الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

رهان المستقبل في أفغانستان

رهان المستقبل في أفغانستان
5 مايو 2014 22:35
ماكس بوت محلل سياسي أميركي شهدت أفغانستان انتخابات قبل بضعة أسابيع. وفي يوم الأربعاء الماضي، شهد العراق انتخابات بدوره. ولكن القواسم المشتركة بين البلدين اللذين تعرض كلاهما لغزو أميركي خلال العقد الماضي، تنتهي عند هذا الحد في الوقت الراهن. فأفغانستان تتقدم إلى الأمام بالسرعة نفسها التي يتراجع بها العراق إلى الخلف، وهو ما يمثل تبايناً دالاً ومعبِّراً ينبغي أن يؤخذ بعين الاعتبار حين اتخاذ القرار الوشيك بشأن بقاء قوات أميركية في أفغانستان بعد 2014. فالعراق يغرق كل يوم أكثر في دوامة حرب شاملة، بالكاد تجنَّب استمرارها في سنة 2007 بفضل «الزيادة» التي اعتمدها الرئيس السابق بوش في عديد القوات، حيث عاود العنف الارتفاع إلى مستويات سنة 2008 مع انبعاث خطر تنظيم «القاعدة» في العراق، المعروف باسم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» (داعش). واليوم، بات تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» يسيطر من جديد على جزء كبير من محافظة الأنبار، وأعضاؤه يقومون بين الحين والآخر بتفجير السيارات المفخخة التي تقتل الأبرياء في مناطق الشيعة. بل إن مقاتليه أخذوا يقتربون تدريجياً من العاصمة بغداد نفسها، مستعيدين مناطق فقدوها في 2007 و2008. وقد أضحى الوضع خطيراً جداً إلى درجة أن الحكومة عمدت إلى إغلاق سجن أبو غريب الشهير، غرب بغداد، خشية سقوطه في أيدي المقاتلين. وعودة «القاعدة» هذه سهّلتها السياسات قصيرة النظر، وتوجهات رئيس الوزراء نوري المالكي الذي بات اليوم غير مقيد بوجود عسكري أميركي، حيث استهدف سياسيين سنة كباراً، مثل نائب الرئيس السابق طارق الهاشمي بالملاحقة القضائية، وأطلق النار على مجموعات من المتظاهرين السنة. والأدهى من ذلك، أنه رحب بالمليشيتين الشيعيتين «عصائب أهل الحق» و«كتائب حزب الله» اللتين تتلقيان الدعم من إيران، وتقاتلان إلى جانب قوات الأمن العراقية ضد المقاتلين السنة. والحال أن هاتين المليشيتين تُتهمان بارتكاب مذابح في حق السنة في بلدات مثل بهرز، شمال بغداد. لقد بات العراق اليوم عالقاً وسط دوامة عنف طائفي، ولنقارن ذلك الآن مع أفغانستان التي زرتُها الأسبوع الماضي. فإذا كان العنف والفساد وإنتاج المخدرات والاختلال الحكومي ما زالت تمثل مشاكل حقيقية في أفغانستان التي تعتبر واحدة من أفقر بلدان العالم، فإنها تحرز مع ذلك تقدماً حقيقياً. ذلك أن كابول تعج بالحركة، وعلى رغم بعض الهجمات لـ «طالبان»، إلا أنها أكثر أماناً من بغداد بكثير. وخلال الصيف الماضي، مثلاً، تمكنت قوات الأمن الوطني الأفغانية التي يناهز قوامها الآن 370 ألف شخص، بمفردها عموماً من إحباط محاولات «طالبان» الاستيلاء من جديد على معاقلها في محافظتي قندهار وهلمند اللتين تمت السيطرة عليهما في الهجوم الذي قادته الولايات المتحدة من 2010 إلى 2012. ولعل الأكثر إبهاراً هو تمكن قوات الأمن من دون أي وجود لقوات التحالف على الميدان تقريباً من تأمين انتخابات الخامس من أبريل الرئاسية على رغم محاولات «طالبان» عرقلتها. ووفق مصادر أفغانية، فإن نحو 7 ملايين توجهوا إلى مكاتب الاقتراع قصد الإدلاء بأصواتهم، أكثر من 30 في المئة منهم نساء. ومما يثلج الصدر أيضاً، أن المرشحين اللذين حصلا على أكبر عدد من الأصوات، وزير الخارجية السابق عبدالله عبدالله، ووزير المالية السابق أشرف غاني، معتدلان مواليان للغرب، وقد تعهدا بتوقيع اتفاقية تسمح لبعض القوات الأميركية بالبقاء بعد هذا العام. واللافت أنه لا أحد من الرجلين كان هو المرشح المفضل بالنسبة للرئيس المنتهية ولايته حامد كرزاي الذي يُنظر إليه على أنه فاسد ومناوئ للولايات المتحدة من قبل معظم الناخبين. كما أن كلا المرشحين تمكنا من تجاوز الحدود العرقية والتسامي عليها، حيث نجح غاني، وهو من البشتون، في اجتذاب أصوات الأوزبك بفضل اختياره لزعيم الحرب الأوزبكي عبدالرشيد دوستم كرفيق له في السباق، في حين تمكن عبدالله، الذي ينحدر من أصل طاجيكي وبشتوني، من اجتذاب أصوات البشتون بفضل سياسة تقوم على التقرب من الناخبين، ومد جسور الاتصال معهم. والأكيد أن من شأن تنصيب أي من الرجلين أن يمثل أول عملية انتقال سلمية للسلطة في التاريخ الحديث لأفغانستان. بيد أن حقيقة أن أفغانستان تبلي بلاء أحسن من العراق قد لا تكون أيضاً في نظر البعض أمراً أكيداً. ذلك أنها لا تمتلك مثل ثروة العراق النفطية، وسكانها أفقر وأقل تعليماً. كما أن حركة التمرد فيها تتمتع بدعم أكبر عبر الحدود مقارنة مع العراق. وقبل سنوات قليلة فقط، كان العراق يبدو أفضل حالاً بكثير، حيث قال أوباما متباهياً في 14 من ديسمبر 2011: «إننا سنترك وراءنا عراقاً مستقراً يتمتع بالسيادة ويعتمد على نفسه». غير أنه بالنظر إلى الوراء اليوم، نجد أنه من الطبيعي أن يكون العراق قد بدأ ينحل منذ اللحظة التي انسحب فيها الجنود الأميركيون. ذلك أنه من دون نصائحهم ودعمهم، فإن القوات المسلحة العراقية، وبغض النظر عن مدى قوتها على الورق، لا تستطيع حتى إطعام جنودها وإمدادهم، ناهيك عن دحر «القاعدة». ولعل الأهم من ذلك أن عدم وجود قوات أميركية أدى إلى انتفاء التأثير الذي كان يتمتع به المسؤولون الأميركيون في السابق للحد من ميول المالكي الطائفية. وخلاصة القول، أن ثمة درساً مهماً ينبغي استخلاصه هنا، ومؤداه أنه من المهم للغاية الحفاظ على التزام جوهري بالإبقاء على وجود للجنود الأميركيين في أفغانستان بعد هذا العام. والقادة العسكريون يطلبون 10 آلاف موظف عسكري على الأقل. وإذا لم يلبِّ البيت الأبيض هذا الطلب (مثلما تزعم بعض التسريبات)، فإن ذلك سيعني ازدياد احتمالات أن تنزلق أفغانستان، على غرار العراق، إلى حرب أهلية تقضي على كل ما ضحى الجنود الأميركيون من أجل تحقيقه. ينشر بترتيب خاص مع خدمة «إم سي تي إنترناشيونال»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©