الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نوبل أوباما... وامتحان عملية السلام

نوبل أوباما... وامتحان عملية السلام
12 ديسمبر 2009 23:21
لعل جائزة نوبل للسلام التي تسلمها أوباما في أوسلو يوم الخميس الماضي تبدو للكثيرين في الشرق الأوسط كما لو كانت مفارقة سياسية. ففي يونيو الماضي، حيا المصريون والعرب أوباما وهتفوا باسمه بعد أن تعهد ببذل جهود مكثفة من أجل حل مشاكل المنطقة عبر المفاوضات بدلا من القوة والحروب. ومما لاشك فيه أن تقربه من العالم الإسلامي كان حاضراً في ذهن لجنة نوبل حين اتخذت قرارها. غير أن بعض أجنحة إدارة أوباما عملت، خلال الأشهر الثلاثة الأخيرة، على تأخير الخطوات الأولى للرئيس بشكل مطرد من خلال تعاطيها السيئ مع مشكلة الشرق الأوسط المركزية: النزاع الإسرائيلي- الفلسطيني. وبعبارة أخرى، فقد أثر أداء الإدارة الأميركية، بشكل سلبي على موقف رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. والحال أن السلطة الفلسطينية -وزعيمها المعتدل وهو أحد مهندسي اتفاق أوسلو لعام 1993 - ذات دور أساسي، بإجماع المراقبين، من أجل إيجاد أي حل متفق عليه للنزاع المزمن. ولكن الإدارة الأميركية لم تكن مساعدة لها؛ فقد دعا مساعدو أوباما الرئيس الفلسطيني إلى قمة لا طائل من ورائها مع نتنياهو، ثم ضغطوا عليه ليقلل من شأن تقرير أممي يشير إلى ارتكاب إسرائيل جرائم حرب خلال حرب غزة. ولعل الأخطر على الإطلاق هو تراجع أوباما عن دعم موقف رئيسي للسلطة الفلسطينية، وهو التشديد على تجميد كامل للمستوطنات. وبعد ذلك، أعلن عباس الذي شعر بالانزعاج أنه لن يترشح لولاية رئاسية أخرى. وبغض النظر عما إن كان ذلك مناورة أم لا، فإن الأكيد هو أن التهديد يعكس موقفاً جديداً أشد صرامة. ويُظهر هذا الأمر أيضاً نقص الفهم الذي يعمي بعض صناع السياسات الأميركيين، ويحجب عنهم التاريخ والثقافة والسياسة التي تحرك المواقف والقرارات العربية؛ غير أن تعاطي إدارة أوباما غير الفعال مع هذه القضية ينسجم مع نسق مألوف في الحسابات الأميركية يتم التقليل فيه من التوقعات بشأن الحقوق الفلسطينية بشكل مستمر. فبالعودة إلى الماضي، نجد أن بوش الأب عقد مؤتمر مدريد للسلام في 1991، وهو أمر يحسب له؛ ولكنه استبعد عرفات ومنظمته، التي كان عمرها وقتئذ 27 عاماً وتعد طرفاً مركزياً في النزاع. وعلى نحو متوقع، فشلت المحادثات، ولكن المثير للسخرية هو أن إدارة كلينتون احتضنت بعد ذلك بفترة قصيرة عرفات حينما قرر الزعماء الإسرائيليون أنه شريك سلام جدير بالحوار. وبتوقيعه اتفاق أوسلو، قدم عرفات تنازلا مهماً جداً أثار حفيظة العديد من الفلسطينيين، حيث تخلى عن الأراضي التي كان يطالب بها الفلسطينيون، والتي أصبحت دولة إسرائيل في 1948. ولكن كلينتون زاد من إضعاف المكانة السياسية لعرفات بين شعبه، إضافة إلى عدم فاعليته في المفاوضات، حين لم يحمّل إسرائيل مسؤولية خرق اتفاق أوسلو. غير أن كلينتون، الذي اكتفى بإدارة الأزمة، أساء تقدير موقف عرفات