الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ثورة اللاعنف

23 ابريل 2012
عندما أحرق محمد بوعزيزي نفسه السنة الماضية في تونس، مُطلقاً "الربيع العربي"، أشعل ذلك العمل مشاعر التوق للحرية عبر العالم العربي كله تقريباً. والأكثر من ذلك أنه استحوذ على التخيّلات الخلاقة للناشطين اللاعنفيين وملايين الأفراد غير الراضين حول العالم. هل توقف هذا الأمل مع العنف في سوريا؟ ليس بالضرورة. يتوجّب علينا أن نتذكر أن للاعنف جذوراً قوية في الإسلام، وأن سوريا ذات الغالبية المسلمة ليست مستثناة من هذه الحقيقة. ومثلها مثل جميع الرؤى العظيمة، ارتكزت رسالة النبي محمد صلى الله عليه وسلم على الوحدة بين بني البشر التي تمنع العنف وتؤكد على عناصر اللاعنف كما نعرفها. وتعكس دروس القرآن الكريم التعاليم نفسها التي ألهمت غاندي ومارتن لوثر كنج من وجهة نظر تقاليد كل منهما. وتنصّ سورة "العصر" على أن المفضّلين عند الله تعالى هم الذين "آمنوا وعملوا الصالحات وتواصوا بالحق وتواصوا بالصبر". والصبر تعبير مكافئ للاعنف. وفي حديث نبوي شريف: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً"، قالوا: يا رسول الله، ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالماً؟.. قال: "تأخذ على يديه"، بمعنى كفه عن الظلم. ومن ذلك نرى أن الإسلام أوجب على المسلم ليس فقط مساعدة الضحية وإنما الظالم كذلك، بمنعه من الإمعان في الظلم. وهناك أمثلة أخرى كثيرة تبين أنه لا حاجة للذهاب بعيداً عن القرآن الكريم والحديث الشريف بحثاً عن المبادئ الأساسية للاعنف. وقد برزت هذه المبادئ بشكل متواصل في تاريخ الدول والمجتمعات الإسلامية. ويستشهد كتاب "الجهاد المدني... الكفاح اللاعنفي وتبني الديمقراطية والحوكمة في الشرق الأوسط"، الصادر عام 2010، وقد حرّرته "ماريا ستيفان"، بعدد متزايد من الأمثلة، وكان ذلك قبل "الربيع العربي، حيث اعتبر حركات المقاومة الفلسطينية الناجحة جزئياً من أفضلها. وذكر الناشط السوري "بشر سعيد" مؤخراً أن المعارضة اللاعنفية أُخِذَت على حين غرة عندما اشتعلت الثورة قبل ما يزيد على السنة. إلا أن بعض المكونات كانت موجودة: كانت هناك كوادر من الشباب في العديد من المدن السورية، الذين قاموا بأعمال عامة مثل تنظيف الأحياء، رغم أن ذلك أثار انتباهاً غير مرغوب به تجاههم. وكما هو الأمر في كثير من الحالات، يحقق اللاعنف أفضل نتائجه عندما يكون الفاعل على علم بما يفعل. لكنه يحتاج كذلك للرغبة في المعاناة دون مرارة، أو أسوأ من ذلك إذا احتاج الأمر. وهذا أيضاً غير نادر في سوريا اليوم. خاطرَ "بشر سعيد" وكثيرون غيره ممن يشكلون "أيام الحرية"، وهي منظمة تشكّل مظلّة للثورة، خاطروا بحياتهم لتشجيع التغيير السياسي بأسلوب لاعنفي. يقوم الناشطون أنصار الديمقراطية في كل مدينة تقريباً في سوريا بتمثيل المسرحيات وكتابة الأغاني وإطلاق بالونات مليئة بقطع الورق الصغيرة كُتبت عليها كلمة "الحرية"، تتناثر عندما يُطلق الرصاص على البالون فتنتشر الرسالة. لقد وُجدت ولا تزال موجودة المكونات اللازمة للحشد المدني الذي يمكن أن يكون خلّاقاً بل وأكثر رسوخاً، مما يمدّد فترات الإضراب والتوقف عن العمل التي أوضحت رسالتها أنه يتوجب على الحكومة والمعارضة أن تتفاوضا وتجدا حلاً إلى الأمام. تاريخياً، تنجح عمليات التمرّد اللاعنفي عندما يعترف المجتمع الدولي بها ويدعم النضال الشجاع للعاملين على الأرض. وقد قامت منظمات مثل "كتائب السلام العالمية" و"قوة السلام اللاعنفي"، على سبيل المثال لا الحصر، بهذا النوع من صنع السلام المدني غير المسلح، وبنجاح مثير للإعجاب رغم محدوديته في أماكن مثل كولومبيا وجنوب السودان وسيريلانكا، والتي تعاني من حالات مماثلة لحالة سوريا. يتوجب علينا نحن المقيمين خارج سوريا وننظر إلى الداخل، أن نجعل من المعرفة باللاعنف أمراً اعتيادياً وأن ندعم المؤسسات التي تمارسه، مثل صنع السلام المدني غير المسلّح. مايكل ناغلر - أستاذ فخري بجامعة كاليفورنيا في بيركلي ستيفاني فان هوك - المديرة التنفيذية لمركز ميتا للاعنف ينشر بترتيب مع خدمة «كومون جراوند» الإخبارية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©