الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فعاليات تناقش إشكاليات «الكتاب الرقمي» و «حقوق الملكية الفكرية» و«فنون الترجمة»

فعاليات تناقش إشكاليات «الكتاب الرقمي» و «حقوق الملكية الفكرية» و«فنون الترجمة»
23 ابريل 2013 00:15
أحمد علي البحيري (أبوظبي)- نجح معرض أبوظبي الدولي للكتاب عبر دوراته المختلفة في الخروج من تحت عباءة مفهوم السوق التجارية لبيع الكتب، إلى تحقيق ما يمكن تسميته بـ(الحالة الثقافية)، وهذه الحالة في الواقع التي تتجسد في أكثر من تقليد ثقافي وإنجاز على صعيد النمو والتطور في مجالات صناعة الثقافة والكتاب وبناء قاعدة جماهيرية من الجمهور، لم تتحقق مصادفة ولم تأت من الفراغ، بل كانت هناك عوامل كثيرة لتحقيق منظومة فكرية تقوم على جعل الكتاب المطبوع، مصدرا أساسيا في تحقيق المعرفة الجادة، والثقافة الجماهيرية، التي بدونها، يبقى الكتاب سجين الأرفف والمكتبات، دون أن يحقق الأغراض المنشودة من محتواه وطباعته. انعقاد الدورة الثالثة والعشرين من هذا الحدث الثقافي الذي اعتادت العاصمة أبوظبي على احتضانه في مثل هذا الوقت من كل عام، بحيث أصبح تقليدا ثقافيا سنويا، يضع العاصمة في واجهة المدن الكبيرة التي تستقطب أهم الناشرين محلياً وإقليمياً وعربياً ودولياً، هذا بالاضافة إلى ما تكسبه العاصمة من سمعة طيبة، سواء على مستوى سؤال الثقافة، أو على مستوى الترويج التراثي والسياحي، وإشاعة جو من الحوار الثقافي، من خلال الحضور المؤثر لعدد كبير من رموز الفكر والثقافة والأدب، من كتّاب وناشرين، ومؤسسات وهيئات ومراكز ذات صلة بصناعة الكتاب، ما يؤكد التزام المنظمين والجهات الثقافية الرسمية وفي مقدمتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة لجعل أبوظبي، عاصمة للإبداع، ومنارة للإشعاع الثقافي، ووجهة عالمية لصناعة النشر التي تواجه اليوم جملة صعبة من التحديات وعلى رأسها محاولات «عولمة الفكر الثقافي»، وإشكاليات «الكتاب الرقمي» و«حقوق الملكية الفكرية» و«فنون القرصنة» و«حقوق الترجمة». لكن ومع كل تلك التحديات، يمكن القول إن ما يميز هذا الحدث عن غيره هو صلته الوثيقة بهوية وتراث الدولة والمنطقة، وأيضا ذلك الشغف بالكلمة المكتوبة. ويبدو هذا الفعل واضحاً من خلال الدعم الرسمي السّخي لنشر العلم والأدب والثقافة الرفيعة، والتعاون الفاعل مع العديد من المؤسسات والهيئات المحلية والعربية والدولية لإطلاق المزيد من المبادرات التي تشجع على عملية اقتناء الكتاب، وبخاصة لدى فئة الناشئة والشباب وطلبة المدارس. مشاريع ومبادرات والمعرض، كحدث ثقافي، هو تكريس محلي ودولي لمشاريع أطلقتها هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة مثل مشروع مبادرة (كلمة) الذي يتيح للجمهور التعرف على ثقافات وحضارات العالم، في إطار ترجمات نوعية أنيقة للعديد من الكتب الأجنبية، ما يعمل على تدعيم فكرة احترام ثقافة الآخر، ومد الجسور مع الحضارات الإنسانية، وهي غاية سامية في المجال المعرفي، دون أن ننسى الصورة الرائعة التي يعكسها المعرض من خلال إطلاقه لمشروع المكتبة المتنقلة (حافلة كتاب)، ليصبح الكتاب المطبوع في متناول الجميع بكل سهولة ويسر تشجيعا للقراءة السليمة بين كافة شرائح المجتمع. يقول منظمو معرض أبوظبي الدولي للكتاب، إن الدورة الثالثة والعشرين منه، ستكون مختلفة بكل المقاييس، سواء على مستوى مساحة العرض التي تزيد بنسبة 15% عن العام الماضي، بواقع