الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

ناصر العبودي: الجرار الطينيّة علامة جلفار الحضاريّة

ناصر العبودي: الجرار الطينيّة علامة جلفار الحضاريّة
25 أغسطس 2016 15:44
ابراهيم الملا - الشارقة (الاتحاد الثقافي) تزيح المكتشفات الأثرية، وفي أغلب الأحيان، الكثير من اللبس والغموض عن واجهة التصورات والنظريات المشوشة والمبتورة لعلماء التاريخ والأنثروبولوجيا والمتعلقة خصوصاً بخطوط الملاحة البحرية، ودروب القوافل، والهجرات القديمة من وإلى المناطق المهمة في الإمارات، والتي كانت تمثل مناطق استقرار وحواضر نشطة للتبادل التجاري، وقواعد نمو وتكاثر للتجمعات البشرية، وتحليل أسباب اندثار هذه المراكز الحضارية لاحقاً، بسبب التغيرات المناخية، والطفرات البيئية المعاكسة، وغيرها من العوامل المؤثرة سلباً في ديمومة وبقاء تلك المجتمعات السكانية الزاهرة. في الحوار التالي يتحدث الباحث الآثاري ناصر العبودي عن ظواهر وشواهد آثارية لم يتم التطرق لها بشكل واضح ومكثف سابقاً، كما يزيح اللثام عن معلومات مهمة حول اللقى والمكتشفات التي تم العثور عليها في مناطق الإمارات والدالة على وجود حركة تجارية أكيدة مع البلدان والحواضر الآسيوية في فترة سحيقة ومنسية، كما يتطرق الحوار إلى أهمية «جلفار» كمنطقة صناعية قديمة، وصلت منتجاتها إلى مدن وأسواق بعيدة، يصعب على المرء اليوم تصور قيمتها وتأثيرها في تلك الأزمان الغابرة. يشير العبودي بداية إلى بحثه المكثف الذي يجريه حالياً حول التواصل الثقافي والتجاري بين سكان الإمارات القدماء وبين الحضارات المزدهرة في تلك العقود السحيقة مثل بلاد السند وبلاد فارس واليونان والعراق وحتى جنوب شرق آسيا، مضيفاً أن هناك مكتشفات كثيرة في المنطقة، وخصوصاً في عُمان والإمارات وجزر البحرين والسواحل الإيرانية وإقليم بلوشستان، تزخر بالصناعات النحاسية والحديدية والفخاريات، كما تزخر أيضاً بمنتجات من جنوب شرق آسيا، وهو الأمر الذي تم ذكره ــ كما قال العبودي ــ في الدراسات والتقارير الآثارية، مؤكداً أن بحثه الخاص بمكتشفات حضارة جلفار بإمارة رأس الخيمة في الفترة من 1400 إلى 1650 ميلادية يرجح وبقوة وجود علاقات اقتصادية متينة مع بلدان جنوب شرق آسيا، وقال العبودي: «الشيء الغريب والخطير هنا أن جلفار لم تتعامل في تلك الفترة مع بلدان الشرق الأوسط ومناطق الجزيرة العربية، واستعاضت عنها ببلدان جنوب شرق آسيا». ونوه العبودي إلى أن المنتجات الأثرية المتعلقة بتلك الفترة، والتي عثر عليها في أراضي رأس الخيمة وسواحل عجمان والشارقة وأبوظبي، وتحديداً في منطقة جبل الظنة، ووصولاً إلى المناطق الشرقية ومنطقة اللولية في خورفكان، وكذلك في الفجيرة ودبا، هي منتجات ومكتشفات تعتبر حديثة، لأنها تعود إلى القرن الثاني عشر وإلى القرن السابع عشر، واللافت ــ كما أوضح ــ أنها منتجات آسيوية ولا علاقة لها بالحواضر العربية في سوريا والعراق ومصر على سبيل المثال، مما يؤكد وجود علاقات وروابط قوية ومهمة بين الإمارات قديمًا وآسيا، عززتها العلوم البحرية المزدهرة في تلك الفترة، وانتعاش صناعة السفن، ووجود موانئ حيوية وحركة ملاحة دقيقة ومتطورة، مقارنة بالروابط التجارية شبه المنعدمة مع بلاد الشام وبلاد الرافدين على سبيل المثال، وخصوصاً في العصر الوسيط. منتجات وافدة ولفت العبودي إلى عثور المنقبين وعلماء الآثار في الإمارات على منتجات وافدة من الصين وفيتنام وتايلاند وسيريلانكا والهند وإيران خلال هذا العصر الوسيط، مشيراً إلى أن بعض المنتجات الصينية الجيدة والمميزة مثل السيراميك الصيني الراقي، تم تزييفها في تلك الفترة من قبل الحرفيين الإيرانيين، وصدّرت إلى سواحل الإمارات، موضحاً أن هذا التحايل يشبه اليوم تقليد الماركات العالمية