الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

التخلي

التخلي
25 سبتمبر 2008 01:45
من عادات البشر التشبث بأشيائهم، ممتلكاتهم المادية، أفكارهم ،ومشاعرهم· ويأتي هذا التشبث نتاج الكثير من العوامل، منها البيئية الثقافية والتاريخية والجغرافيا والتربية والوسط، وأحياناً يكون هذا التشبث بالأشياء جميلا ورائعا، إذا كانت تلك الأشياء تندرج في مساحة الجمال والحياة السليمة والصحية، تلك التي يسود فيها الاعتراف بالآخر وبوجوده وبحقه في العيش وبفكره· الأشياء التي يسكنها المعنى العميق للسلام ورؤية هذا العالم خالياً من كل ما يعكر ازدهار الإنسان وتطوره وذهابه نحو الآفاق البهية من الحياة، الأشياء المليئة بالحب والنقاء، الأشياء التي تسكن قلوب العشاق وقلوب الأطفال، تسكن قلوب الأمهات في ليالي السهر وصباح الفرح وابتسامتهن في وجه شقاوة الطفولة· تلك الأشياء تستحق أن نتشبث بها، أن نصونها ونرعاها كي تعمر الأرض بالمحبة وتسند الأيام بالأمل الذي لا يلين ولا يتقهقر، الأمل وهو يذهب نحو القلوب ويسكنها، يذهب نحو العقول ويسندها، حيث بالأمل والإيمان العميق بأن الحياة تستحق الأجمل، تستحق التعايش والتواصل النقيين، القلوب الصافية والأرواح المسالمة، بالإيمان والأمل يكون الآن رائعا وسوف يكون غدا مغسولا بطهارة الأنبياء والقديسين، وبكلام الحكماء وتأملهم العميق في الكون، ومحروساً بمحبة الله وصفاء الماء· وفي أحيان أخرى يأتي التشبث بالأشياء سلبياً سيئاً وشقياً، ذلك عندما تكون تلك الأشياء مليئة بالنظرة المتشائمة للحياة، حيث لا ترى سوى السلبي منها وكأن العالم قد حدد نهايته، مليئة بالنظرة والرؤية الأحادية التي لا تقبل الآخر ولا تقبل فكره ولا كلامه وسلوكه، مليئة بالكره والحسد والغل، مليئة بما يثير الفتن ويشعل الحروب ويبيد الإنسان ويبيد الحقول ويلوث البحر ويفسد الهواء، عندما تكون النفوس بلغت الدرك الأسفل من الوجود وتلوثت بكل ما يشوه الحياة وما يخفت فتنة الصباح وحميمية الليل· من هنا تأتي ضرورة التخلي، الحاجة للتخلي عن كل تلك الشوائب التي التصقت بالنفس والعقل ولوثتهما وأفسدتهما، التخلي كي تغتسل العين، تغتسل النظرة المحدقة في الحياة· التخلي عن المواقف المتزمتة والمتعصبة الخالية من عطر الوردة ونسيم البحر في ليلة شتوية، التخلي وترك مساحة للجمال والطهارة يسكنان الروح والقلب وينتشروا في فضاء الأيام، ولننادي جميعا بالتسامح والسلام ولتحال إلى رماد كل آلات الحروب والشعارات التي تزعج سكينة البشر وتشوه الحياة وتبيد الجمال والحب· إن تكريس ثقافة التخلي عن كل ما تشبثنا ونتشبث به من أشياء يعيق تدفق الخير والرخاء والسلام والتسامح والتصالح في قلوبنا وأرواحنا وعقولنا وفي كل هذا العالم، هي الطريق إلى غدٍ أفضل، فقط لو نمعن التفكير ونتساءل بعمق عن جدوى الكره والغل والحروب والانتقام والحقد والحسد والقتل والصراخ في دنيا سوف نغادرها جميعا تاركين أجسادنا، أما للتراب أو للنار· saadjumah@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©