الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تَشابُكات الدّيني والسّياسي

تَشابُكات الدّيني والسّياسي
5 يوليو 2017 18:32

يؤكّد علماء اللّسانيات أنّ الإنسان كائن لغويّ  أساساً، ليس فحسب لأنّه الكائن الوحيد الّذي يستعمل علامات مقطّعة للتّواصل، ولكن أيضا لأنّ الحوض اللّغويّ  الّذي ينشأ فيه المرء هو الّذي يحدّد رؤيته للواقع وتمثّله إيّاه. لذلك نعتبر الانطلاق من قراءة المصطلحات سبيلاً مفيداً وناجعاً لقراءة الواقع. ولعلّ  من أشدّ المصطلحات السّياسيّة تداولاً في العالم منذ 2001 هو مصطلح الإسلام السّياسيّ، الذي نتناوله في هذا المقال.



بعد حادثة تفجير برجي مركز التّجارة الدّوليّة بنيويورك، بدأ الحديث عن الإسلام السّياسيّ ينتشر ويزيد. وكانت سمة هذا الإسلام السّياسيّ انقسامه فرقاً ومذاهب وشيعاً، ولكنّها ليست فرقا ومذاهب وشيعاً إيديولوجيّة فكريّة بقدر ما هي قتاليّة تجسّم إيديولوجيّتها في واقع الصّراعات السّياسيّة ونسيج التّحالفات المتنوّعة. فشاع في العالم الحديث عن الإخوان وجبهة النّصرة وفجر ليبيا ولا سيّما الدّولة الإسلاميّة بالعراق والشّام أو ما عرف بداعش. ورغم اختلاف الدّوالّ  فإنّ المداليل واحدة تحيل جميعها على الإسلام السّياسيّ. فما الإسلام السّياسيّ حديثا؟
الإسلام السّياسيّ مركّب نعتيّ، يقوم نحويّا على وصف الإسلام بالسّياسيّ ويقوم دلاليّا على نسبة الإسلام إلى السّياسة. ولمّا كانت السّياسة في معناها الأعمّ هي إدارة الشّأن العامّ  وتنظيم شؤون الّناس في علاقاتهم الجماعيّة بعضهم ببعض كتحديد نظام الحكم والقوانين وضروب إجرائها وسواه، فإنّ الظن قد يذهب إلى أنّ الإسلام السّياسي هو إدارة الشّؤون العامّة بالاستناد إلى تعاليم الإسلام وتشريعاته. وليس هذا خاطئا ولكنّه شرط لازم وليس كافيا لتعريف الإسلام السّياسيّ. ذلك أنّ هناك فرقاً كثيرة اتّخذت من قراءة الإسلام نبراساً لتصريف شؤون الناس، وهناك كثير من الأحزاب والتّنظيمات السّياسيّة تستلهم الأديان والتّقاليد الرّوحانيّة عموما دون أن تكون من الإسلام السّياسيّ. أمّا الإسلام السّياسيّ فيختلف عنها من خلال اتّصافه بثلاث سمات. وإنّنا سنحاول في هذا المقال أن نعرض لسمات الإسلام السّياسيّ وأن نقرأ دورها في سياق الأزمة السّياسيّة الخليجيّة من خلال المثال القطريّ:.

