السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

امتحانات.. بالتاكسي!

امتحانات.. بالتاكسي!
9 ديسمبر 2009 21:45
جميع ضباط الأمن الذين عرفتهم في بداية السبعينات أحيلوا إلى التقاعد الآن بعد أن قدموا زهرة الشباب لهذا الوطن ولجميع المقيمين فيه من مواطنين ووافدين. عندما ألتقي ببعض هؤلاء الإخوة الآن ونسترجع أيام العطاء الجميلة أشعر أن الزمن الذي عشناه معا كان جميلا فعلا، وأن الزمن الحالي بجماله وروعة صورة الأمن فيه هو بناء قام على الأساس الذي أرساه أولئك الرواد. تغيرت الوجوه الآن، وتقلد المسؤولية شباب ولدوا في زمن النهضة التي أعلاها ورعاها المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان. عندما قمت بتغيير رخصة القيادة في سبتمبر من هذا العام 2009، التقيت بالضابط المسؤول وشعرت وأنا أتحدث إليه أن تلك المبادئ والسلوكيات والأخلاق التي أرسى دعائمها سمو الشيخ مبارك بن محمد آل نهيان في بداية انطلاق الدولة ما زالت قائمة ولن تتغير. فالترحيب بالزائر المواطن والوافد ما زال هو السمة الغالبة، وتبسيط الإجراءات والابتعاد عن التعقيدات ما زالت هي روح العمل التي تقدمت جدا بفضل استخدام الكمبيوتر والحرص على وقت المراجع. لم تستغرق عملية تجديد رخصة القيادة أكثر من عشر دقائق رغم العدد الكبير الذي رأيته من المراجعين، ورغم اتساع المكان مقارنة بالمكان الذي استخرجت الرخصة منه في عام 1971. عند الامتحان.. في عام 1971 كان مكتب الترخيص والذي يتم فيه فحص السيارات، وعمل امتحانات القيادة للسائقين الجدد بما فيها فحص النظر ويتم فيه كذلك استصدار رخص القيادة، وشهادات الملكية، كان ذلك المكتب صغيرا جدا وعدد العاملين فيه أيضا لا يتجاوز عدد أصابع اليدين. أذكر من الضباط الذين كانوا في ذلك الوقت الأخ سالم حبوش والأخ عبد الحميد السراج، وفي فحص القيادة كان هناك خبير أردني معروف باسم أبوعرب. لم يكن هناك فحص نظري وفحص عملي للسائقين، بل كان المتقدم للفحص يستأجر سيارة تاكسي أو يأتي بسيارة أحد أصدقائه على شرط ألا تكون أتوماتيك فتشكل لجنة من ثلاثة عناصر تقوم بالركوب في سيارة المتقدم للامتحان فينطلق في شوارع مدينة أبوظبي يقف على الإشارات الضوئية ويزيد أو يخفف من السرعة حسب الحاجة ودون تجاوز الحد المسموح للسرعة، فيتضح للجنة إذا كان ذلك السائق يستحق أن يمنح الرخصة للسياقة أو أن قيادته تشكل خطرا عليه وعلى من يستعمل الطريق. وخلف هذه اللجنة كانت تسير عادة السيارات الأخرى التي سيتقدم ركابها أو سائقوها إلى الامتحان فكانت اللجنة تنزل من سيارة وتركب في الأخرى، وهكذا تقوم اللجنة بفحص ما لا يقل عن عشرة سائقين في اليوم. النجاح العزيز ولم يكن غريبا أو مثيرا للعجب أن ينتهي اليوم دون أن ينجح أحد، فلقد كانت اللجان متحفظة جدا ولا تمنح الرخصة إلا لمن يثبت فعلا أنه متمرس وأن قيادته آمنة لا خطر فيها. وكان عاديا جدا أن يستمر بعض المتقدمين لامتحان القيادة في تقديم تلك الامتحانات لسنة أو ثلاث سنوات بل ولعشر سنوات أحيانا. أما أولئك السائقون الذين ترى اللجان أنهم ناجحون ويستحقون حمل رخصة القيادة، فإنهم يكونون قد تجاوزوا المرحلة الأولى فقط، ولابد لهم من تجاوز المرحلة الثانية وهي السياقة برفقة الضابط المسؤول، ولقلة عدد الناجحين في امتحانات اللجان، فإن الضابط المسؤول أو رئيس القسم لا يرافق عادة إلا عددا قليلا من السائقين الناجحين، وأحيانا لا يرافق أحدا لعدم تمكن أي من المتقدمين لامتحان القيادة من النجاح. ولذلك كان الاحتفال بالنجاح في فحص القيادة يضاهي الاحتفال بالزواج، وكانت رخصة القيادة أعز وأغلى من العروس ومن خلال برنامجي “طريق السلامة” “الشرطة في خدمة الشعب” واللذين قدمتهما من إذاعة أبوظبي منذ عام 1971، كنت ألتقي بضباط المرور