الشهيرة، والتي يتم بيعها بأسعار زهيدة مقارنة بأسعارها الأصلية الباهظة! وأشار العبودي إلى وجود أوانٍ فخارية كانت مخصصة لاستيراد مياه زمزم من مكة المكرمة تم العثور عليها في منطقتي جلفار وهرمز، وتعود إلى ذلك العصر الوسيط، أما المعلومة المهمة حول هذه الأواني أنها كانت تصنع حصراً في بلدان آسيوية بعيدة، وكانت تنقش عليها الأدعية والآيات القرآنية، والتي كان يحفرها الصانع التايلندي أو الصيني وهو لا يعرف معناها، ولكن لرواجها والطلب الكبير عليها من قبل الحجاج المسلمين فقد كانت تصنع وتصدّر إلى المنطقة بكميات كبيرة، وكان كل صانع صيني مثلاً يضع اسم المصنع وكذلك المنطقة أو الإقليم الذي خرجت منه هذه الأواني، مضيفاً أن خبراء الآثار يستطيعون قراءة ومعرفة مصادر إنتاجها بدقة، اعتماداً على الشيفرة المصنعية القديمة التي طبعها ذلك الخزّاف أو ذلك الصنائعي المحترف في أقاصي شرق آسيا. وألمح العبودي إلى وجود منتج مهم جداً وهو الأواني الفخارية التي تم تصنيعها في الإمارات قديماً، وتم تصديرها بعد ذلك إلى مناطق في الخليج العربي، مثل البحرين والكويت وشرق السعودية، ونوّه العبودي إلى أنه درس هذا المنتج وتفحّصه بشكل معمق ودقيق، ووجد أنه فخار يعود حصراً إلى منطقة جلفار في رأس الخيمة، ولرؤوس الجبال التابعة لها، وأكد أن فخار جلفار يتميز بمواده الخام المتفردة، وبتشكيلاته ونقوشه المميزة، وبالطين المتماسك والنادر الذي يشكل قوامه الخارجي وهيكله الداخلي، مقارنة بمناطق الخليج الأخرى، وقال العبودي: «إن أسلوب تصنيع هذا المنتج كان بمثابة علامة تجارية مميزة لنا في تلك الأزمنة البعيدة التي تعود إلى الفترات ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر»، موضحاً أن هذا المنتج انتشر في مناطق عمان أيضاً وسواحل إيران، ووصل حتى إلى بلاد السند، لأنه كان منتجاً مرغوباً فيه، ويحقق عوائد كبيرة للحرفيين والبحارة والتجار الذين كانوا يصنعون وينقلون هذه البضاعة المميزة، والتي فرضت حضورها، وتم تداولها في الموانئ والأسواق القديمة. وذكر العبودي أن حضارة جلفار السحيقة تشمل اليوم منطقتي المطاف والندود، مضيفاً أنها كانت تستعين بحرفيين وصناع وعمال من مناطق قريبة لها مثل منطقة «شمل»، ومنطقة «شعم»، لتلبية الطلب المتزايدة على فخار جلفار، ومشيراً إلى أن حضارة جلفار كانت غنية بالمنتجات الاستهلاكية أيضاً، ولكنها اندثرت بسبب طبيعتها الهشة والقابلة للضياع والتلاشي، ولكن في الوقت ذاته فإن المواد الصلبة، مثل الصناعات الحديدية والنحاسية والفخارية، بقت شاهدة على قيمة وأصالة وتأثير هذه الحضارة المهمة في الإمارات قديمًا، وهي قدمت دلائل ومؤشرات غاية في الأهمية بالنسبة لعلماء الأركيولوجيا والأنثروبولوجيا والمهتمين بالتغيرات المناخية والبيئية، وبالانعطافات التاريخية والعسكرية والسياسية والاقتصادية في قوس جغرافي هائل وكبير يمتد إلى بلدان آسيا شرقاً، ويصل إلى البلدان المطلّة على البحر الأبيض المتوسط غرباً. حماية وتمويل وعن الخطوات الإجرائية المطلوبة لاكتشاف المزيد من الكنوز الأثرية التابعة لحضارة جلفار، أشار العبودي إلى ضرورة حماية موقع جلفار أولاً، وضخ ميزانيات كبيرة لتأهيل الموقع وتطويره، وأن تتكاتف الجهود المحلية في إمارة رأس الخيمة مع الجهود الاتحادية (وزارة الثقافة والشباب وتنمية المعرفة ) ـ على سبيل المثال ــ من أجل تمويل عمليات البحث والاستكشاف والتنقيب، والغوص في سواحل رأس الخيمة، واستخراج الكنوز البحرية المدفونة في الأعماق، ومن ثم تحويل هذا الموقع المهم إلى معلم سياحي ومزار أثري، وإنشاء متحف كبير في الموقع ذاته، بحيث يتضمن وسائل تقنية ومعلوماتية متطورة، تشرح التسلسل التاريخي لحضارة جلفار، ويحتضن المتحف أيضاً مكتبة، ووسائط