الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عكس السير والتاريخ والجغرافيا

عكس السير والتاريخ والجغرافيا
13 ديسمبر 2009 23:10
لسنا على سبيل التدخل في الشؤون المحلية للقارة ، لكن على طريقة البحث عن العبرة ولو في أستراليا، فقد ألقت السلطات الأسترالية القبض على رجل متهور قاد سيارته إلى الخلف على الطريق السريع لمسافة 500 كيلو متر بمعدل سرعة 50 كم في الساعة. وقالت هيئة الإذاعة الأسترالية بأن الرجل وجهت إليه تهمة القيادة بتهور شديد. ويدعي الرجل المذكور بأن ناقل الحركة إلى الأمام تعطل عنده لذلك اضطر إلى السياقة للخلف طوال الطريق، وانه لم يقصد التهور قدر ما يقصد الوصول الى هدفه وتحقيق ما يريد حتى لو مشى الطريق بالعكس..(وجهة نظر). هذا الرجل القوا القبض عليه حياً، وقريباً ويتعرض للمحاكمة والبهدلة والغرامات وربما السجن. وبالتأكيد أخذوا عليه المواثيق والعهود الموقعة والمشروطة بعدم تكرار هذا التهور. فما بالكم في أمة كاملة تسير بقضها وقضيضها إلى الخلف منذ عقود، ولا أحد يأبه، لكأنها تسوق إلى الخلف برخصة عالمية معترف بها في المحافل الدولية. وهي خلال سيرها إلى الخلف تدهس إنجازاتها وتدوس أمنياتها بالتحرر والتقدم، دون أن تدعي أن ناقل الحركة للأمام معطل، لا بل تفخر بأنه يعمل بكفاءة عالية لو أرادت لكنها تعطل عمله عن سابق تصميم وإرادة وترصد. أمة تمشي عكس التاريخ والجغرافيا والهندسة الإقليدية والتفاضل والتكامل وميكانيكا الكم والكيف. أمه تدفن البداوة فيها ما تحقق من مدنية من أجل تحصيل (الخاوة)، فيعود الحضر بدوا، ثم يتمدنون، ثم يعودون بدوا.... وهكذا... وهم على هذه الحال من خلافة يزيد بن معاوية حتى تاريخه. أمة تدفن المدنية فيها ما في البداوة من إيجابيات، لا بل تعتدي على منظومات قيم البداوة التقليدية، وتتعامل مع تجاربها في المجتمع المدني ببداوة وعصبية قبلية، فتضيع الطاسة وتمشي مثل الغراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة ففشل، وحاول العودة الى مشيته العادية ففشل أيضاً. أمة فقدت ذاكرتها وخيالها، وتحولت الى ظاهرة صوتية لا يأبه لرغائها أحد، وعما قريب سوف تمنع حتى من مجرد أن تكون ظاهرة صوتية مزعجة. أمة أضاعها التفاخر، وبقيت تتعالى على بقية العالم بالشعر والإنشائيات التي تشيد بذاتها، وتجعل مهمة الآخرين هي السجود لأطفالنا الذي بلغوا الفطام.... حتى نبذنا العالم وتركنا مرتمين على هامش التاريخ والجغرافيا. أمة تتنابز بالألقاب، تدعي الوحدة من المحيط الى الخليج، بينما كل واحد منا يعيش في اوقيانوس مختلف، ويعتبر حاله أمة كاملة متكاملة.. بكامل لياقتها الجمعية. كل واحد فينا أمة وأمتنا هي مجرد مجموعة من الأفراد المكررين ملايين المرات..!! أمة متدينة لكنها تعبد أصنامها التي صنعتها بنفسها، بينما تقوم ذات الأصنام بمصمصة عظامها وقرقطتها وإلقاء ما تبقى منها للكلاب الضالة، ومع ذلك تستمر في عبادة أصنامها الأثيرة.. آكلة لحوم الشعوب بل الوجبات الثلاث. أمة تعرف طريق التقدم أكثر من غيرها، وصممت وعبّدت الكثير من الاوتسترادات الموصلة إلى العلم والحضارة في الماضي، لكنها لمَّا وصلت إلى القمة.... عادت إلى الخلف بذات السرعة، أو أسرع قليلاً، وعلى سبيل حسد الذات على إنجازاتها الحضارية والمدنية الكبرى في كافة أنواع وضروب العلوم والآداب والفنون. أمة تحسد ذاتها؟! هل سمعتم بمن يحسد ذاته؟! إنها عقدة نفسية جديدة لم يعرفها علم النفس الإكلينيكي بعد، لكننا نعاني منها جميعاً.. نحن الأمة العربية الواحدة.. حملة الرسالة الخالدة في ثنايا النسيان والإهمال والتسيب.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©