انغلاق فكري
أولاً: احتكار الحقيقة ونفي الآخر المختلف:
تقوم تنظيمات الإسلام السّياسيّ على احتكار الحقيقة الدّينيّة والحقيقة السّياسيّة بل إنّه يمكن القول، إذا نشدنا بعض الدّقّة، أنّ تنظيمات الإسلام السّياسيّ تقوم على دمج هاتين الحقيقتين دمجا تامّا بما يجعل التّمييز بينهما شبه مستحيل. والمتأمّل في تنظيمات الإسلام السّياسيّ المتنوّعة يتبين أنّها قد تتصارع فيما بينها كما كان الشّأن أثناء الحرب السّوريّة حيث تقاتلت جبهة النّصرة مع تنظيم الدّولة. ومن جهة أخرى، فإنّ هذه التّنظيمات تتصارع مع الآخر المختلف. ومنطقيّ أن تغيب عمّن يحتكر الحقيقة مفاهيمُ التّسامح وتعدّدُ وجهات النّظر وتنوّعُ منظورات الواقع. ومنطقيّ أن تغيب هذه المفاهيم أيضا عمّن يتبنّى إيديولوجيّة الإسلام السّياسيّ ويسوّق لها.
ويمكن أن نضرب مثالا على ذلك، هو مثال القناة القطرية «الجزيرة» التي قامت على التّسويق للإسلام السّياسيّ بصفته البديل السّياسيّ الأوحد في عدد كبير من البلاد العربيّة. وقد بدأ هذا التّسويق منذ دخول الألفيّة الثّانية، وذلك من خلال استضافة قادة الإسلام السياسيّ وإفراد المنابر الإعلاميّة لهم. ورغم محاولات هذه القناة ادّعاء الحياد بتقديم برامج تقوم على «الرّأي والرّأي الآخر» فإنّ منتجيها ومقدّميها كانوا يجدون صعوبة قصوى في إخفاء ميلهم إلى الإسلام السياسيّ ودعمهم إيّاه. وقد كشفت تغريدات الإعلاميّين على الشّبكات الاجتماعيّة أنّ «الرّأي والرّأي الآخر» هو مجرّد واجهة شكليّة تذرّ الرّماد في العيون، ظاهرها الإيهام بالتّعدّد والحوار، وباطنها تمكين الإسلام السياسيّ من فضاء للإعلاء من شأنه وللتّحقير من شأن الموقف المختلف عنه والمناهض له. كما أنّ إدارة الحوارات المتشنّجة والدّاعمة للحركات الإسلاميّة من جهة وقراءة التاريخ من زاوية الإسلاميّين وتصويرهم مجرّد ضحايا أبرياء لأنظمة «دكتاتورية» و»استبداديّة» من جهة أخرى، كانت من أبرز أساليب مساندة الإسلام السّياسيّ ونفي أيّ  بديل آخر مهما يكن.

استغلال «العمل الخيري»
ثانياً: العمل السّرّي، مال متدفّق واستغلال جمعيّات المجتمع المدنيّ:
من شروط المشهد السّياسيّ المتوازن وجود حكم ومعارضة أو وجود تيّارات متنوّعة ضمن الفاعلين السّياسيّين، وبعبارة أخرى، فإنّ من شروط المشهد السّياسيّ المتوازن الحوار والنّقاش والتّفاعل.
وفي مقابل ذلك، فإنّه لمّا كانت حركات الإسلام السّياسيّ متبنّيّة حقيقة واحدة ورؤية فريدة تنفي الآخر، كان من المنطقيّ أن لا تقبلها جلّ  الأنظمة الشّرعيّة القائمة في العالم. ولذلك التجأت أغلب تنظيمات الإسلام السّياسيّ إلى الاشتغال وفق خصائص العمل السّرّي. وهذا العمل السّرّي يفترض تدفّق الأموال عبر أغطية شرعيّة أو ما يسمّى بتبييض الأموال. وقد استغلّ  الكثيرون الانفتاح الّذي تتيحه التّعاملات الماليّة لمنظّمات المجتمع المدنيّ وجمعيّاته لتوظيفها في عمليّات تبييض أموال ودعم «خيريّ» للمنظّمات الإسلاميّة السّرّية. ومن ذلك مثلا ما أشارت إليه بعض التّقارير الإخباريّة من أنّ جمعيّة «قطر الخيريّة» قد قامت بتزويد قيادات إخوانيّة مرتبطة بتنظيم القاعدة بكمّيّات كبيرة من الموادّ الغذائيّة تحت مسمّيات حملات الإغاثة والمساعدات، وفي المقابل تقوم تلك القيادات الإخوانيّة ببيع تلك الموادّ الغذائيّة في السّوق السّوداء وتسخير الأموال التي يحصلون عليها من ذلك البيع في دعم وتمويل لأنشطة تنظيم القاعدة وجماعات إرهابية أخرى. وقد كشفت التقارير أن جمعية قطر الخيرية قامت بنقل ومعالجة ما يزيد عن 500 عنصر من عناصر تنظيم القاعدة في اليمن بتكلفة تزيد عن مليون دولار خلال العامين الماضيين، وذلك بدعوى معالجة جرحى الحرب. وقد وفّرت قطر الخيريّة الأدوية والمستلزمات العلاجيّة لهم، ونقلت معظمهم للعلاج في مستشفيات قطر الحكومية بالدّوحة. وليس هذا المثال الوحيد إذ تشير تقارير أخرى إلى أنّ «منظّمة الكرامة»، التي تموّلها قطر هي بمثابة ستار لتغطية تمويل قطر لتنظيمات وجماعات إرهابيّة في العديد من دول العالم، وذلك رغم صدور قرار لوقف تسجيل المنظمة في الأمم المتّحدة عام 2011 بسبب تمويلها لتنظيم القاعدة وجماعات إرهابيّة في سوريا والعراق.