خمس قاعات عرض للمرة الأولى منذ انطلاقة الحدث، أو على مستوى حجم المشاركة من أكثر من 50 دولة، تعرض دور نشرها أكثر من نصف مليون عنوان، بنحو 30 لغة، مع تركيز خاص على موضوع (النشر الرقمي)، باعتباره يمثل أمرا بالغ الأهمية في تطور هذه الصناعة، ومواكبة اتجاهات النشر الحديثة، ولتحقيق هذا الغرض، سيدخل جمهور المعرض (المنطقة الالكترونية) من أوسع الأبواب: الحلقات الدراسية المتعلقة بالنشر والتكنولوجيا، وفيها سنجد منظومة من المعلومات المتعلقة بذلك من خلال شركات متخصصة من الولايات المتحدة الأميركية، ألمانيا، إسبانيا، اليونان، دولة الإمارات العربية المتحدة، الأردن، الهند، وغيرها من البلدان التي تمكنت من إرساء قواعد للنشر الالكتروني، وهو كما نعلم سلاح ذو حدين. في الواقع هناك منجزات كثيرة ستحققها دورة هذا العام، لتضيف لبنات ثقافية جديدة، إلى ما حققته الدورات السابقة على صعد مختلفة، منها: تطوير البرنامج المهني، وتهيئة منصة للعارضين لاقامة اتصالات مباشرة مع الناشرين في منطقة الشرق الأوسط وما وراءها، كذلك بناء علاقة وطيدة ما بين المبدعين والجمهور من خلال سلسلة الحوارات، وتطوير مفهوم فن المناقشة، كذلك تسليط مزيد من الأنوار الكاشفة على (مبادرة الحقوق) بعد أن قطعت خمسة أعوام من العمل باتجاه دعم العارضين والزوار التجاريين المسجلين رسميا في المبادرة، وتمكينهم من الحصول على إعانات مالية، لكل عنوان متعلق بحقوق الترخيص من وإلى اللغة العربية. هذا بالإضافة إلى تطوير مفاهيم عديدة في مجال صناعة كتاب الطفل، وإحياء (ركن الرسامين)، وهو منصة للرسامين المحليين والدوليين لعرض مواهبهم أمام الجمهور، مضافا إلى كل ذلك تحقيق مشاركة شعبية واسعة من خلال البرامج الثقافية والفنية والترفيهية والتراثية، تأكيدا من هيئة ابوظبي للسياحة والثقافة المشرفة على هذا الحدث، على حفظ وحماية تراث وثقافة الدولة، والترويج لمقوماتها الثقافية، ما يؤكد ضمنا على مكانة أبوظبي العالمية، بعد أن أصبحت قبلة ثقافية وسياحية مستدامة. الدولة ناشرا إن هذا الاستعراض الموجز لبعض نواحي التطور في الدورة الجديدة، ليس هو كل ما أنجزه هذا الحدث من مستوى النجاح، والنمو المتسارع، فلو نظرت إلى الدورات السابقة من المعرض، ستجد أن هناك منجزات إستراتيجية ونجاحات تؤسس لمفهوم نوعي لفن النشر وصناعة الكتاب، وبناء قاعدة من الجمهور من محبي اقتناء الكتاب المطبوع، وغيرها من المفاهيم والتقاليد التي تحقق معرفة إنسانية متنامية، متطورة، غير معزولة عن الركب الحضاري، وحوار الحضارات الثقافي، وربما يتصدر هذه الامتيازات هو أن الحدث جعل من الدولة ناشرا، وهذا شيء جديد في عالم النشر وصناعة الكتاب، بل في سؤال الثقافة والهوية، فقد ظل النشر كما نعلم صناعة فردية حتى مطلع القرن العشرين، يقوم بها (الوراقون)، إما للاستثمار، وإما للدعوة لفكر محدد أو عقيدة، ولذا فإن تاريخ النشر في الماضي اقترن دائما بنشاط شخصيات مغامرة، أو شخصيات مثالية تخلص في سبيل الفكر، ثم ظهر النشر كصناعة منظمة تضطلع بها شركات رأسمالية حلّت تدريجيا محل رأس المال الفردي، بهدف الاستثمار المنظم، أو جماعات عقائدية حلّت محل الأفراد، وبانتشار التعليم أصبح النشر في مختلف صوره من أخطر الوسائل لبناء العقول والقلوب، ولتكوين وتوجيه الرأي العام. في هذا السياق، ومنذ انطلاقه، نجح المعرض في كل دورة من دوراته في استقطاب المزيد من دور النشر الرسمية، من هيئات