السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

«بوليتزر» عربية

23 ابريل 2012
أياً كان الموقف من الإعلام الأميركي وهيكليته وبنيته وسياساته، لا يسعني إلا الإعجاب بجوائز بوليتزر، لا سيما جوائز الصحافة، وذلك لأسباب عدة، منها ما هو مهني ومنها ما هو فني وحتى فلسفي. وهذا العام جاءت النتائج لترسخ هذا الإعجاب وتفرض عليّ الكتابة عنها. من الأسباب، معايشة الجوائز للوقائع المستجدة في الصحافة، وقد تمثل ذلك في منح اثنتين من أهم جوائزها لموقعين إخباريين يعملان على الإنترنت حصراً ولا علاقة لهما بالورق، وهما جائزة التحقيق الصحفي الوطني لموقع «هوفنتجتون بوست»، وجائزة تحرير الرسوم المتحركة لموقع «بوليتيكو». بهاتين الجائزتين تكون بوليتزر قد سبغت شرعية مرجعية على العمل الصحفي الإلكتروني والرقمي، الذي اكتسب من الآن وصاعداً شرعية وصدقية كانت ما زالت ملتبسة حتى الأمس القريب. إن من شأن ذلك إضفاء جدية أكثر على العاملين في الصحافة الجديدة من ناحية، وجعل الآخرين ينظرون إلى جهدهم باحترام أكثر. ومن الأسباب أيضاً، أن جوائز بوليتزر، وعددها 21 جائزة، لا تراعي الاعتبارات الوطنية والسياسية (ولا الدينية) على حساب الحقيقة. الأمر لا يتعلق فقط بفوز «هوفنتجتون بوست» بفضل تحقيق صحفي تناول التحديات العاطفية والجسدية للجنود الأميركيين المصابين خلال حربي العراق وأفغانستان، ولا يتعلق بجائزة الصحافة الاستقصائية لوكالة «أسوشيتدبرس» عن عمليات تجسس سرية لشرطة مدينة نيويورك الأميركية على الحياة اليومية للمسلمين أو بفوز صحيفة «نيويورك تايمز» بجائزة (فئة التحقيق الصحفي الدولي) عن عملها المتعلق بالمخاطر والصراع والجوع في شرق أفريقيا؛ فمعظم الجوائز الممنوحة المتعلقة، إما بشؤون خارج الولايات المتحدة أو بشؤون الأميركيين في الخارج ينطبق عليها هذا المعيار، ومنها على سبيل المثال جائزة وكالة الصحافة الفرنسية عن صورتها الخبرية العاجلة لفتاة تبكي خوفاً بعد تفجير انتحاري في كابول، وجائزة التصوير المميز لصحيفة «دنفر بوست» عن وقائع حياة أحد قدامى المحاربين الذي يعاني حالة شديدة العصبية من أثر الصدمة عندما كان في العراق. هذا المستوى المرتفع من تقدير النقد والاستقصاء عن الحقيقة يصب في نهايته في تفكيك السياسات الخارجية الأميركية خلال العقد الماضي ولكنه أيضاً، وهنا الأهم، يعكس روحاً عالية من المسؤولية لدى تحكيم الجوائز (الذي يعهد به إلى جامعة كولومبيا في نيويورك)، ويبني رصيداً تراكمياً من «سُلطة» أو هيبة الفكر والثقافة والصحافة. إنها سُلطة جعلت كثيرين يشعرون بالخشية على مستوى الكتابة في الولايات المتحدة بسبب حجب جائزة بوليتزر عن فئة كتابة الافتتاحية وعن فئة الرواية. سُلطة معنوية تحرك المشاعر والعقول من أجل مزيد من البحث عن الأسباب وما ورائها، وتبقى بمنأى عن المحاباة والعلاقات الشخصية والجوائز الموجهة أو النابعة من معايير استنسابية ضعيفة الصدقية. كثيرون يجهلون أن الصحافة الحقيقية هي التي تمارس النقد المبني على الوقائع (الاستقصاء)، وبغير ذلك لا يمكن أن يكون لها قوة التصحيح والتقويم، ولا يكون لجوائزها صدى فاعل أو نبيل. فإن مالت نحو المديح والتعظيم وقعت في فخ العلاقات العامة للدعاية والنشر، وإن جنحت نحو النقد الإنشائي غرقت في متاهات الكراهية والضغائن. وفي الحالتين لا يمكن لها أن تقوم في مقام صحافة تستحق جوائز بمستوى بوليتزر. فمتى تصبح صحافتنا هكذا وجوائزها كذلك؟ barragdr@hotmail.com
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©