تقيّة سياسيّة
ثالثاً: بثّ الفتنة وزعزعة استقرار الدّول بأسلوب التّقيّة.
أسلفنا أنّ تنظيمات الإسلام السّياسيّ تقوم على نفي الموقف الآخر وتندرج ضمن نوع من التّوحّد الدّينيّ السّياسيّ المنغلق والمتطرّف. وأسلفنا أنّ هذه الجماعات السرّيّة في أغلبها تحصل على دعم ماليّ من خلال سواتر المجتمع المدنيّ ولا سيّما الجمعيّات الّتي يتحوّل عملها من أجل خير الإنسان مطلقا إلى دعم لجماعات دون أخرى بل إلى دعم لجماعات غايتها القصوى هي القضاء على كلّ من يخالفها الرّؤية ووجهات النّظر.
وبديهيّ أن تكون الخطوة الموالية بعد وهم امتلاك الحقيقة المقدّسة وبعد جريان الأموال لنشرها، هي خطوة العنف والاعتداء على الآخر المختلف. وهذا الاعتداء نوعان، الضّرب الأوّل هو من قبيل الاعتداءات الإرهابيّة الّتي تطال أبرياء في العالم كلّه. فقلّة هي البلدان الّتي نجت من الأعمال الإرهابيّة الجبانة تضرب المدنيّين في المطارات والمقاهي والمطاعم ووسائل النّقل والشّوارع. أمّا الضّرب الثّاني من الاعتداءات فيتجاوز ضربَ الأمن اليوميّ ليضرب الأمن القوميّ، ويتجاوز الاعتداءَ على الأفراد والجماعات ليعتدي على الأنظمة السّياسيّة نفسها. ونعني هنا التّدخّل في الشّؤون السّياسيّة للبلدان الأخرى، ومحاولة زعزعة استقرار الأنظمة. وهذا ما تجسّم من خلال الموقف القطريّ الإعلاميّ الدّاعم لما سمّي بثورة تونس فليبيا فمصر. والحقّ أنّ الموقف القطريّ لم يكن فحسب داعما للقلاقل الاجتماعيّة وإنّما كان له دور هامّ في تأجيج نيران الفتنة وحمل المواطنين على مهاجمة بعضهم بعضا والتّاريخ يذكر تصفيق قناة «الجزيرة» لعمليّات الحرق والنّهب والسّرقات الّتي طالت مراكز سياديّة وراح ضحيّتها أبرياء. وبلغ تأجيج الفتنة مداه مع ما سمّي بالثّورة السّورية إذ كانت قناة الجزيرة من أهمّ المنابر الّتي تدعم الإرهابيّين المارقين والمتوافدين على سوريّة، وتلفّق تهما للجيش السّوريّ واسمة إيّاه بـ»شبّيحة الأسد» أو «قوّات النّظام» في خرق واضح لحياد العمل الإعلاميّ.
ولأنّ طريق الإسلام السياسيّ ومساندته ظاهرا وباطنا هو طريق يسير في اتّجاه واحد، ولا يمكن العودة عنه إلاّ بالاعتراف ودفع الثّمن، فقد حاولت قناة الجزيرة نفسُها التّدخّل في الشّؤون الدّاخلية لبعض بلدان الخليج والعمل على بثّ الفرقة والفتنة فيها. فكانت بذلك خارقة لاتّفاق الرّياض الّذي ينصّ   في بنده الأوّل على «التّوقف عن التّدخّل في الشّؤون الدّاخليّة لأيّ  من دول الخليج والدّول الأخرى من خلال دعم جماعات وفئات المعارضة مادّيا أو إعلاميّا من قبل مؤسسات رسميّة أو مجتمعيّة أو أفراد». ومن جهة أخرى، فقد خُرق البند الثّاني للاتّفاق نفسه الّذي يقرّ  بـ «الالتزام بعدم إساءة القنوات الإعلاميّة المملوكة أو المدعومة بشكل مباشر من قبل أيّ  دولة من دول المجلس لأيّ  من دول المجلس».
والحقّ  أنّ الإخلال بالبنود وعدم الالتزام بها يندرج في إطار التّقيّة السّياسيّة التي تميّز الحركات الإسلاميّة تبطن غير ما تظهر وتخفي غير ما تبدي. ومن نتائج هذه التّقيّة مفارقات طريفة منها أن تجد إعلام دولة لا علاقة لها بالدّيموقراطيّة شأن قطر يساند الانقلابيّين والإرهابيّين في دول أخرى بهدف تكريس الدّيموقراطيّة في تلك الدّول، وبدعوى أنّ هؤلاء الانقلابيّين والإرهابيّين هم معارضون من ضحايا الاستبداد في بلادهم.

