أميركا اللاتينية التجارية، حيث منح المنطقة خيارات اقتصادية جذابة لم تكن موجودة من قبل. ونتيجة لذلك، باتت البرازيل وتشيلي تعتبران الصين سوق صادراتهما الأولى؛ كما تُعد الصين ثاني سوق بالنسبة للأرجنتين وكوستاريكا وكوبا والبيرو. وفي حال استمرار هذا الاتجاه، فإن الصين ستحل قريباً محل الاتحاد الأوروبي كثاني أكبر شريك تجاري لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة. وبالطبع، لم تستفد كل الدول من ذلك بشكل متساوٍ؛ فالمكسيك وجزء كبير من حوض الكاريبي، ومنطقة أميركا الوسطى، تجدان أن صعود الصين يخلق ضغوطاً تنافسية إضافية. ومع ذلك، فإن الانخراط الاقتصادي الصيني في أميركا اللاتينية بات محل إشادة من قبل المراقبين، وهو انخراط تشدد الحكومة الصينية على أنه مفيد ولا تحركه أية نوايا خفية. وبالفعل، فمن الصعب في هذه المرحلة إظهار بعد سياسي أو أمني لاهتمام الصين بالقارة الأميركية إذ تُظهر هذه الأخيرة حرصاً على عدم التدخل في الشؤون السياسية المحلية. والواقع أن التعليقات الغاضبة لمعلقين أميركيين محافظين حول سعي الصين للاستيلاء على قناة بنما، أو رغبتها في إظهار قوتها في النصف الغربي من العالم، لا تجد ما يدعمها في التصريحات أو التصرفات الصينية؛ غير أن ثمة مجالا للشك بشأن الدور الاقتصادي المتصاعد للصين في القارة الأميركية الجنوبية. فالنمو الاقتصادي الذي تغذيه صادرات السلع الأساسية إلى الصين جذاب طالما أن الطلب على السلع مرتفع، ولكنه يخفي الحاجة إلى تنمية اقتصادية تقوم على ابتكار وإنتاج مبني على المعرفة والقيمة المضافة، وهذا أمر تفتقر إليه أميركا اللاتينية مقارنة مع منافستها. وعندما تحقق الاقتصادات النمو، فإن الضرورة السياسية للتغيير تتقلص، ويمكن الاكتفاء فقط بإعادة توزيع المكاسب الاقتصادية. ومع ذلك، فإن معظم هذه المكاسب تحققها دول تضيف قيمة على السلع الأساسية ثم تعيد تصدير المنتجات ذات القيمة المضافة، غالباً إلى البلدان نفسها التي أرسلت تلك المواد الأساسية. ثم إن الاستثمارات ليست كلها متشابهة. فالاستثمار الأميركي يجلب معه عادة شروطاً لمحاربة الفساد، ودفع الضرائب، ونقل التكنولوجيا، وخبرة التسيير، وحماية العمالة، وبناء القدرات، والمسؤولية الاجتماعية للشركة، والتوظيف على الصعيد المحلي. وبالمقابل، فإن الصين تَعد بعلاقة تجارية فقط بدون تدخل سياسي أو في السياسات؛ ولهذا، فإنها تلقى ترحيباً جيداً. ذلك أن الصينيين لا يهمهم ما إن كانت الحكومة التي توجد في السلطة رأسمالية أم شعبوية، سلطوية أم ديمقراطية، فاسدة أم لا. كما لا يهمهم ما إن كانت الحكومة موالية للولايات المتحدة أو مناوئة لها. وتركيزهم ينصب فقط على القيام بأعمالهم واستثماراتهم في المنطقة بدون إزعاج. وعلى رغم الجانب السلبي للتنمية الإقليمية على المدى الطويل، إلا أن الاستثمارات والفرص التجارية الصينية تمثلان خياراً جذاباً بالنسبة للزعماء في أميركا اللاتينية، وبخاصة الأشخاص الذين يبحثون عن مسار مستقل عن الولايات المتحدة وعن الأورثوذوكسية الاقتصادية الليبرالية. وفي المقابل، يبدو أن قدرة الولايات المتحدة على التشجيع على حماية العمالة والبيئة وحقوق الإنسان وحكم القانون بدأت تتقلص، لأن المنطقة اليوم باتت لديها خيارات أخرى. إن الصين تسعى وراء مصالحها الاقتصادية بقوة وشراسة في أميركا اللاتينية، وهي تقوم بذلك بنجاح؛ ولكنها تبحث عن مصالحها الذاتية الخاصة تحديداً، وليس مصالح المنطقة بالضرورة. صحيح أن ذلك لا يجعل التحركات الصينية غير شرعية أو يحولها إلى تهديد، ولكنه يعني أن على مراقبي الظاهرة الصينية أن يتأملوا أكثر تداعيات صعود الصين في القارة الأميركية، وليس التركيز فقط على الآثار متوسطة المدى على النمو. وفي هذا السياق، فقد آن الأوان للتخلي عن فكرة كثيراً ما نسمعها في المنطقة وفي الدوائر السياسية، مفادها أن الانخراط الاقتصادي الصيني إيجابي بدون شك بالنسبة للقارة الأميركية الجنوبية، بينما الانخراط الاقتصادي الأميركي جنوب الحدود ليس كذلك. إيريك فارنزورث نائب رئيس "مجلس القارة الأميركية" ينشر بترتيب خاص مع خدمة "إم. سي. تي انترناشونال"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©