ومراكز وإدارات واتحادات ثقافية تابعة للدولة أو شبه تابعة، لكي تعرض نتاجاتها من الكتب والمنشورات والمجلات، مع تهيئة الظروف لظهور الكتاب والكاتب المحلي، وكذلك الكاتب والمفكر العربي، ويلاحظ في دورة العام الماضي أن نسبة مشاركة المؤسسات الرسمية ذات الصلة بصناعة الكتاب تشكّل نحو 30% من المحتوى العام للعناوين المعروضة من أصل 900 دار نشر، مع اهتمام واضح بالابداعات الأدبية من رواية وقصة وكتب نقدية وتراثية وتاريخية تدرس تراث وتاريخ المنطقة، ومن ذلك إطلاق (الموسوعة الشعرية) في جناح هيئة أبوظبي للسياحة والثقافة، وهي تعد حتى اللحظة مرجعاً مهماً للشعر العربي، كذلك ما يتعلق بمنجزات جائزة الشيخ زايد للكتاب، وأيضا منجزات مشروع (كلمة) للترجمة، وما يعرضه من إصدارات علمية وثقافية بمواصفات عالمية. ومن المهم الاشارة هنا إلى القيمة الفكرية والانسانية للمعرض من خلال منجزه الفريد بتخصيص جناح «مركز جامع الشيخ زايد الكبير»، وجملة إصداراته المهمة، وبخاصة إصدار (بيوت الله) من تأليف الدكتور خليل الشيخ، الخبير في الثقافات المقارنة بجامعة اليرموك في الأردن، والذي يتناول بحرفية عالية فنون العمارة الاسلامية، بدء من الجوامع القديمة في مختلف الدول الاسلامية، مرورا بفنون العمارة في مختلف العصور، ووصولا إلى التحفة المعمارية جامع الشيخ زايد الكبير، باعتباره المعلم الاسلامي الأبرز، الذي ظهر في العالم خلال الحقبة التاريخية. ويمكن لنا هنا أن نقيس على مثل هذا الانجاز العديد من المنجزات النوعية التي تحققت من مشاركة المؤسسات الرسمية في عملية النشر والابداع وتشجيع طباعة الكتاب المطبوع، على نحو المشاركات الخاصة والمميزة لعدد من الجامعات، ومنها على وجه الخصوص مشاركة جامعة الامارات العربية المتحدة التي تنظم حملة التوعية الفكرية لمكافحة شراء البضائع المقلدة. ولا ننسى في هذا السياق نجاح منظمي الحدث، في تطوير مفاهيمه ورؤيته للفعل الثقافي، من خلال طرح العديد من المبادرات الهادفة لتشجيع القراءة والنشر، مثل مبادرة (تواقيع) التي تدعم الابداعات الشبابية، والكتب الصادرة حديثا، وأيضا مبادرة (ضاد) التي تعزز مفهوم وقيمة الكتاب المطبوع بوصفه المنهج الرئيس في عملية الابداع والتثقيف والتأسيس للفكر الحضاري، بعيدا عن فخاخ ونهج (الكتاب المتطرف)، ولهذا يمكن اعتبار مصطلح الدولة ناشرا الذي أسس له المعرض عبر سنوات من الجهد والعمل الدؤوب واحدا من أهم الانجازات الثقافية الاستراتيجية في منظومة الفكر الجاد الملتزم الذي يقوم عليه هذا الحدث الكبير الذي بات يشكل منصة متميزة، ويوفر معلومات وافية عن قطاع النشر في العالم العربي، بعد أن اصبح سوقا ممتازة للناشرين الدوليين. ونستذكر في هذا السياق الدور الكبير الذي تلعبه شركة (كتاب) في التأسيس والاتقاء بمفهوم الشراكة في صناعة الثقافة والنشر، من خلال حلقات دراسية في المعرض، وكان آخرها بعنوان «الشراكات الناجحة في مجال النشر التعليمي والأكاديمي في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا». وقد أدارت هذه الحلقة مجموعة من الشركات الدولية والعربية التي كانت لها تجربة ناجحة في إقامات شراكات مع شركات نظيرة لها في العالم العربي. وتحدث محاضرون من دار «هاشيت أنتون» للنشر عن الدوافع التي حدت بهم إلى اتخاذ هذه الخطوة وتحدثوا عن أهمية الشراكات هذه، المقترنة بمعرفة جيدة للسوق المحلية في تحقيق الفائدة لكلا الطرفين. وتم التركيز على