على نحو كارثي حين عقد قمة كمب ديفيد عام 2000 على أمل رعاية اتفاق تاريخي لإنهاء النزاع. ولكن عرفات قال لكلينتون إن ذاك الطموح مبكر وسابق لأوانه لأن المفاوضين كانوا قد بدأوا بالكاد التعاطي مع أصعب مواضيع النزاع. فوقف كلينتون إلى صف إيهود باراك، الذي كان قد اقترح عقد القمة كمناورة، بالدرجة الأولى، للحفاظ على تماسك ائتلافه الحكومي الذي بدأ حينها يتصدع. وفي الأخير، حمَّل كلينتون مسؤولية فشل القمة لعرفات بدلا من أن يحمّلها لنفسه أو باراك. ورد الفلسطينيون على ذلك بانتفاضة عنيفة. وهذا العجز عن تفهم تظلمات الفلسطينية هو الذي ساهم في تشكل إطار سياسي مخيب للآمال يتم فيه التشكيك في المصالح والمطالب الفلسطينية وتهميشها بشكل تلقائي؛ حيث لم تقدم الولايات المتحدة دعماً علنياً لمطالبة الفلسطينيين بدولة إلا في 2002 -أي بعد 54 عاماً على قيام إسرائيل- واليوم، ما زال المسؤولون الأميركيون يقاومون المطالب الفلسطينية بإنهاء كامل للاحتلال الإسرائيلي في الضفة الغربية وغزة؛ ويهملون المواقف الفلسطينية من مواضيع مهمة أخرى مثل حق اللاجئين في العودة. والواقع أنه يجب إيجاد حلول وسط لمثل هذه المشاكل، ولكن المسؤولين الأميركيين فشلوا فشلا ذريعاً في اجتراحها أو تطويرها. لقد أشار نقد لاذع لسياسة الولايات المتحدة الشرق أوسطية صادر عن معهد السلام الأميركي في 2008 إلى "نسق خطير من الدبلوماسية التي تدار على نحو سيئ"؛ حيث انتقد التقرير، الذي ساهم في تحريره دانيل كورتزر، السفير الأميركي السابق إلى مصر وإسرائيل والأستاذ بجامعة برينستون حالياً، نقص "الخبرة الثقافية" -أي بعبارة أخرى، الفهم الجيد للعرب. وفي هذا الإطار، يقول مسؤول وزارة الخارجية الأميركية السابق آرون ديفيد ميلر، في كتابه "الأرض الموعودة جداً" ما نصه: "في الحقيقة، لم يكن أي مسؤول رفيع المستوى منخرط في المفاوضات مستعداً أو قادراً على تقديم، ناهيك عن الدفاع عن، وجهة النظر الفلسطينية أو العربية". والحقيقة أن من المؤسف كون الولايات المتحدة، بعد 18 عاماً من مؤتمر مدريد للسلام، ما زالت لا تملك ما يمكن أن تقدمه كإنجاز لدبلوماسيتها. فالنزاع المتفاقم مازال يحصد الأرواح البشرية، ويدفع العالم الإسلامي إلى الراديكالية، ويقوض التنمية الإقليمية، ويهدد بنزاع يمكن أن يكون كارثياً وأوسع نطاقاً. وعليه، ومن أجل تشجيع الطرفين على التوصل إلى اتفاق عادل ونزيه تقبله أغلبية الإسرائيليين والفلسطينيين، يتعين على أوباما أن يُظهر زعامة حقيقية ويصبح وسيطاً نزيهاً، على أن يشمل ذلك جهوداً حتى نفهم أخيراً العالم ما يعيشه الفلسطينيون. أما إغفال الحقوق الفلسطينية وإهمالها -واعتبار شركاء السلام الفلسطينيين من المسلمات- فهو طريق مضمون لمزيد من الفشل. والحاصل أن الشرق الأوسط ما زال يتوقع المزيد من الحائز على جائزة نوبل للسلام لهذا العام. صحفي أميركي متخصص في شؤون الشرق الأوسط ينشر بترتيب خاص مع خدمة «لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©