الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
اقتصاد

اليابان تبحث عن نموذج جديد للخروج من الأزمة

اليابان تبحث عن نموذج جديد للخروج من الأزمة
23 ابريل 2012
كانت منطقة بانيل باي الساحلية، قبل سنوات قليلة، تعج بالمصانع التي تقوم بإنتاج الشاشات المسطحة المتطورة التي تدل على قوة اليابان الصناعية، إلا أن المنطقة تحولت اليوم إلى رمز يعكس مدى التراجع الصناعي الذي تعاني منه البلاد. وشهدت العديد من هذه المصانع خلال الأشهر القليلة الماضية الإغلاق أو البيع الجزئي، حيث خسر قطاع الصناعة الإلكترونية المنافسة لصالح الصين وكوريا الجنوبية. وأغلقت شركة “باناسونيك” وحدها اثنين من مصانعها الثلاثة في منطقة أماجازاكي في مارس الماضي، بينما وافقت “شارب” التي تسعى جاهدة لتغطية خسائرها من مصنع الأعمدة المسطحة بالقرب من ساكي الذي بلغت تكلفته نحو 10 مليارات دولار، على قبول قرض إنقاذي من شركة تايوانية للإلكترونيات ليمثل ذلك انقلاباً في بلد كانت الرائدة في اقتصاد آسيا. وأفول نجم بانيل باي مؤشر يدل على ما يثير قلق الكثير من اليابانيين من أن يكون ذلك ناتجا عن اعتماد اقتصاد البلاد بشكل كبير على قطاع الصناعة الذي بدأ في تراجع مستمر منذ بداية تسعينيات القرن الماضي. ويعُزى التراجع ولحد كبير للمنافسة المتزايدة من قبل المنافسين الآسيويين ولتقدم سن العاملين ولارتفاع قيمة الين. لكن يتخوف العديد من المحللين والمسؤولين الآن من ارتفاع حدة ذلك التراجع منذ وقوع حادثة فوكوشيما النووية في السنة الماضية، التي برز معها احتمال ارتفاع أسعار الطاقة وإمكانية بعض الأعطال في التيار الكهربائي. ويقول تيتسويا تاناكا، أحد مدراء الترويج الصناعي في “وزارة الاقتصاد والتجارة والصناعة”: “لدينا شعور بالأزمة بالفعل بسبب الخسارة في قطاع الصناعة وفقدان الوظائف فيه. ويساورنا قلق شديد الآن من أن يتعلل أصحاب الصناعات بمشاكل الكهرباء للتوجه نحو الخارج”. وانعكس تأثير ضغوطات ارتفاع الأسعار على الكثير من الشركات اليابانية الكبيرة. وعلى سبيل المثال، توقعت شركة “سوني” مؤخراً خسارة تبلغ 6,4 مليار دولار، وسط تقارير نشير إلى احتمال تسريح نحو 10,000 من منسوبيها في بلد لا يزال المجتمع فيه ينظر إلى الفصل عن العمل كشيء غير مقبول. وتتخوف حتى شركات صناعة السيارات اليابانية مثل “تويوتا” التي فقدت في السنة الماضية لقب أكبر شركة لصناعة السيارات من حيث الإنتاج في العالم لصالح “جنرال موتورز” بعدما تعرضت له من مشاكل في أعقاب الزلزال وتسونامي، من أن تصبح عرضة لتغير حلبة المنافسة في صناعة السيارات الكهربائية أو للشركات المنتجة للسيارات الرخيصة في كوريا الجنوبية ومناطق أخرى من العالم. وخلف هذا التحول شعوراً بالقلق حول مستقبل البلاد وسط أفراد الشعب على الرغم من انقسام الاقتصاديين حول مدى إمكانية تخلي اليابان عن اعتمادها على القطاع الصناعي وما إذا كان ذلك يمثل ضرراً في واقع الأمر. ويتفق معظم الاقتصاديين على أن اليابان التي حصلت على لقب القوة الصناعية في ثمانينات القرن الماضي من خلال إنتاج السيارات والتلفزيونات الملونة، قد تجاوزت مرحلة “المعجزة الآسيوية” ويترتب عليها الآن البحث عن نموذج اقتصادي جديد للخروج من أزمتها الراهنة. وماهية هذا النموذج، هي ما يدور حولها الكثير من الجدل حالياً. ويقول ماساتومو أونيشي، أستاذ علوم التجارة في “جامعة أوساكا”، “حان الوقت الذي ينبغي فيه على اليابان البحث عن نموذج اقتصادي جديد، حيث يمكننا سلك النهج الاقتصادي الذي تبنته أميركا في أعقاب النهضة الصناعية أو النموذج الألماني في الصناعات المتطورة، لكن ليس علينا الدخول في منافسة مع الصين في الإنتاج الكمي الضخم”. وهذه المقترحات والأسئلة مطروحة لأمة ظلت تفخر لفترة طويلة من الزمن بإرثها الحرفي وصناعة الأشياء. كما تراقب الدول الآسيوية الأخرى هذا الجدل عن كثب، خاصة تلك التي تبنت الاستراتيجية الصناعية التي تزعمتها اليابان. وواحد