أهمية التعامل مع شركاء محليين لديهم معرفة وافية بالعادات الثقافية وإمكانية الوصول إلى صناع القرار، كما تشارك المحاضرون في هذه الحلقة أيضاً أفضل الممارسات المعتمدة بالإضافة إلى تجاربهم الناجحة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. قد يتصل بهذا الموضوع شأن آخر ذو صلة وثيقة بالمنجز الرسمي، ويتمثل في استقطاب المعرض للعديد من الجهات الرسمية والمؤسسات والجمعيات والأندية والمراكز التي تعمل على المحافظة وإحياء التراث الوطني، حيث يخصص المعرض مساحة طيبة لهذه الجهات لتقديم عروض تراثية من فنون العيالة والحربية، والعروض الفلكلورية المختلفة، مع عروض للصقور، وما يتصل بها من مفردات رياضة الصيد بالصقور، وهي واحدة من أهم الرياضات الصحراوية المحببة لدى شعوب المنطقة الخليجية، عروض حية، يمتزج الجمهور من خلالها بعراقة الموروث الاماراتي، بحيث يتحول المكان إلى أكثر من ساحة لعرض الكتب، إلى احتفالية قد يصلح أن نقول عنها أنها احتفالية الكتاب المتحرك. الناشر النّقي في الواقع إن الحديث عن نجاحات وتميز معرض أبوظبي الدولي للكتاب واسع وشائك ولا يمكن أن يتوقف عند حدود صناعة الكتاب والنشر، أو قل الاحتفاء بالكتاب المطبوع، والمحافظة على تقاليده، وما كان كل ذلك ليتحقق في مدة وجيزة، إلا بعد الدخول في المناطق الشائكة، ومواجهة التحديات، وتكثيف الحوار والدراسات من أجل نمو حقيقي للمعرفة، ولهذا كان مهما الاشارة الى نجاح المنظمين في الانتباه المركز على تواصل مفهوم الملتقى السنوي العالمي للناشرين والمؤلفين وقادة الفكر من مختلف أنحاء العالم، فضلا عن المتخصصين في مجال النشر والاعلام الرقمي وتجارة الكتب، للبحث في أفض الطرق لتوصيل الكتاب للجمهور، وهذا في الواقع أهم غاية ينشدها أي معرض في العالم، تكمن في تحقيق عادة القراءة بين افراد المجتمع بمواجهة مقولة شائعة بأننا شعب لا يقرأ. وبهذا وبأشياء كثيرة، يمكن القول إن المعرض من خلال نجاحاته التراكمية أمكن له أن يوصل لنا مفهوما جديدا في صناعة الكتاب، وهو (الناشر النّقي)، وطبقا للتعريف العلمي لعلم المكتبات، فإن مثل هذا الاصطلاح المعروف بصورة مثالية في الوسط الثقافي الأوروبي، يوضح بأن هذا الناشر، يدير فقط أطراف عملية النشر، من المؤلف والمطابع والموزع، ولديه وكيل أدبي، فعلاقة الناشر غير مباشرة مع المؤلف والمطابع، فالناشر عليه فقط أن يدير عملية النشر، حتى يصل الكتاب للقارئ، وهذا الناشر النقي المتخصص، يبدو أن لديه شركات متخصصة للتوزيع، وشركات متخصصة للطباعة، وهذا الناشر تستطيع أن تجده في المعرض من خلال عديد من دور النشر الأجنبية، ولنا أن نتساءل فقط عن بعض الناشرين، وليس كلهم، حينما يقومون بكل العمليات الخاصة بانتاج الكتاب، دون أن يتركوا للمتخصصين مجالا لتنظيم عملية النشر، وهي من أهم العمليات في صناعة الكتاب.. وخلاصة القول إن معرض أبوظبي الدولي للكتاب أخذ على عاتقه منذ سنوات معالجة واحدة من اخطر قضايا صناعة الكتاب وتتعلق بموضوع التوزيع، حيث يجد الناشر والمؤلف والكتاب فرصتهم الحقيقية في الوصول إلى القارئ بسهولة، مضافا إلى كل ذلك جدية منظميه في وضع التزامات محددة نحو مسألة حقوق الملكية الفكرية والتزوير، والتركيز على جودة الطباعة، لبناء صورة حقيقية للكتاب المحترف بمستوياته، صورة الشغف بالكلمة المطبوعة، لكي تكون في خدمة المؤلف والقارئ معا.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©