السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ساخرون

ساخرون
2 يوليو 2010 20:52
تلميذ المشي تفوق على أرسطو «لا يأس مع الحياة»، كان هذا شعاري لأكثر من عقد جربت خلاله أشياء كثيرة لإنقاص وزني لكن لم أفقد جراماً واحداً. وأكثر شيء لجأت إليه هو الرياضة، خصوصاً رياضة الجري والأيروبيك والسباحة وكمال الأجسام، وأهمها رياضة الجري التي تحولت مع الأيام إلى رياضي المشي بعد أن أصبحت ركبي لا تتحمل الجري بحمولة عُشر طن من الوزن. لم أستمر في أي رياضة منها سنة كاملة متواصلة، ولعل رياضة المشي هي الوحيدة التي استطعت أن أمارسها لفترات طويلة نسبياً. والسبب هو عدم إحساسي بالفرق بعد مدة وجيزة من الرياضة، فأنا أنتظر النتائج بعد خمس دقائق، وأهدافي غير الواقعية تجعلني أصاب بالإحباط سريعاً، وتوقعاتي تفوق قدرة التمرين على تقديم النتائج بألف مرة، بينما الجسم في فترة الرياضة يذيب الدهون الجديدة المتراكمة وليس القديمة، ولا يبدأ في التخلص من الدهون القديمة إلا بعد فترة طويلة. وفوق هذا، فأنا مؤمن بالمبدأ الذي يقول: توسّل أبعد الغايات (الرشاقة)، بأقرب الوسائل (المشي)، بأقل الجهد (بعد مشي مسافة مئة متر). إن أمري مع الجسد الرشيق أن أقول له كن فيكون، وهذا هو المُحال بعينه. المشكلة الأخرى أنني أفضّل ممارسة الرياضة مع صديق يسليني وأسليه، وأتفلسف عليه ويتفلسف علي، لأنه لا يمكن هدر ساعة من يومي الحافل بالأشياء التافهة في مشي أو تمرين لا طائل من ورائه سوى حرق حبيبات من السكر من كوب الشاي العاشر الذي شربته في اليوم نفسه. مشيت مع أكثر من شخص، لكن الوحيد الذي يستحق أن أذكر ما حصل معه هو شقيق صديق قديم. فقد تزوّج هذا الصديق قبل أوانه، وأخذ يتهرّب من الجلسات الشبابية الأسبوعية. وبسبب تذكيره بالعيش والكباب، اضطر إلى مجاملتنا بالحضور بين الحين والآخر مصطحباً معه أخاه الصغير السمين. وفي يوم من الأيام حضر السمين بمفرده، وكان هذا إعلاناً من الكبير بأنه قرر تعيينه مبعوثاً شخصياً عنه. لم تكن الفجوة العمرية هي المشكلة مع الصديق الجديد، بل في عدم استيعابه أكثر ما نقول، لأنه عاش في هذه الدنيا 18 سنة لم ير خلالها إلا بيوت أقاربه والمدرسة التي كان متوفقاً فيها، إلا أنه كان صفراً في أي شيء يقع خارج أسوار المدرسة، فلا يلتقط المعاني الطائرة، ولا حتى الزاحفة، ويفتح فمه متعجباً من أي شيء وكل شيء، حتى ضحكاته كانت تخرج متأخرة، وأعتقد أنه كان يراقبنا وما إن نضحك يقول في نفسه: لقد ضحكوا، هيا اضحك، هاهاها. ولحسن حظه أننا كنا مشغولين عنه، لأننا لو واجهناه بسبب ضحكه، لتورّط وقال: لم أكن أضحك، كانت هذه كحّة. احتكاكه الوحيد بالناس كان من خلال مطاعم الوجبات السريعة، فقد كان على علاقة وطيدة بها، لدرجة أنه من «الألو» المبدئي يعرفونه ويعرفون طلباته. كان مدمناً على الوجبات السريعة ولا يتصور وجود أطعمة خارج هذا النطاق، فمنها وُلد وفيها يعيش وبسببها يموت وبين مطابخها يُدفن ويبعث حياً على هيئة دجاجة مقرمشة. ذات يوم قررت أن اتخذه ولداً أو رفيقاً في الطريق إلى الجسم الرشيق، فبدلاً من أمشي بمفردي 4 كيلو مترات، يكون «أبو ضحكة جنان» معي، يصغي إلي وأنا أمارس عليه دور أرسطو. وهو إلى ذلك، سيكون رفيق مشي أو تدحرج مخلص، لأنه كان محرجاً من جسده، خصوصاً أن أحد الشباب كان يصفه وهو قادم إلينا: وصلت البقرة الضاحكة، وأنا أقول له: عيب عليك يا فلان، هذا صديقنا وأخو صديقنا، لا تقل وصلت البقرة الضاحكة بل قل الشاحنة وصلت. مشيت مع الرجل نصف سنة تقريباً. في أول الأيام كان يتعب بسرعة بسبب استهلاكه الكثير من الطاقة لتحريك أردافه المقرمشة. ومع الأيام تحسنت حالته وبدأ يفقد وزنه، لأنني تبنيّته بالكامل في الرياضة ونظام الأكل. ومع حملة التطهير من الشحم تفتح عقله. وبلا أعذار، توقفت عن المشي وواصل هو الطريق بمفرده. بعد سنة أصبح مثل