الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

صادق كويش يراهن على الأفكار في عزيزي ريلكة نحن كلنا مسافرون

صادق كويش يراهن على الأفكار في عزيزي ريلكة نحن كلنا مسافرون
25 سبتمبر 2008 23:32
في معرضه الأخير الذي أقيم في جنوب هولندا وضم خمسة عشر عملا من الحجم الكبير يتخلى التشكيلي العراقي صادق كويش عن كل الأشياء التي تصنع العمل الفني بدءا باللون وانتهاء بالتقنية حتى لا يبقى أمامه سوى فكرة العمل التي يضع كل رهانه عليها · برغم هذا الاختزال تثير لوحات صادق كويش مزيداً من الأسئلة الوجودية خصوصا حين يستعين بقسوة آرتو المزعجة · منذ عشرين عاماً والفنان العراقي صادق كويش الذي درس الفن في معهد وأكاديمية الفنون الجميلة في بغداد وهو يطور تجربته بتأن وحرص كبيرين إذ يحصد ثمارها اليوم في المعارض التي يقيمها بين فترة وأخرى في هولندا وبعض البلدان العربية والأوروبية· وهذه التجربة تعد من التجارب القليلة التي ظلت مخلصة في بحثها عن أجوبة لأسئلة الوجود الكبرى في الحياة والموت والمصير والهوية بطريقة أقل ما يقال عنها أنها مجازفة من نوع خاص· وبرغم أن معرض كويش الأخير والذي حمل عنوان'' عزيزي ريلكه نحن كلنا مسافرون '' منفذ بالحبر الهندي على ورق الرز الصيني والكانفاس إلا أن المرء يشعر لأول وهلة أنه منفذ بروحية الكرافيك · أما الأعمال فهي عبارة عن كتل سوداء لشخوص بلا ملامح على خلفية بيضاء أو رمادية معالجة ببعض الألوان الحارة والقليلة للغاية مع فراغ يملأ فضاء اللوحة · الاختزال في هذه الأعمال لا يشمل الأشكال فحسب ، بل يتعدى ذلك إلى الحركة والخطوط واللون أيضا حتى تبدو اللوحة أحيانا خالية إلا من فكرتها الخاصة · أطياف المدرسة التعبيرية الألمانية مازالت تلقي بظلالها الخفيفة على تجربة الفنان رغم مرور سنوات طويلة على تجربته التي بنيت على كدح حقيقي في الوصول إلى أصالة خاصة · اما التقنية التي استخدمها الفنان كويش فاعتمدت الرسم والفيديو آرت حيث يقوم المعرض على التكامل بين تقنية الرسم وتقنية الفيديو · إلى جانب اللوحات المعروضة يظهر عرض الفيديو رجلا يرتدي كفناً أبيض وهو يستعد لرحلة الموت مع صوت يردد جملة واحدة فقط وتتكرر باستمرار لإزعاج المشاهد وإجباره على التركيز على مناخات الأعمال · هذه الجملة تقول: عزيزي ريلكه ، نحن كلنا مسافرون · "Dear Rilke, we are all travelers " '' إن تكون مسافرا ذلك يعني أنك في مكان ما بين الانطلاق والوصول، ولأننا دائما في مكان ما بين نقطتين فأننا في الحقيقة في سفر أبدي ندور حول أنفسنا نحن المسافرون الأبديون '' من الواضح أن هذا المعرض لم يكن تكريسا للقيم الجمالية بمعناها التقليدي، فالمفهوم الذي تدور حوله الأعمال يتعلق بالشقاء الذي يعيشه الكائن البشري ووعينا بهذا الشقاء· أنه صورة دراماتيكية مغلفة بالسواد لكائنات بشرية نمثلها نحن البشر الفانون · الواضح أيضا أن الهدف من تنفيذ مثل هذه الأعمال هو وضع المشاهد في مواجهة الكثير من الأسئلة التي تقض مضجعه بلا ألوان مسترخية تخاطب العواطف وتستجدي المشاهد لشراء لوحة كي يضعها في بيته كقطعة ديكور · عندما يختلط السؤال الفلسفي عند الفنان بالرفض والصراخ والبكاء أحيانا كما يعتقد الفنان فإن هذه الحالة الوجودية تدفع الفنان إلى صياغة مفهوم عن الوجود يصبح فيما بعد مشروعا فنياً يقوده إلى تقديم رؤية واضحة عن الأفكار التي يريد تنفيذها بطريقة واضحة ولا تحتمل الغواية · كما قلنا في البداية فإن اللوحات تمثل كتلا سوداء وبيضاء على خلفيات رمادية · للكتل السوداء وظيفة مهمة للغاية في اللوحة تماما مثل الوظيفة التي تؤديها الكتل البيضاء لأنها تقترن في جميع الأعمال المعروضة بالموجود الآدمي كما تقترن بالفراغ وبالتراتبية التي تحيط بوجودنا · إن هذا المعرض حلقة في سلسلة معارض قدمها الفنان في فترات متتالية سمتها الرئيسية تراجيديا السؤال الوجودي وما يحمله من قلق وألم · قوة الأفكار التي يستند إليها الفنان كويش وحجم الأسئلة الكثيرة التي تحملها هذه الأفكار دعته إلى التخلي بشكل كبير عن اللون والأشكال مع هذه الفراغات الكثيرة والكبيرة التي تؤرق أي فنان يفكر بالخوض في مثل هذه التجارب التي توصف عادة بالمجازفة لأنها لا تمنح الفنان أية إمكانية غير قدرته الذاتية على التجريب والمغامرة · يضاف إلى ذلك الاختزال الذي يكاد أن يكون شبه كامل لمفردات العمل بما فيها الشخوص الذين ظهروا كتلا صماء بلا ملامح مما يعني أنهم بلا هوية ولا انتماء، وهل للهوية حدود أو ملامح يمكن التعرف عليها كما يتساءل الفنان في أعماله؟
المصدر: أمستردام
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©