الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

روسيا وإيران.. أساطير حول العقوبات

5 مايو 2014 22:35
دانيل دريزنر أستاذ السياسة الدولية في كلية «فليتشر للقانون والدبلوماسية» في جامعة «توفتس» كانت العقوبات المالية هي أول رد غربي على ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية، وواصلت أعمالها العدائية تجاه بقية أوكرانيا، بينما تناقش إدارة أوباما كيفية توسيع شبكة العقوبات المفروضة. ولكن هل تعتبر العقوبات أداة عفا عليها الزمان في السياسة الخارجية أم خياراً آمناً بين التحركات الدبلوماسية والتحرك العسكري أو أنها أمل جديد للقيادة الأميركية للعالم؟ والإجابة على هذا السؤال هي أنه بالطبع لا شيء مما سبق، ولفهم السبب، نحتاج إلى تفنيد بعض الأساطير عن العقوبات. أولاً ثمة أسطورة تقول: لم تُجدِ العقوبات أبداً من قبل. قبل خمسة عشر عاماً، كان خبراء السياسة الخارجية البارزين مثل ديك تشيني وريتشارد هاس يشجبون وينددون بـ «جنون العقوبات»، لكن المواقف قد تغيرت، لا سيما أن تلك العقوبات التي فرضت أثناء الحرب العالمية على الإرهاب تتمتع في الوقت الراهن بتأييد الحزبين “الجمهوري” و”الديمقراطي”. وعلى سبيل المثال، زعم “جوان زاراتي” نائب مستشار الأمن القومي في إدارة جورج بوش، في كتابه «حرب الخزانة» أن الولايات المتحدة يمكنها استخدام العقوبات «في مواجهة أكثر تهديدات أمنها الوطني خطراً». وتجدي العقوبات نفعاً وفق مفهوم أنها يمكن أن تسبب أضراراً اقتصادية قاسية للدولة المستهدفة، لكنها «تجدي» بمعنى أن الحكومة التي فرضت عليها العقوبات تضطر إلى قبول أو تقديم تنازلات بشأن أهداف سياسية محددة، ذلك أن الأضرار الاقتصادية وحدها لا تفضي دائماً إلى هذه التسويات، وخصوصاً إذا كانت التنازلات المطلوبة تتعلق بأراضي أو تغيير نظام. وعلى رغم ذلك، تبدو النتائج الأخيرة واعدة، فخلال الخريف الماضي، أقرّ الرئيس الإيراني حسن روحاني علانية بأن تأثيرات العقوبات الدولية على اقتصاد الدولة كان شديد الوطأة بدرجة تجعل من المفاوضات مطلباً عاجلاً لمناقشة برنامج إيران النووي. ويزعم بعض المنتقدين لسياسات إدارة أوباما أن العقوبات الحالية يجب أن تبقى كما هي، لأنها ستكون قوية بما يكفي لإحداث تغيير النظام في إيران. وبالطبع، لا ينبغي أن يعتقد أحد أن العقوبات وحدها ستجلب نظاماً ديمقراطياً إلى إيران أو تجبر روسيا على تحرير القرم، ولكن غالبية الدراسات الأكاديمية بشأن هذا الأمر تظهر أن العقوبات تفضي إلى تنازلات من الحكومة المستهدفة في واحدة من ثلاث أو أربع حالات، ويعني ذلك أن العقوبات أبعد ما يكون عن أسطورة أنها «لم تجد أبداً». ثانياً: العقوبات تضر الشعب أكثر من الحكومة. وهذا المفهوم من أقوى موروثات العقوبات التي فرضتها الأمم المتحدة على نظام صدام حسين بعد غزو الكويت في عام 1990، وقد كان للحظر التجاري الشامل آثار مدمرة على المجتمع العراقي، وأضر بالمواطنين العاديين أكثر من صدام. وزادت أسعار شراء الغذاء للأسر شهرياً أكثر من 250 ضعفاً خلال السنوات الخمس الأولى من العقوبات، وقفزت معدلات الوفيات بين الأطفال. وقدمت وزيرة