الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

البيئة بطلة اللوحة

البيئة بطلة اللوحة
9 ديسمبر 2009 21:46
تعد تجربة الفنانة الإماراتية منى الخاجة إحدى التجارب المؤسسة في التشكيل الإماراتي عموماً، والنسوي خصوصاً، فالفنانة التي بدأت مبكراً أسهمت في تأسيس وتشكيل مسيرة الفن في الدولة مع جيل الرواد الأوائل من الفنانين المواطنين والمقيمين، من خلال جمعية الإمارات للفنون التشكيلية أولاً، والمشاركة في نشاطاتها الفنية في الساحة المحلية والخليجية، وقامت بدور كبير في إثراء تجربتها الفنية. بعد أن درست فن التصوير الزيتي في كلية الفنون الجميلة بالقاهرة وتخرجت فيها العام 1981، بدأت نشاطها بالمشاركة في المعارض المحلية والعربية والدولية، فقدمت أعمالاً تمكنت من اكتساب ملامح خاصة مع الوقت، فقد كان همها توثيق مظاهر تراث هذه البيئة خلال مسيرتها الفنية، في محاولةٍ منها لتوثيق وتسجيل تراث المنطقة الذي تطغى عليه معالم الحداثة، وشيئاً فشيئاً اتجهت خلال مسيرتها الفنية بشكلٍ خاص للبحث عن القيم الإنسانية النبيلة المتجلية في النفس البشرية، وغالباً ما كانت تصورها باستخدام عناصر ومفردات من التراث، لإيمانها ـ كما تقول ـ بوجه الشبه الكبير بينهما، والمتمثل في الأصالة والسمو، وقد تبلورت محاولاتها مؤخراً في معرض شخصي هو الأول حمل اسم “اللؤلؤة” ويضم ثمانية وثلاثين عملاً بأحجام مختلفة. في المعرض هناك ثيمة أساسية تشتغل عليها الفنانة هي “اللؤلؤة”، ولهذه الجوهرة هنا رمزيتها ودلالاتها على مستوى الشكل واللون والتكوين التجريدي الذي يعكس بصدق كبير بيئة الفنانة التي تبدو هنا وقد امتلكت فلسفة لوحتها على نحو استطاعت أن تجعل من أعمال المعرض كله، مع بعض الاستثناءات القليلة، ملحمة لونية وحركية بإيقاعات متوهجة وتفاصيل لافتة. أول ما يلفت في أعمال هذه “اللؤلؤة” ألوانها، فهي ألوان حارة حد الصخب، إذ تنتمي إلى البيئة بصورة قوية، فسطوع الأزرق البحري وبرود البيج الرملي، وتأثيرات الأحمر الصارخ، تجعل من اللون بطلاً للعمل الفني. اللون هنا يسطع سطوع شمس الخليج، مثلما يعكس زرقة مياهه. والاستثناء هو أعمال قليلة بلون الرمال الباهتة. هي ألوان مضيئة رغم كثافتها وخشونتها، إذ يبدو الضوء هو أساس اللون. والألوان لعبت دوراً كبيراً في بيان تفاوت درجة الثبات والقوة التي تتمتع بها النفس البشرية والقيم التي تحملها، فتفتح تارةً وتغمق تارةً أخرى، بالتركيز على الألوان الصارخة من خلال الأسلوب التجريبي الرمزي الذي تراه مناسباً لمضمون فكرتها حول قوة الإنسان وإرادته في التغلب على ما يقابله من صعاب في حياته. البطل الثاني في أعمال الخاجة هو التكوينات والحركة الدائبة التي تمثل الحياة وحراكها. وما بين اللون والتكوين هناك ما ينبغي التأمل فيه من علاقات ومكونات وعناصر أساسية وهامشية. فالحركة في اللوحة تتخذ مسارات واتجاهات مختلفة، منها الدائري والحلزوني، ومنها الطولي. وهي في كل الأحوال تعبر عن حركة النفس البشرية بكل تحولاتها، وهو ما ترمز له اللؤلؤة. البيئة تحضر أيضاً في تكوينات محددة تستعيد البيت القديم وذكرياته، في إشارة واضحة إلى ما يمثله من “لؤلؤ” في تراث الشعب. ومن بيئتها تستمد الفنانة قواقع البحر التي يفترض أنها بيت اللآلئ، وهي تبدو فارغة بعد أن جرى استخراج اللؤلؤ منها. إنها محاولة جديدة في التعامل مع التراث البحري والمعماري والطبيعي المحلي الذي سبق للفنانة ورسخته في لوحتها، أما اليوم فهي تتجرأ أكثر على تجريده ومنحه دلالات جديدة، وكأن الفنانة تقول إنها مهجوسة بالبحث عن وسائل وأساليب أخرى للتواصل مع هذا الموروث بما يمثله من روحانية وقيم إنسانية نبيلة في مواجهة وحشية العالم المعولم اليوم. وعن أعمالها الحديثة تقول منى الخاجة “اعتمدت فيها على استخدام اللون