الخميس 28 مارس 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تناقضات باكستانية

23 سبتمبر 2008 01:32
غالبا عندما يتم الحديث عن باكستان، تستحضر مشاهد المقاتلين الذين أحرقوا أكثر من 130 مدرسة للبنات في وادي ''سوات'' الريفي، وانتشار التفجيرات الانتحارية التي تهز أركان المدن وتروع السكان، واغتيال السياسيين؛ وباكستان هو أيضا البلد الذي يعدم فيه الجواسيس أمام الملأ وتحرم فيه المرأة من حقوقها، لا سيما في المناطق المحاذية لأفغانستان التي تنشط فيها ''طالبان''؛ لكنه أيضا البلد الذي أستطيع فيه مع أقاربي من الإناث ارتداء ملابس التمارين الرياضية والذهاب إلى صالات الرياضة التي يرتادها أصحاب الدخل المرتفع والمختلطة بين الرجال والنساء؛ والواقع أنه على امتداد رحلاتي المتعددة لباكستان لزيارة أقارب زوجي طالعتني الطبيعة المزدوجة للبلاد والتناقضات التي تتخلل حياة أبنائها، حيث يجتمع لعب الأطفال في بيتنا بـ''لاهور'' القريبة من الهند مع الحارس الذي يقف على بوابة المنزل لحراسته من أي طارئ فتختلط صيحات الأطفال الذين يلهون في الحديقة ويمارسون ألعابهم المفضلة مع مشهد الحارس الذي يتأبط سلاحه ويقف بثبات مقابل الباب· ومع أن الحارس المسلح الذي رافق العائلة لفترة طويلة لم يطلق سلاحه طيلة السنتين الأخيرتين سوى على غراب كان يحلق بالقرب من المنزل، إلا أن مجرد وقوفه على ناصية الباب ومرافقته للعائلة هذه المدة الطويلة يبعث على عدم الارتياح؛ وفي هذا السياق يقول ''حسن عسكري رضوي'' -المحلل السياسي ومؤلف كتاب ''باكستان بعد 9/11- إن ''كل ما يلمسه الملاحظ من تناقضات في باكستان هي حقيقية؛ فقد كانت البلاد في السابق رمزا للانفتاح والاعتدال، وهي مازالت كذلك في المراكز الحضرية الكبرى، حيث ترتدي النساء سراويل الجينز وتقود السيارات، لكن في مناطق أخرى من البلاد تحرق مدارس البنات· المشكلة أنه مازال هناك البعض في باكستان لا يدرك أن ''طالبان'' تمثل خطرا على تماسك الدولة ووجودها''؛ والأخطر من ذلك أن ''طالبان'' التي تعززت قوتها في الفترة الأخيرة، بدأت بالفعل في الانتقال من المناطق القبلية التي ينعدم فيها القانون ويستغلها المقاتلون كملاذ آمن إلى عمق باكستان وقلبها النابض في المدن الرئيسية؛ فبعد أيام قليلة على مغادرتي لباكستان خلف انفجار انتحاري في ''لاهور'' ثمانية قتلى على الأقل عندما كان الأهالي يحتفلون بعيد الاستقلال، كما لقي ثمانية آخرون حتفهم إثر انفجار مزدوج استهدف مصنعاً للسلاح في العاصمة إسلام أباد· لكن وطيلة زيارتي لمدينة ''لاهور'' التي امتدت على مدى عشرة أيام لحضور حفل زفاف أحد أقاربي خلال شهر أغسطس الماضي، لم يأت أحد على ذكر موجة العنف المتصاعدة في البلاد، وبدا الجميع منشغلين باستعدادات الزفاف؛ واللافت أن الناس لا يهتمون كثيرا لما يجري وكأن الفظائع تقترف في قارة بعيدة، في حين أن المنطقة المضطربة لا تبعد سوى 300 ميل عن المدن الرئيسية، وهي المنطقة التي أقام فيها المسلحون المتطرفون حكومة موازية وفرضوا فيها نمطاً متشدداً من الشريعة الإسلامية· وفيما يرى البعض أن الحرب على الإرهاب هي حرب الآخرين التي تشنها أميركا ضد الإسلام، يعتقد البعض الآخر أنه يتعين مهادنة ''طالبان'' لأن باكستان قد تحتاج إليها في صراعها المستمر مع الهند؛ ورغم التحديات الجسيمة التي تطغى على المشهد العام وانشغال الناس بمستقبل بلادهم الاقتصادي والسياسي في ظل معدل التضخم الذي وصل إلى 25 بالمائة والانقطاعات المتكررة للكهرباء، فضلا عن الواقع السياسي الهش بعد استقالة الرئيس ''برويز مشرف'' الذي انقلب على حكومة منتخبة قبل عقد من الزمن، إلا أنه مع ذلك يبقى لافتا انتصار الروح الإنسانية في وجه حالة عدم اليقين التي تغشى البلاد· وخلال الأيام الثلاثة التي سبقت حفل الزفاف اجتمع أقرباء العريسين من الشباب وبدأوا في إنشاد الأغاني التي ستردد في الحفل، حيث امتلأت جنبات المكان بصوت الآلات الموسيقية التقليدية المعروفة في باكستان، وارتدى الجميع اللباس التقليدي، كما قام الأقارب كجزء من العادات المحلية القديمة بسرقة حذاء العريس وخيروه بين دفع مبلغ من المال لاسترداده، أو المشي حافي القدمين؛ لكن الوجه الإنساني لباكستان الذي يعكسه المواطنون في مناسباتهم المتعددة وحياتهم اليومية يختفي أمام العالم لتسيطر العمليات الانتحارية على عناوين الأخبار· يري رزوي كاتبة متخصصة في الشؤون الباكستانية ينشر بترتيب خاص مع خدمة كريستيان ساينس مونيتور
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©