الخارجية الأميركية السابقة أثناء حرب العراق الأولى مادلين أولبرايت رداً قاسياً على هذا الزعم في حوار أجري في مايو عام 1996 مع برنامج «60 دقيقة»، قائلة: «حتى إذا كانت العقوبات قتلت نصف مليون طفل عراقي، فإن الثمن يستحق ذلك»!. ولكن حالات مثل العراق تعتبر استثناء، ذلك أن الغالبية العظمى من العقوبات الاقتصادية لا تستمر أكثر من عقد، حسب بيانات من معهد «بيترسون للاقتصاد الدولي»، حيث تنتهي معظم العقوبات في أقل من عام. وفي غالبية الحالات، يتم فرض عقوبات أقل من حظر تجاري شامل، والأكثر أهمية، أنه منذ حالة العراق، طورت كل من الأمم المتحدة والولايات المتحدة «عقوبات ذكية» لتقليص التأثير الإنساني، وربما أن هذه الإجراءات، التي تشمل حظر السفر وتجميد الأصول وحظر تصدير الأسلحة، لا تجدي بالضرورة بصورة أفضل، لكنها تخفف التأثيرات على السكان. ثالثاً: الحل هو تشديد العقوبات بأكبر قدر ممكن. لكن من المنطقي أن نفترض أن «مزيداً من الألم جراء العقوبات يعني مزيداً من المكاسب»، وبالطبع إذا كانت فكرة فرض عقوبات على روسيا هي حمل الرئيس فلاديمير بوتين على إعادة حسابات التكاليف والمنافع من تقسيم أوكرانيا، فبالتأكيد ستكون مضاعفة التكاليف شيء جيد. ومرة أخرى، تعتبر العقوبات على العراق مرشدة لهؤلاء الذين يفكرون في فرض أقصى عقوبات على إيران أو روسيا، فبداية حوّل صدام اللوم بشأن العقوبات ببراعة من على عاتقه إلى الحكومات الغربية، ومن ثم، يمكن أن تفضي التأثيرات الإنسانية للعقوبات المكلفة إلى ردة فعل سياسية خطيرة. وكان الغرض المعلن من العقوبات على العراق، وهو تخلص الدولة من برنامج أسلحة الدمار الشامل، مختلفاً مع الغرض الخفي للولايات المتحدة المتمثل في «الإطاحة بنظام صدام»، غير أنه حتى أكثر العقوبات تكلفة في العالم لن تهم ما لم تكن المطالب واضحة. وأخيراً، بوصم العراق بأنه «دولة مارقة»، أوضح الغرب أنه يتوقع كثيراً من الصراعات المقبلة، وعندما ترى الدولة التي فرضت عليها عقوبات أن الدول الفارضة أعداء، فإن رغبتها في الاستسلام ستكون أقل. وضع روسيا كدولة مصدرة للطاقة يجعلها حساسة تجاه العقوبات بشكل خاص. وبالطبع يمكن أن تكون الأنظمة الاقتصادية المتخصصة في تصدير واحدة أو اثنتين من السلع سريعة التأثر بالعقوبات، وقد ساعد حظر صادرات الكاكاو على إجبار لاورينت جباغبو ـ المتهم من قبل المحكمة الجنائية الدولية بجرائم ضد الإنسانية ـ على ترك السلطة في ساحل العاج في عام 2011. وفي غضون ذلك، تعتمد إيران بشكل كبير على إيرادات النفط بدرجة تجعل الحظر الجزئي على صادراتها مؤذياً لاقتصادها. وفي عام 2012، شكلت الإيرادات النفطية أكثر من نصف ميزانية روسيا ونحو 70 في المئة من صادراتها، لذا ربما يبدو عرضة للخطر بشكل متساوي، لكن هناك على الأقل سببين يجعلان من العقوبات على قطاع الطاقة الروسي مختلفة عنها في إيران. لكن الحكومات الأوروبية تعتمد على الطاقة الروسية أكثر من النفط الإيراني، وهذا هو أحد أسباب الاختلاف بين الولايات المتحدة وأوروبا بشأن فرض عقوبات على بوتين. ينشر بترتيب خاص مع «خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©