الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الفلبين... ما وراء مجزرة "مينداناو"

12 ديسمبر 2009 01:17
دبليو. سكوت تومسون خبير في شؤون جنوب شرق آسيا مقيم في مانيلا كثيراً ما ترتفع الحواجب دهشة لدى ورود أنباء أو تقارير صحفية خلال السنوات الأخيرة الماضية عن وقوع أحداث عنف ضئيلة في الفلبين. وتكون ردة الفعل في معظم الأحيان: ليس في هذا الأمر جديد. غير أن المجزرة التي وقعت في يوم 23 نوفمبر المنصرم، مخلفة وراءها 57 قتيلاً، تستحق الوقوف عندها بالفعل. فقد كان ضحاياها من الناشطين السياسيين والصحفيين المحليين المرافقين لامرأة كانت في طريقها إلى جزيرة مينداناو الواقعة جنوبي الفلبين بهدف تقديم أوراق ترشيح زوجها لتولي منصب والي تلك الولاية. وكان زوجها نفسه قد تلقى تهديدات متكررة بالقتل. بينما وصف مسؤولون المجزرة التي وقعت بأنها تمت بدوافع سياسية. وهذا ما يفسر إلقاء القبض على حاكم ولاية مينداناو وابنه، اللذين يتزعمان عشيرة "أمبوتان"، ضمن المتهمين الآخرين الذين ألقي القبض عليهم في هذه القضية. فكيف لهجوم بهذه الوحشية والدموية أن يقع، وما هي دوافعه؟ هناك ثلاثة أسباب محتملة للإجابة عن هذا السؤال. أولها ثقافة الحصانة القانونية التي شاركت في نشرها الرئيسة "أرويو" نفسها. ثم هناك ثقافة الـ"ريدو" أو النزاعات العشائرية في ولاية مينداناو. وثالثاً هناك العيوب والثغرات في النظام القضائي الفلبيني. وعلى الرغم من صعوبة تصديق ما حدث، إلا أن ناطقاً رسمياً باسم الرئيسة "أرويو" صرح قائلاً في مؤتمر صحفي: لقد كانت عشيرة أمبوتان -وهي الحليف الرئيسي لأرويو في مينداناو- عاملاً رئيسياً في حصول حملة أرويو الانتخابية على أغلبية المليون صوت التي حصدتها في سباق عام 2004. كما يعرف عن ولاية مينداناو أنها الجهة التي تتأرجح فيها عادة أصوات الناخبين وباستطاعتها حسم نتيجة الانتخابات لأي من المرشحين المتنافسين في السباق الرئاسي. ومن جانبها قالت نائبة الناطق الرئاسي إن علاقة الصداقة القوية التي تربط بين الرئيسة وعشيرة أمبوتان لن تتأثر بحادثة المجزرة هذه. فتورط أفراد العشيرة في المجزرة لا يعني إدارة ظهرنا لهم بأي حال. وأوضحت المتحدثة أن الرئيسة أرويو تؤدي مهامها الرئاسية في استقلال تام عن دورها في المحافظة على تحالفاتها السياسية. وهذا ما يعطيها حق الاستمرار في صداقتها مع العشيرة، حتى وإن ثبت ارتكابها للمجزرة قضائياً! ولكن سرعان ما تصاعدت الضغوط والنداءات الدولية لأرويو إلى حد يرغمها على اتخاذ خطوات شكلية تجميلية على الأقل لتحسين صورتها في مرآة العالم الخارجي. وتجعل هذه الضغوط من مجرد عزل أرويو لأفراد العشيرة المذكورة واستبعادهم من تحالفها الحزبي خطوة لا معنى لها إطلاقاً. ولكن في هذا التحالف ما يفسر اعتقاد العشيرة بإمكانية النجاة بفعلتها هذه، وخاصة أن أفرادها يحتلون 16 منصباً من المناصب القيادية في مختلف الجزر الفلبينية، بما فيها منصب حاكمين من حكام الولايات. يذكر أن استطلاعاً للرأي أجرته منظمة P lse Asia في عام 2007 توصل إلى أن بعض الأطراف في إدارة أرويو تعد ضمن الأكثر فساداً في تاريخ الفلبين. ولكن لا شك في خطأ النتيجة التي توصل إليها ذلك الاستطلاع. فقد عرف عن الجنرال فيرديناند ماركوس اتهامه بنهب حوالي 30 مليار دولار من خزانة البلاد. غير أن تلك الحقيقة لا تغير شيئاً في الصورة والمفاهيم السائدة عن إدارة الرئيسة أرويو، على كل حال. وننتقل من هنا إلى العامل الثاني في هذه المجزرة، وهو العامل المرتبط بانتشار ثقافة الـ"ريدو" أو النزاعات العشائرية في ولاية مينداناو. فقد كشفت دراسة نشرتها "المؤسسة الآسيوية" وأجراها الباحث "موكتار ماتوان" من جامعة ولاية مينداناو عن وقوع نحو 337 نزاعاً عشائرياً في الولاية خلال الفترة الممتدة بين 1994-2004 حصدت أرواح 798 بينما بلغ عدد الجرحى فيها 104 جرحى. وعلى رغم رفع 82 شكوى قضائية ضد مرتكبي تلك الأحداث، إلا أن ثمانية منهم فحسب حبسوا في السجون بعد التحقيق معهم. وقال الباحث إن النظام القضائي الفلبيني لم يفصل في أي من تلك القضايا منذ عام 1994. وبهذا نصل إلى العامل الثالث المتمثل في ضعف النظام القضائي الفلبيني. فهو نظام بطيء للغاية حتى في ظل عهد الرئيس السابق فيدل راموس الذي عرف بنهجه الإصلاحي وحرصه على تنظيف قوات الشرطة والمحاكم من ممارسات الفساد التي عرفت بها في عقد التسعينيات. غير أن القرارات التي كانت تصدر من قصر مالاكانانج الرئاسي لم تنجح إلا في إبطاء موجة العنف ووضع حد للتصفيات والاغتيالات التي تقوم بها الفرق والعصابات المقربة من الرئيس. وخلف راموس في المنصب الرئاسي جوزيف إسترادا الذي كان أحد الأسباب الرئيسية للإطاحة به هو القتل الوحشي لأحد الأفراد المعارضين لمستشاريه. وخلال سنوات حكم أرويو جرى قتل واختطاف ما يزيد على الألف من الصحفيين وعمال المنظمات غير الحكومية، وفقاً لإحصاءات أحد التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة. ويصل هذا الوضع الصعب إلى مستويات ملفتة حسب خبرتي الشخصية بالفلبين. فقد تمكنت مجموعة من الأفراد من اقتحام منزلي 20 مرة وسرقة سيارتي وبطاقاتي الائتمانية خلال عام واحد. وحينما اشتكيت لم تجد المحكمة المحلية خطأ، فتابعت الشكوى ضدهم حتى أوصلتها إلى وزارة العدل والمحكمة العليا التي وجهت إليهم الاتهامات بعد مضي عامين كاملين من الاستئناف. ومما أثار دهشتي أن دفاع اثنين منهم عن أنفسهم كان يقوم على أساس أنني لست مواطناً فلبينياً، وعليه فإن العدالة لا تسري عليّ أصلاً. وكان حال هؤلاء أفضل بكثير من بقية المتهمين الذين لم يقروا أصلاً بأي خطأ في ما ارتكبوه بحقي! ينشر بترتيب خاص مع خدمة "لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست"
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©