الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

لبنان... وضمانات تجنب حرب مقبلة

12 ديسمبر 2009 23:23
بات لبنان يتوافر أخيراً على حكومة جديدة بعد خمسة أشهر من التجاذبات السياسية، ولكن على صناع القرار في العواصم الغربية ألا ينقلوا تركيزهم بعيداً عن هذا البلد الصغير، الذي ما فتئ يمثل ساحة حروب بالوكالة في الشرق الأوسط. والآن، سيقتسم رئيس الوزراء الجديد سعد الحريري السلطة مع "حزب الله" وحلفائه. ولكن عندما فاز ائتلاف الحريري في الانتخابات البرلمانية في يونيو الماضي، ساد في الغرب اعتقاد مغرٍ مؤداه أنه لما كان "حزب الله" وشركاؤه قد هُزموا في الانتخابات، فإن الحزب سيتراجع، وأن تحالفاً صديقاً للولايات المتحدة سيحكم لبنان. غير أن "حزب الله" ما زال قوة سياسية وعسكرية مهمة تمسك ببعض مفاتيح الاستقرار الداخلي والخارجي في لبنان. ولذلك، فإن حكومة الحريري قد لا يكون لها تأثير حاسم على مليشيا "حزب الله"، وحشده للأسلحة على طول الحدود الجنوبية مع إسرائيل - والتي تعد الحدود الأكثر اضطرابا في الشرق الأوسط اليوم. غير أنه إذا تجددت الحرب بمحاذاة الحدود، فإنها يمكن أن تشكل انتكاسة كارثية للاستقرار في المنطقة. ولهذا فإن على الولايات المتحدة وأوروبا أن تحرصا على ألا يحدث ذلك. والواقع أن تشكيل حكومة جديدة لا يُبعد شبح اندلاع حرب أخرى مع إسرائيل. وللتذكير، ففي يوليو 2006 اختطف "حزب الله" جنديين إسرائيليين في غارة عبر الحدود، مما فجر حرباً استمرت 34 يوماً دمرت خلالها البنى التحتية للبنان، وتسببت في نزوح نحو مليون شخص عن مناطقهم، وقتلت أزيد من 1200 لبناني -معظمهم من المدنيين. وما إن وضعت الحرب أوزارها حتى بدأ الجانبان استعدادهما لجولة جديدة من القتال. ويفاخر زعماء "حزب الله" بأنه بات يمتلك اليوم كمية أكبر وأقوى من الصواريخ مقارنة مع ما كان يتوفر عليه قبل ثلاث سنوات. ويقدر المسؤولون الإسرائيليون، الذين يصعِّدون أيضاً من خطابهم الحربي، أن الحزب يمتلك ما بين 40 ألفاً و50 ألف صاروخ. ويذكر في هذا الصدد أن البحرية الإسرائيلية اعترضت في 3 نوفمبر الماضي سفينة في البحر الأبيض المتوسط قيل إنها كانت تحمل على متنها 500 طن من الصواريخ وقذائف الهاون وأسلحة أخرى. وحينها، زعم المسؤولون الإسرائيليون أنها شحنة أسلحة إيرانية كانت متوجهة إلى "حزب الله" عبر سوريا، مما أدى إلى اندلاع جولة جديدة من التهديدات المتبادلة. بيد أن المشكلة الأساسية تكمن في أن "حزب الله" يتخذ قرارات يمكن أن تفضي إلى الحرب -بدون التشاور مع الدولة اللبنانية أو إشراكها في خياراته. وفي هذه الأثناء، هدد نتنياهو بتحميل الحكومة اللبنانية مسؤولية أية أعمال تقدم عليها المليشيا، الأمر الذي يضع الحريري في موقف صعب ويجعله معتمداً على إدارة أوباما للإبقاء على عدوان إسرائيل بعيداً. ومن جانبه ينشغل "حزب الله" الآن بالسياسة اللبنانية الداخلية، وربما لا يريد أن يُنظر إليه على أنه تسبب في حرب أخرى مع إسرائيل. غير أن خطر التصعيد الكلامي والحشد العسكري يتمثل في أن الحوادث الصغيرة التي تقع بمحاذاة الحدود يمكن أن تخرج عن السيطرة. فخلال الأشهر الأخيرة مثلا، وقع حادثا إطلاق قذيفة على إسرائيل انطلاقاً من جنوب لبنان (حُملت مسؤوليتهما لمجموعات مرتبطة بـ"القاعدة") إضافة إلى انفجارين في مخبأين للأسلحة. وفي 14 يوليو، دمر انفجار مبنى في بلدة خربة سلم الواقعة جنوب لبنان، وأشارت بعثةُ حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة بأصبع الاتهام إلى مستودع أسلحة تابع لـ"حزب الله" انفجر بشكل عرضي. وبعيد أيام، حاول جنود تابعون للأمم المتحدة تفتيش المنازل في البلدة، ولكنهم حوصروا من قبل مئات القرويين الذين كانوا يرشقونهم بالحجارة وأرغموهم على الانسحاب. يذكر هنا أنه من المفترض، بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1701 الذي أنهى حرب 2006، أن تقوم القوات الأممية باعتراض شحنات الأسلحة غير القانونية ومداهمة مواقع التخزين جنوب نهر الليطاني، ولكنها قلما تقوم بذلك. وبينما يواصل "حزب الله" حشد أسلحته، فإن إسرائيل أيضاً تخرق القرار 1701، حيث تنتهك باستمرار المجال الجوي للبنان، وتزرع أجهزة مراقبة داخل الأراضي اللبنانية. وإذا كان "حزب الله" قد أظهر استعداداً للتكيف والتطور سياسياً، فإنه من غير المرجح أن يتخلى عن أسلحته -أو عن فكرة المقاومة الدائمة- بدون تسوية سياسية بين الغرب وحلفاء "حزب الله" الإقليميين. والحال أن إدارة أوباما تستطيع تلافي نزاع جديد عبر الإبقاء على تركيزها منصباً على لبنان، والاستمرار في دعم حكومة الحريري، والمساهمة في تقوية مؤسسات الدولة مثل الجيش اللبناني. ولكن ربما سيتعين على المسؤولين الأميركيين في نهاية المطاف أن يهدئوا مع "حزب الله"، الذي تصنفه وزارة الخارجية الأميركية ضمن خانة المنظمات الإرهابية، على أن واشنطن يمكنها أن تبدأ تهدئة غير مباشرة عبر فرنسا وبلدان غربية أخرى حافظت على اتصالاتها مع "حزب الله". ويتعين على الإدارة الأميركية أيضاً أن تضغط على إسرائيل حتى لا تبالغ في رد فعلها على حوادث قد تقع مستقبلا بمحاذاة الحدود اللبنانية، مما قد يؤدي إلى حرب. كما يتعين على المسؤولين الأميركيين أن يستثمروا تأثيرهم على داعم رئيسي آخر لـ"حزب الله" هو سوريا التي تسعى إلى تحسين علاقاتها مع واشنطن. والأكيد أنه لا شيء مما تقدم سيكون سهلا؛ ولكن حكومة الحريري ستعتمد في الوقت الراهن على الولايات المتحدة وأوروبا لحمايتها من إسرائيل -ومن "حزب الله"، لأنه في غياب دولة مركزية قوية، فإن لبنان سيظل ضحية حروب الوكالة والتدخلات الخارجية. أستاذ الصحافة بجامعة نيويورك وزميل بمجلس العلاقات الخارجية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «كريستيان ساينس مونيتور»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©