الثلاثاء 16 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

التخصص وتقسيم العمل

التخصص وتقسيم العمل
24 سبتمبر 2008 00:41
يعد التخصص وتقسيم العمل من المفاهيم التي أوجدها الإسلام وأمر المسلمين بالأخذ بها في تعاملاتهم وفي تنظيم شؤون حياتهم الدينية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية· ويقول الدكتور يوسف إبراهيم -أستاذ الاقتصاد بجامعة الأزهر: يقصد بهذا المفهوم تجزئة العمل في أنشطة نوعية يتطلب كل منها التخصص الدقيق في كل جزئية من جزئيات العمل بما يضمن القدرة على أدائها بفاعلية· وتكمن أهمية مبدأ التخصص وتقسيم العمل في أن الإعمال متفاوتة فيما تحتاج إليه من قدرات وإمكانيات ومواهب والإفراد قدراتهم ورغباتهم مختلفة ومن المهم أن يتم تقسيم العمل على الأفراد حسب قدراتهم وإمكانياتهم وتخصصاتهم وعدم إهمال الرغبات والميول لأن تلبيتها تساعد على أداء العاملين برضا وارتياح· ويضيف الدكتور يوسف إبراهيم أن الإسلام نادى بالأخذ بهذا المبدأ ويفهم ذلك من قول المولى عز وجل:''نحن قسمنا معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا'' الزخرف الآية 32 وتفسير الآية يعني أن الرزق في الحياة الدنيا يتبع مواهب الأفراد وظروف الحياة وعلاقات المجتمع وتختلف نسب التوزيع بين الأفراد والجماعات وفق تلك العوامل كلها· ويعني قوله تعالى:''ليتخذ بعضهم بعضا سخريا'' أي ليسخر بعضهم بعضا إذ أن دولاب الحياة حين يدور يسخر بعض الناس لبعض حتما وليس التسخير بمعنى الاستعلاء إنما كل البشر مسخر بعضهم لبعض ودولاب الحياة يدور بالجميع· والجميع مسخر للخلافة في الأرض بهذا التفاوت في المواهب والاستعدادات والتفاوت في الأعمال والأرزاق فهذا التفاوت ضروري لتنوع الأدوار المطلوبة للخلافة في هذه الأرض ولو كان جميع الناس نسخا مكررة ما أمكن أن تقوم الحياة في هذه الأرض بهذه الصورة ولبقيت أعمال كثيرة لا تجد الكفايات ولا تجد من يقوم لها والله تعالي خلق الحياة وأراد البقاء والنمو ولذا خلق الكفايات والاستعدادات متفاوتة تفاوت الأدوار والآيات التي تؤكد هذا المعنى كثيرة منها قوله تعالى:''يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات'' المجادلة الآية 11 · ويوضح أن هذا التقسيم أو التفضيل لايحمل معنى الأفضلية عندالله أو في القيمة الإنسانية أو الدرجة ، لأن هذا يتناقض مع أصل المساواة الذي قرره القرآن الكريم ، والقرآن لا يناقض بعضه بعضا· أنه تفضيل تقسيم وتوزيع للأدوار الاجتماعية وليس تفضيل مكانة· ولا يحق لأي فرد أن ينظر نظرة فوقية الى غيره بسبب طبيعة العمل الذي يؤديه ضمن منظومة العمل التفاعلي الاجتماعي، بل إنه من غير المقبول شرعا أن تتحدد نظرة الأفراد الى بعضهم البعض بناء على الأعمال التي يؤدونها ضمن هذه المنظومة· ومن هنا فإن النهوض بالمجتمعات يفرض أن يتخصص كل فريق من المجتمع بعمل من الأعمال على أن تؤدي الحصيلة النهائية لتقسيم العمل الاجتماعي الى التكامل بين أفراد المجتمع بما يكفل إشباع كل حاجات المجتمع· فهو تخصص تكاملي· والقرآن الكريم أوضح هذه الضرورة الاجتماعية حين بين انه ليس من الممكن مثلا أن يكون كل أفراد المجتمع مجاهدين في صفوف الجيش الإسلامي، فدعا الى تخصص البعض بالعلم الشرعي الديني فقال : '' وما كان المؤمنون لينفروا كافة، فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين'' التوبة الآية ·122 فهذه الآية في غاية الوضوح والتحديد في عدم إمكانية انخراط كل أفراد المجتمع في نوع واحد من الأعمال لأن ذلك من شأنه أن يعطل الحياة الاجتماعية ويضر بالأمة· وأضاف د·يوسف إبراهيم: الرسول - صلى الله عليه وسلم - أمر بالأخذ بهذا المبدأ مراعاة لظروف العمل ومتطلباته وقدرات الفرد وإمكانياته· وروي الأمام أحمد في مسنده :'' قال زيد بن ثابت: ذهب بي أبي الى النبي، فأعجب بي فقالوا : يا رسول الله هذا غلام من بني النجار معه مما أنزل عليك بضع عشرة سورة· فأعجب ذلك النبي - صلى الله عليه وسلم - وقال: يا زيد تعلم لي كتاب يهود - كتابتهم - فإني والله ما آمن يهود على كتابي ، وانصرف زيد الى ذلك بكل أخلاص ثم قال :'' فتعلمت كتابهم ، ما مرت بي خمس عشرة ليلة حتى حذقته، كنت أقرأ له كتبهم إذا كتبوا إليه وأجيب عنه إذا كتب ''· ومن هذه القصة نستنتج كيف وظف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - زيدا حسب قدراته· وترسخت معالم هذا المبدأ في الدولة الإسلامية فظهرت تقسيمات وظيفية فكان المؤذن بلال بن رباح ، وعبد الله بن ابن مكتوم ، وكان من يفتي أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وعبد الرحمن بن عوف وأبن مسعود · كما نجد المتخصصين في تعليم الكتابة ومنهم عبد الله بن سعيد ، والشفاء أم سليمان، وآخرين تخصصوا في تعليم القرآن، و منهم عبادة بن الصامت ، ومصعب بن عمير، ومعاذ بن جبل ، كمل وليت إمارة الحج لعتاب بن أسيد ، وأبو بكر· كما برزت تقسيمات مهام الدولة وفق هذا المبدأ في عهد عمر بن الخطاب - رضي الله عنه· حيث أنشأ العديد من الدواوين التي تماثل الوزارات والمصالح في الوقت الحاضر، وذلك في مجال العطاء والجند والخراج في مقر عاصمة الدولة الإسلامية مع إيجاد فروع لها في الأقاليم ، وقد أضيف لها في عصر الدولتين الأموية والعباسية ديوان البريد وديوان الخاتم وديوان المستندات المالية وديوان الأزمة الخاصة بالحسابات وديوان المظالم وديوان النفقات وديوان الأراضي وديوان المعدات الحربية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©