في طبقات عدة لإضفاء الملمس على مساحات العمل وأحياناً لإعطاء الشفافية، كما قمت بالمزاوجة بين القديم والحديث حيث استخدمت الوحدات الزخرفية المستوحاة من التراث ووظفتها تشكيلياً في علاقات متبادلة مع المساحات التجريدية، فهي قيم ثقافية ومجتمعية عشناها ولم نحافظ عليها، فتتكسر تارة وتندثر تارة أخرى، وتارة تسبح في فضاء اللوحة ورغم ذلك تبقى أحياناً ثابتة قوية”. وتضيف “ارتأيت استخدام الأسلوب التجريدي والرمزي لإيصال فكرتي القائمة على قوة النفس البشرية وقدرتها على المحافظة على صفائها ونقائها، وذلك من خلال العمل على مجابهة التغيرات والتطورات الراهنة، بما تحمله من قيم إنسانية نبيلة اتخذت اللؤلؤ رمزاً لهذه النفس التي تسعى للمحافظة على صفائها ونقائها وإشراقها وتوازنها في معمعة التغيرات الراهنة، التي أشرت إليها بضربات الفرشاة التي تظهر الحركة والصراع المستمر الذي تحدثه”، وتابعت الخاجة “ومن الوحدات الخزفية الجميلة المستمدة من التراث القديم، اتخذت رمزاً للقيم البشرية النبيلة التي تجابه وتواجه هذه التحديات والتغيرات الراهنة، والتي تبرز في بعض اللوحات معلنة عن قدرتها على تحقيق ذلك، وتبهت في البعض الآخر مبينة تأثرها، الذي ليس من الممكن أن ينحيها عن مكانها، فتبقى ثابتة قوية حيث هي”. وبالعودة إلى بداياتها تقول الفنانة “كانت قد بزغت موهبتي في مجال الرسم منذ طفولتي، فقد كنت أحرص وأنا ما زلت على مقاعد الدراسة، منذ المرحلة الابتدائية على المشاركة في المسابقات والفعاليات الفنية المختلفة”، وعلقت “ما زلت أذكر مشاركتي في الفعاليات والأنشطة التي نظمتها اللجنة الفنية في الجمعية النسائية في الشارقة، ومن أبرزها مشاركتي بلوحتين تجسدان صورة (النعاشات) وهن يؤدين الرقصة الشعبية، وقد اقتنتهما أحد أبرز الشخصيات القيادية في الدولة.. الأمر الذي ترك بالغ الأثر في نفسي، وجعلني أصر على المضي قدماً نحو الطريق الذي رسمت ملامحه بنفسي، ألا وهو دراسة الفنون الجميلة في المرحلة الجامعية”. وتابعت “بالفعل قمت بذلك ما إن تخرجت في المرحلة الثانوية، حيث التحقت بكلية الفنون الجميلة في القاهرة، التي درست فيها أساسيات ومبادئ الفنون الجميلة على يد أبرز الفنانين المصريين، ومنهم حامد ندى، ومحمد رياض، وحامد صقر، وأحمد نوار، وأحمد نبيل، إلى جانب نخبة من الأساتذة المتخصصين.. تأثرت أعمالي في مرحلة دراستي الجامعية بأعمال أبرز الفنانين العالميين، أمثال ليوناردو دافنشي، فان جوخ، ومن الخليج العربي تأثرت بأعمال الفنان البحريني عبدالله المحرقي الذي ينتمي إلى الجيل الأول من الفنانين البحرينيين، ويعتبر رائداً من رواد الفن التشكيلي، وأبرز رموزها في المنطقة”، وأضافت “ومع مرور الوقت بدأت أشق طريقاً خاصاً في مشواري الفني، انطلاقاً من المدرسة الواقعية، ووصولاً إلى التجريدية والرمزية المتمثلة اليوم في لوحات “اللؤلؤ”. وتختم بالقول “كلما اشعر أن اللوحة اكتملت أشعر أني أريد أن أعمل فيها أشياء أخرى وينتابني هذا الشعور أكثر من مرة إلى أن أصل إلى مرحلة الرضا عن اللوحة، مع قناعتي أن الفنان الذي ينشد الكمال لا يستطع أبداً الوصول إليه، و كثرة الخبرة والتجارب تمنح الفنان مخزوناً فنياً كبيراً لكن هذا المخزون لن يوصله أبداً إلى الكمال”. وأخيراً، وحسب محمد المر “يأتي استيحاء الفنانة منى الخاجة للؤلؤ في أعمالها الفنية في هذا المعرض ليدلل أن اللؤلؤ ما زال مصدر إلهام ثقافي يسافر من أعماق الماضي إلى آفاق المستقبل، وهو مصدر حافل بالدلالات والرموز، والفنانة منى الخاجة لا تتعامل مع اللؤلؤ كموتيف فلكلوري بحت تحيله إلى شحنة رمزية تتحد مع تجربتها التجريدية واللونية، وهي بذلك تقوم بعملية إعلاء له ليدخل في ديناميكية فنية معاصرة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©