الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ليلة سقوط نابليون

ليلة سقوط نابليون
1 يوليو 2010 21:30
عاد «خيري» إلى مسكنه في البناية العتيقة التي كان يقطنها عدد من المشاهير والفنانين، عقارب الساعة تشير إلى ما بعد منتصف الليل، أغلقت المحال في الشارع أبوابها وساد الهدوء والصمت كالمعتاد، إلا من بعض المارة القليلين، ولج إلى الداخل فوجد البواب نائما في الممر يغط في نوم عميق، فاستقل المصعد الزجاجي حيث شقته في الطابق الثامن، محاولا أن يستجمع قواه بعد يوم عمل شاق، ويفرك عينيه من الإرهاق وهو يفكر فيما سيفعله غدا لأنه مرتبط بمواعيد مهمة في الصباح، وكل ما يشغل باله كيف يستريح في هذه الساعات القليلة، وهو يتابع المشهد من خلال الباب الزجاجي للمصعد، ليس أمامه غير السكون والظلام الدامس، إلا بعض الضوء الخافت في أحد الطوابق لكن في الطابق الخامس وقع بصره على ما لم يصدقه، بل اتهم نفسه بضعف النظر، لكن لا فهذه جثة حقيقية، ودماء حديثة في الممر والرؤية واضحة رغم أن المصعد صعد به إلى أعلى، فعاد فيه مرة أخرى حتى يقطع الشك باليقين. المشهد تغير، الجثة اختفت لكن الدماء مازالت موجودة الجدران وفي الطرقات ومن المؤكد أن الجريمة حدثت للتو واللحظة لأن الدماء لم تتجلط بالكامل بعد، لكن أين ذهبت الجثة وأين اختفت؟ وماذا يحدث هنا؟ لا يدري، شعر بالخوف يسري في أوصاله فلم يتمكن من مواجهة الموقف بمفرده، ولم يستطع الخوض إلى المجهول بمفرده، فواصل النزول إلى الطابق الأرضي وايقظ الناطور وبعض السكان وأخبرهم بما رأى، فاتجهوا إلى حيث الطابق الخامس، توحدت الرؤى، وتأكدت الحقيقة فلا أحد يقيم غير المنتج السينمائي «نابليون» وقد تجاوز السبعين وأبناؤه يقيمون في الخارج، وزوجته توفيت منذ عامين، ويسكن الشقة بمفرده وسير الدماء متجه نحو مسكنه فقاموا بطرق الباب بعدما تأكدوا من أن له علاقة ما بالجريمة، لكن ما من مجيب، دقائق معدودة ساورهم فيها الشك، غير انهم سمعوا وقع خطوات في الداخل وحركة غير عادية جعلتهم يصرون على الدخول لكن من بالداخل لا يرد، فقرروا كسر الباب لأن الأمر لا يحتمل التأخير ولو للحظة، واحضروا أدواتهم وتمكنوا من الدخول ليتواصل المشهد الخارجي مع المشهد الداخلي وتكتمل الصورة، المزيد من الدماء في ممر الشقة ايضا، ثم جثة جارهم قتيلا، وشخص هناك تعلق في الشرفة من الخارج هرعوا ليمسكوا به، لكنه ألقى بنفسه في الشارع من ارتفاع يصل لأكثر من عشرين مترا أو يزيد، فإذا به يسقط فوق سيارة متوقفة أسفل البناية، أنها سيارة «خيري» الذي اكتشف الجريمة كلها وعاد منذ لحظات ليعيش هذه اللحظات الصعبة ويراها بعينيه ويكون أهم شهودها. ويهرول الجميع مرة أخرى إلى الشارع، فإذا الذي ألقى بنفسه شاب ليس غريبا عليهما، انهم يعرفونه لأنه يتردد كثيرا على هذه البناية ليخدم المنتج ويلبي احتياجاته خاصة عندما تكون لديه بعض الحفلات الخاصة التي يدعو إليها أصدقاءه ليؤنسوا وحدته، وإذا بالشاب وهو بين الحياة والموت يتألم ويتوجع وهم يسألونه عما حدث فيؤكد أنه كان بصحبة المنتج في داخل الشقة وهجم عليهما ثلاثة أشخاص وانهالوا على «نابليون» طعنا ولقي حتفه، بينما هو هرب منهم من الشرفة فقاموا بمطاردته للنيل منه والقضاء عليه حتى لا يبقى للجريمة أي أثر، فلم يجد أمامه إلا أن يلقي بنفسه من الطابق الخامس خشية بطشهم وقد أصابه الرعب وظن انه هالك لا محالة وسقط فوق السيارة وقد أصيب بكسر في العمود الفقري وجروح واشتباه ما بعد الارتجاج. كان صوت الارتطام كافياً ليوقظ النائمين في كل البنايات