من الأسئلة الكبرى ما إذا كان في وسع اليابان والاقتصادات الآسيوية الأخرى التي تعتمد على الصادرات، تعلم كيفية تطوير الابتكارات والاستفادة من التقنيات التي تحتويها كل من “أبل” و”جوجل” و”فيسبوك” وغيرها، التي تدعم النمو الاقتصادي في أميركا. وسمى يوكيو نوجوشي، الاقتصادي في “جامعة واسيدا” في طوكيو. الكارثة الطبيعية التي وقعت في السنة الماضية، بالفرصة لليابان للتحول إلى اقتصاد يعتمد على الخدمات بشكل أكثر مثل نظيره الأميركي. كما ذكر أن تشبث اليابان بالنموذج الصناعي الذي عفا عليه الزمن، ألحق بها الضرر حيث أرغمها على خفض الأجور والأسعار لمنافسة الدول الآسيوية الأخرى ذات التكاليف القليلة، بالإضافة إلى مساهمته في الانكماش الذي أثقل كاهل الاقتصاد المحلي لما يقارب العقدين. ولم يؤثر الانكماش على الشركات الكبيرة فحسب، بل على الشركات الصغيرة المرتبطة بها أيضاً والتي توفر لها قطع الغيار عالية الجودة، إضافة إلى أنها من مصادر التوظيف الرئيسية في يابان ما بعد الحرب. و”توكو سيكي” لصناعة القطع البلاستيكية واحدة من هذه الشركات. وكانت هذه الشركة تعمل في صناعة إطار لعبة “ناينتندو”. لكن عندما اتجهت “ناينتندو” لشراء القطع الرخيصة من الصين، اضطرت الشركة لخفض أسعارها وأجور عامليها إلى النصف في منتصف تسعينيات القرن الماضي وإلى إغلاق المصنع بالكامل في 2009. ووسط الموجة الكبيرة لتقلص الشركات الصناعية في اليابان، تراجع عددها بنحو الثلث إلى 540,000 في غضون عشر سنوات حتى 2006، وفقاً لبيانات وزارة التجارة. كما تراجعت الحصة الإجمالية التي يساهم بها القطاع الصناعي في الاقتصاد إلى 18% في 2009، وذلك من واقع 35% في سبعينيات القرن الماضي. وبالمقارنة، وفي حين لا تزال أميركا هي أكبر دولة صناعية في العالم، لا تزيد مساهمة هذا النوع من الصناعة عن 9% فقط. ومع ذلك، يرى بعض الاقتصاديين أن هذا التخوف مبالغ فيه، حيث يعزون تقلص وظائف القطاع الصناعي إلى إدخال التقنيات الجديدة التي تستغني عن العمالة اليدوية، مع الإشارة إلى أن قيمة جميع السلع المصنوعة في اليابان ظلت وإلى حد كبير كما هي منذ بداية تسعينات القرن الماضي. وما يحدث في الحقيقة هو تحول اليابان عن صناعة التلفزيونات والسلع الأخرى لإنتاجها بتكلفة أقل في خطوط التجميع في مناطق أخرى من قارة آسيا. كما اتجهت الشركات الباقية في القطاع نحو صناعة منتجات عالية الجودة مثل الرجل الآلي “الروبوت” المستخدم في المصانع وآخر ما توصلت له التقنية في صناعة معدات الدراجات، حيث لا تزال اليابان تحتل صدارة دول العالم في هذا الحقل وبفارق كبير. وهذه هي ذات السياسة التي تسير عليها “باناسونيك”، التي تحاول تعويض أكبر خسارة تعرضت لها في السنة الماضية من خلال إغلاق اثنين من مصانعها لإنتاج شاشات البلازما وتحويلها إلى دول آسيوية أقل تكلفة والتركيز على منتجات أكثر ربحاً مثل معدات المصانع وبطاريات السيارات الكهربائية. ويقول أتسوشي هينوكي، المتحدث باسم الشركة، “لا ينبغي علينا صناعة كل شيء بأنفسنا، لكن هناك أشياء ما زلنا نجيد صناعتها”. ويرى الكثير من الاقتصاديين والمسؤولين، أنه بينما استمرار التراجع الصناعي أمر لا يمكن تفاديه، ليس من الحكمة أن تقلص اليابان قطاعها الصناعي للحد الذي قامت به أميركا. كما أن التركيز على الصادرات مكَّن اليابان التي تتمتع بفائض تجاري ضخم على الرغم من افتقارها للموارد الطبيعية، من تسديد فاتورة واردات الطاقة والمواد الغذائية حتى السنة الماضية على الأقل، وكذلك من تمويل عجز ميزانيتها الضخم. ويقول كيشي كوناجا، الذي وضع سياسة اليابان الصناعية في منتصف ثمانينيات القرن الماضي “يُعد التصنيع القاعدة التي تقوم عليها قطاعات مثل المالية والخدمات الأخرى، الشيء الذي انتبهت له أميركا أخيراً ما قادها إلى إنقاذ “جنرال موتورز””. نقلاً عن: «إنترناشونال هيرالد تريبيون» ترجمة: حسونة الطيب
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©