السيارات الرياضية الرشيقة، ولايزال إلى اليوم رشيقاً، يلتقط المعاني القريبة والبعيدة مثل الرادار، بينما أستاذه أرسطو، لايزال يتخبط بين برامج الحِمية الغذائية، ويمشي أسبوع ويتوقف سنة، ويحق له الآن أن يقول عني: شاحنة قادمة، لكنه لا يفعل احتراماً لي كوني صديقه وصديق أخيه الذي ذهب إلى حيث لا أدري. أحمد أميري Ahmedamiri74@yahoo.com أصغر منك بيوم (1) «أكبر منك بيوم أفهم منك بسنة». ربما تكون هذه اول نصيحة تعلمناها صغاراً، وكان الكبار لا ينفكون عن تكرارها على سبيل الإحساس بالتفوق (الزمني) علينا نحن الصغار آنذاك. لم أكن اصدق هذه الحكمة قط. فقد كنا صغاراً في المدارس، بينما كان أباؤنا أقرب الى الأمية أو يفكون الحرف بصعوبة، فكيف يكونون أفهم منا؟ وقد أثلج صدري ونافوخي وغددي المعثكلة، وأنا أقرأ خبراً يقول بأن الباحثة الألمانية أرسولا شتاودينغر، من جامعة ياكوبكس الخاصة في برلين العاصمة، قد اكتشفت بعد دراسات وتجارب طويلة المدى بأنه ليس بالضرورة أن يكون الكبار أكثر حكمة من الشاب، لأنهم لا يستطيعون التعامل مع الأشياء بالكفاءة المطلوبة، وهم اقل استعداداً لنقد انفسهم بعكس الشباب. ربما كان هذا القول قريباً من الحقيقة أيام زمان، حيث كانت وسائل وأدوات الحياة ثابتة نسبياً، فيمكن أن يعرف الكبير أكثر من الصغير، لكننا حالياً في عصر يعرف الصغير اكثر من الكبير، ويستطيع استيعاب المعطيات التكنولوجية ووسائل الراحة والمتعة الحديثة بشكل اسرع وأدق من الأكبر سنا. وقد حصل ذلك مع الكثيرين منا، بالتأكيد، ومنهم أنا، حيث قمت بتعليم اطفالي الأوليات التي عرفتها عن تشغيل الكمبيوتر. حالياً، أي بعد عشر سنوات، ارجع لهم ليدلوني على ما لم أفهمه من البرامج ووسائل تشغيلها.. فيقومون بتعليمي اياها وهم يبتسمون بخبث، لأنهم يعرفون اني سوف اعود مرة ثانية لأسأل ذات السؤال، اذا رغبت في استخدام هذا البرنامج مرة اخرى. ببساطة لقد انقلبت الموازين والمكاييل، ونحن حالياً في عصر من الأفضل والأصح أن نقول فيه :(أصغر منك بيوم.. أفهم منك بسنة). (2) وما دمنا في مجال الأقوال التي أكل عليها الدهر وشرب وتجشأ، فانني أتعصب رغم هدوئي المعروف كلما سمعت عبارة: (من علمني حرفا، صرت له عبدا)، حيث يحاول البعض ان يضفي عليها شيئاً من القداسة بنسبها الى الأحاديث النبوية الشريفة، لكني بعد البحث والتمحيص تأكدت انها منحولة ولا علاقة لها بالأحاديث. والبعض يعتبرها حكمة شيوخ قديمة ينبغي احترامها وتقديرها، ان لم يكن تقديسها. العلم هو الحرية والمعرفة هي الحياة، فكيف يمكن ان اقبل بأن اكون عبدا لمن يعلمني الحرية، وكيف يقبل معلم الحرية ان يستعبدني...!! أرجوكم ساعدوني على إهالة التراب على هكذا أقوال بالية لنتخلص منها الى الأبد.. وندفنها دون أن نقرأ عليها الفاتحة. (3) كنا صغارا ذات قرن ثم كبرنا، كما اتفق، لم نعرف معنى الطفولة الا بعد أن اشتعل الرأس منا شيبا وصلعا، وصرنا آباء لأطفال عن حق وحقيق يمتلكون البراءة ويتمتعون بطفولتهم طولا وعرضا. كانت مسؤوليات الآباء والأمهات كبيرة، لكنها كانت تهتم أولا وأخيرا في تأمين لقمة العيش لأفواهنا الجائعة. كبرنا بلا طفولة، وندرك الآن اننا خسرنا الكثير فالذي يتعلم الحب في الطفولة يكبر محباً.. الذي يتعلم الكرامة في الطفولة يعتز بكرامته.. الذي يبدع طفلا يبدع كبيرا. الزمن -هذا اللص الظريف- سرق طفولتنا المفترضة وشبابنا الذي مر من أمامنا ونحن منهمكون في البحث عن لقمة الخبز، لكنه قبل ان يسرق شيخوختنا ايضا، نؤكد له أن الطفولة هي جدار الإنسان الأخير وأمله في المستقبل الأخضر. رغم كثرتهم، وتوالدهم في كل لحظة، الا ان الدنيا فيها طفل واحد فقط هو الأفضل.. وكل أم تعتقد أنه طفلها. وفيها زوجة واحدة فقط هي الأفضل.. كل رجل يعتقد أنها زوجة جاره. يوسف غيشان ghishan@gmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©