المجاورة فتجمعوا في ثوان كأنهم كانوا جاهزين للانطلاق، وتحول المكان الهادئ إلى خلية نحل، الكل يسأل عما حدث لكن ما من مجيب فالحقيقة تائهة، والموقف غامض والكل يتكهن ويتوقع ومع هذا الجمع الغفير يحضر رجال البحث الجنائي، ليقفوا على ما حدث، ويكرر الشاب «ناصر» على مسامعهم ما قاله أنفا، ويتم نقله إلى المستشفى للعلاج، ثم سماع أقوال الشهود وأولهم خيري والناطور، وتأتي أقوال «خيري» مغايرة لرواية الشاب المصاب، لأنه شاهد الجثة خارج الشقة، بينما الشاب يقول إن الجريمة وقعت داخلها، ومن المعاينة على الطبيعة يتأكد أن الوقائع بدأت كما يقول الشاهد، ومع هذا الوقت المتأخر من الليل الموقف لا يحتمل التأجيل لكشف غموض الحادث والتوصل إلى ما حدث بالفعل، وتشير المعلومات إلى ان هذا الشاب بلغ السادسة والثلاثين من عمره وكان يعمل نادلا في إحدى دور السينما التي يملكها المنتج، ويتردد عليه في منزله لخدمته، وتم طرده من عمله لسوء سلوكه، لكنه تودد للمنتج وأبدى أسفه وندمه فأعاده مرة أخرى، ورغم عمره هذا لم يتزوج بعد لأنه لا يمتلك المال الكافي لنفقات الزواج. تم إجراء جراحة للشاب «ناصر» وان كانت حالته مازالت خطرة، ويرقد غير قادر على الحركة إلا أنه يستطيع الكلام، وقادر على الإجابة عن التساؤلات التي تبحث عن أجوبة عاجلة، فلابد من الحسم ويعيد «ناصر» اقواله للمرة الثالثة، لكنه يفاجأ بالمعلومات الحقيقية تهوى على أم رأسه كالمطرقة، عندما تتم مواجهته بما شاهده «خيري» وان الجريمة وقعت خارج الشقة وليس داخلها كما يدعي، وان الدماء اكثر غزارة في هذا المكان مما يؤكد كذب روايته جملة وتفصيلا، فيدعي انه يتألم في محاولة فاشلة لالتقاط الأنفاس أو مزيد من المراوغة وحبك روايته، فلم يجد من الذاكرة ما يسعفه، فالآلام حقيقية، ولا وقت لاختلاق قصة وهمية، بعدما تبينت الحقيقة وبدأ يعترف. قال «ناصر» «نابليون» رجل وحيد يمتلك الملايين من الأموال السائلة، وشركات الإنتاج الفني التي لا تقدر بثمن ويحتفظ بمبالغ كبيرة في مسكنه الذي يقيم فيه بمفرده وأنا أتردد عليه باستمرار كلما طلبني لاشتري له الاحتياجات التي يريدها، وكثيرا ما سألت نفسي، ماذا سيفعل بهذه الملايين وهو عجوز تخطى السبعين وأنا بحاجة إلى بضعة آلاف تحل كل مشاكلي، ومن المؤكد انه لن يعطيني شيئا بلا مقابل، وقررت أن اقتله واسرق أمواله، وأنا اعرف الشقة والبناية جيدا، واعرف أنها هادئة ويلفها السكون منذ بداية الليل، وهو يعود عند منتصفه تقريبا، فأحضرت سكينا وتسللت إلى الداخل في غيبة الناطور وصعدت واختبأت في الظلام ما يقرب من الساعتين حتى أصابني الملل، وأخيرا وجدته خارجا من المصعد واتجه بخطوات وئيدة نحو الشقة، وعندما وضع المفتاح في الباب، انهلت عليه طعنا، فقاومني، لكن كانت الغلبة لي، بعدما حاول أن يصرخ فكتمت أنفاسه ورغم كبر سنه ظهرت عليه قوة غير عادية لم أتوقعها، حتى أسقطني على الأرض وأزاحني بعيدا عن الباب وفي النهاية تمكنت من السيطرة والإجهاز عليه. تركت الجثة واتجهت لأفتح باب الشقة، ثم سحبته داخلها واعدت غلق الباب ومضت دقائق كنت ابحث فيها عن الأموال، وقبل أن اعثر على أي نقود سمعت الطرقات التي كانت كأنها طعنات في قلبي، واخيرا تمكنوا من كسر الباب والدخول وخشيت بطشهم واكتشاف الجريمة، فألقيت بنفسي إلى الشارع واختلفت الرواية الكاذبة التي حاولت بها الإفلات من الجريمة والعقاب، وخسرت كل شيء، الصحة والعمر والمال، وبدلا من دخول قفص الزوجية دخلت القفص الحديدي.
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©