بصرية، وآثار وشواهد هذه الحضارة المهمة، ويحوي كذلك الدراسات والتقارير العلمية التي تطرقت لها من خلال البعثات المبكرة والأخرى الحديثة، ويكون هذا المتحف قائماً وسط الطبيعة المحيطة التي يمكن للزائر وللباحث وللطلبة وهواة الآثار التجول فيها، والاستفادة الشخصية والأكاديمية من كنوزها وشواهدها، والتي ما زالت تحتاج ــ كما أشار العبودي ــ إلى مزيد من العناية، وإلى مزيد من عمليات البحث والتنقيب والدراسات المتخصصة. وحول فحوى وخلاصة الدراسة التي يعمل عليها عن آثار المنطقة وآثار جلفار تحديداً، أكد العبودي أن هذه المناطق، وخصوصاً منها الحواضر الشمالية في الإمارات ورؤوس الجبال، هي مناطق حضارية وتجارية مهمة، وتتجاوز البعد المحلي لتصل إلى حضارات حية وديناميكية في تلك الفترات والعهود المنسية، وموضحاً أن المكتشفات المتعلقة بحضارة جلفار، والتي تم تصديرها للخارج، تؤكد كمثال فقط وجود ظواهر ثقافية واقتصادية حساسة تحتاج إلى مؤسسات كبيرة وليس لجهود فردية فقط، كي يتم التعرف إلى تفاصيلها ومنابعها وتأثيرها الحضاري والإنساني في المنطقة، ودلّل العبودي على ذلك بوجود منتجات صناعية من جلفار تم العثور عليها في البحرين، وتتمثل هذه المنتجات في أواني الطبخ، وأواني حفظ المياه، والمباخر والدلال والفناجين، والتي تقدم في النهاية صوراً وملامح عن الحياة الاجتماعية، وطقوس الطعام، وخريطة الرحلات البحرية، ومعلومات أخرى تتعلق بطبيعة البشر وظروفهم الصحية وعاداتهم اليومية، ومنوهاً على أن كل هذه المعارف المتشعبة بحاجة إلى الاستعانة بالخبراء، وإنشاء بنك للتقارير الآثارية، ومعاهد وتخصصات جامعية في علم الآثار، وقال العبودي: «نحن بحاجة أيضاً إلى رؤى وخطط إستراتيجية حكومية متبصرة وقارئة لأهمية علم الآثار في تعريف العالم بحضارتنا المحلية الضاربة بجذورها في القيم والعلاقات الإنسانية والاجتماعية والثقافية القديمة، وبالتالي يتم الخروج بحصيلة علمية وافرة، وبنتائج وبحوث ودراسات مهمة لنا وللآخر وللأجيال المقبلة أيضاً». حضارة ثريّة ذكر العبودي أن حضارة جلفار السحيقة تشمل اليوم منطقتي المطاف والندود، مضيفاً أنها كانت تستعين بحرفيّين وصنّاع وعمّال من مناطق قريبة لها، مثل منطقتي «شمل» و «شعم»، لتلبية الطلب المتزايد على فخار جلفار، مشيراً إلى أن حضارة جلفار كانت غنية بالمنتجات الاستهلاكية أيضاً، لكنها اندثرت بسبب طبيعتها الهشة والقابلة للضياع والتلاشي، ولكن في ذات الوقت فإن المواد الصلبة مثل الصناعات الحديدية والنحاسية والفخارية بقيت شاهدة على قيمة وأصالة وتأثير هذه الحضارة المهمة في الإمارات قديماً. مُنتج مرغوب قال العبودي إن أسلوب تصنيع الفخار كان بمثابة علامة تجارية مميزة لنا في تلك الأزمنة البعيدة، التي تعود إلى الفترات ما بين القرنين الخامس عشر والسابع عشر، موضحاً أن هذا المنتج انتشر أيضاً في مناطق عمان وسواحل إيران، ووصل حتى إلى بلاد السند، لأنه كان منتجاً مرغوباً، يحقق عوائد كبيرة للحرفيين والبحارة والتجار، الذين كانوا يصنعون هذه البضاعة المميزة وينقلونها، حيث فرضت حضورها وتم تداولها في الموانئ والأسواق القديمة. تزييف لفت ناصر العبودي إلى عثور المنقبين وعلماء الآثار في الإمارات على منتجات وافدة من الصين وفيتنام وتايلاند وسيريلانكا والهند وإيران، خلال هذا العصر الوسيط، مشيراً إلى أنّ بعض المنتجات الصينية الجيدة والمميزة، مثل السيراميك الصيني الراقي، تم تزييفها في تلك الفترة من قبل الحرفيين الإيرانيين، وصُـدّرت إلى سواحل الإمارات، موضحاً أنّ هذا التحايل يشبه اليوم تقليد الماركات العالمية الشهيرة، التي يتمّ بيعها بأسعار زهيدة، مقارنة بأسعارها الأصلية الباهظة!.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©