تشويه الإسلام
من خلال ما سبق، تبيّنّا أنّ الإسلام السّياسيّ يقوم على نفي الآخر المختلف فالاعتداء عليه بأشكال متنوّعة قوامها التّمويل السّرّي والتّحريض الإعلاميّ وحماية الإرهاب وقادته. وقد ضربنا الحالة القطريّة في هذا السّياق السّياسيّ المخصوص مثالا. ولكن، بعيدا عن تاريخيّة السّياسيّ واستناده إلى المصالح والحسابات، فلعلّ أكبر ضروب إساءة الإسلام السّياسيّ إنّما هي الإساءة للإسلام نفسه دينا يقوم على شرعيّة الاختلاف وعدم الإكراه واحترام العهود والإحسان إلى الجار أفرادا ودولا، فإذا به يشوَّه بدخول السّياسيّ عليه في متاجرة واضحة بالدّين من أجل أهداف مادّية مصلحيّة. وإذا بصورة المسلم تكاد تتطابق وصورة الإرهابيّ في المخيال الشّعبيّ العامّ لبلدان كثيرة.
إنّنا نستحضر في هذا المقام قولة الشّعراوي: «أتمنّى أن يصل الدّين إلى أهل السّياسة ولا يصل أهل الدّين إلى السّياسة». فما بالك إذا لم يكن هؤلاء أهل دين أصلا وإنّما أهل نفاق وشقاق يسيّرهم منطق الغنيمة والاستيلاء على الحكم وإقصاء كلّ رأي أو موقف مختلف. لذا لا يمكننا إلاّ أن نحيّي صحوة شعوب العالم وحكّامه إزاء آفة الإسلام السّياسيّ ورعاة الإرهاب وقادته. وعلى الباغي تدور الدّوائر.

استغلال «العمل الخيري»
كشفت التقارير الإخبارية أن جمعية قطر الخيرية قامت بنقل ومعالجة ما يزيد عن 500 عنصر من عناصر تنظيم القاعدة في اليمن بتكلفة تزيد عن مليون دولار خلال العامين الماضيين، وذلك بدعوى معالجة جرحى الحرب. وقد وفّرت قطر الخيريّة الأدوية والمستلزمات العلاجيّة لهم، ونقلت معظمهم للعلاج في مستشفيات قطر الحكومية بالدّوحة. وليس هذا المثال الوحيد إذ تشير تقارير أخرى إلى أنّ «منظّمة الكرامة»، التي تموّلها قطر هي بمثابة ستار لتغطية تمويل قطر لتنظيمات وجماعات إرهابيّة في العديد من دول العالم، وذلك رغم صدور قرار لوقف تسجيل المنظمة في الأمم المتّحدة عام 2011 بسبب تمويلها لتنظيم القاعدة وجماعات إرهابيّة في سوريا والعراق.

الإرهاب.. أوله رفض الآخر وآخره قتله
تنظيمات الإسلام السّياسيّ تقوم على نفي الموقف الآخر وتندرج ضمن نوع من التّوحّد الدّينيّ السّياسيّ المنغلق والمتطرّف. وهذه الجماعات السرّيّة في أغلبها تحصل على دعم ماليّ من خلال سواتر المجتمع المدنيّ ولا سيّما الجمعيّات الّتي يتحوّل عملها من أجل خير الإنسان مطلقا إلى دعم لجماعات من دون أخرى بل إلى دعم لجماعات غايتها القصوى هي القضاء على كلّ من يخالفها الرّؤية ووجهات النّظر.
وبديهيّ أن تكون الخطوة الموالية بعد وهم امتلاك الحقيقة المقدّسة وبعد جريان الأموال لنشرها، هي خطوة العنف والاعتداء على الآخر المختلف.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©