وأتابع معهم النشاط الذي يقومون به سواء في قسم الترخيص أو دوريات المراقبة. سرعة محدودة كانت السرعة محدودة في شوارع مدينة أبوظبي بستين كيلومترا على الكورنيش وشارع المطار القديم وأربعين كيلومترا في الشوارع الداخلية، ولم يكن لدى رجال المرور في ذلك الزمن رادارات لمراقبة السرعة، ولكنهم كانوا مع ذلك يستطيعون معرفة المخالفين من خلال دوريات تقوم بقيادة السيارات بالسرعة المحددة فمن تجاوزهم يكون متجاوزا للسرعة المحددة ويستحق المخالفة. وعندما بدأ رجال المرور يستخدمون أجهزة الرادار لقياس السرعة كانت تلك الأجهزة محمولة والمخالفات تدفع في حينها، ولقد انتهت هذه المرحلة بتثبيت أجهزة الرادار في أهم المواقع المتعرضة للسرعة. الآن وعلى شاشة الهاتف المحمول يبلغني رجال الأمن بالمخالفة ونوعها ومقدار الغرامة التي يجب أن أدفعها. كل شيء تغير، ماعدا شيء واحد، وهو الروح العامة، جميع رجال الأمن في دولة الإمارات ما زالوا محافظين على سلوك الاحترام والتعامل مع الناس بروح الصداقة والإخوة، وأعتقد أن هذه الظاهرة أسس لها ورعاها الرواد الأوائل الذين يجب ألا ننساهم وأن نقوم بتكريمهم لأنهم بالفعل قدموا حياتهم وشبابهم لخدمة وطنهم وجميع المقيمين فيه. ولقد شهدت صورا من الوفاء حينما حضرت مجالس بعض شيوخنا، لألتقي بعدد كبير من ضباطنا القدامى، لأجد أن التواصل بينهم وبين القيادة لم ينقطع رغم انتهاء خدماتهم. بعض هؤلاء الضباط قاموا بعمل استثمارات أو إنشاء شركات خاصة وجميعهم غير محتاجين ماديا ولكن ليس بالمادة وحدها يحيا الإنسان، إن التكريم المعنوي من وجهة نظر هؤلاء أهم من التكريم المادي، وهذا هو ما أسعدهم وما زال يسعدهم حينما يجدون أبواب جميع الشيوخ والمسؤولين مفتوحة أمامهم. إن الأمن والاستقرار الذي عشنا فيه زمن البدايات والذي ما زال مستمرا في هذا الزمن الذي شهد معجزة النهضة الحديثة للإمارات في البشر وفي الحجر، هذا الأمن يستحق منا أن نلتفت بكثير من التقدير والشكر لجميع صناعه سواء من زمن البدايات أو في الزمن الحالي. ولعلنا من الشعوب القليلة التي تنعم بالنوم الخالي من القلق أو الخوف بفضل قوة الأمن وتوفر الاستقرار في جميع أنحاء الدولة. ولا شك أن الاهتمام بعناصر الأمن رجالا ونساء وتسليحهم بالقيم والأخلاق وروح الصداقة والمحبة هو الذي جعل منهم في الماضي والحاضر رواداً وحماهم من الانحراف الذي وقع فيه الكثيرون في الدول الأخرى. ونتكلم بصراحة، من المستحيل أن تجد شرطيا واحدا يقبل الرشوة ليسامح مخالفا في أي موقع يتواجد فيه رجال الأمن في الدولة، كما يحدث في دول كثيرة أخرى عربية وغير عربية. غير ممكن أن يستنجد أحد بالأمن ولا ينجد في زمن قياسي دون النظر إلى أهمية المستنجد، فالجميع سواسية أمام القانون، ورجال الأمن هم رجال القانون. هكذا كان الأمن في زمن البدايات وهكذا استمر وتطور في زمن النهضة. شخص واحد ومن الذكريات التي لا تنسى في هذا المجال هو حضوري لدورة أمنية تخرج فيها أحد أبناء الإمارات برتبة ملازم ثاني ولم يزد عدد أفراد الدورة عن شخص واحد، هو الأخ محمد بدر الرواس، الذي تقاعد الآن وتفرغ لأعماله الخاصة، وما زلت ألتقي به في المجالس وفي الأماكن العامة فنستعيد معا أجمل الذكريات. كان الرعيل الأول الذي حمل مسؤولية الأمن والاستقرار في البلاد من خيرة الرجال، ويستحقون منا التكريم والتقدير، فبفضلهم وبفضل سهرهم وتضحياتهم تمكنا من أن نعيش في أمان في ظل مسيرة النهضة التي قادها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رحمه الله وصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان رئيس الدولة حفظه الله خير خلف لخير سلف والفريق أول سمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان ولي عهده الأمين وجميع أبناء زايد الكرام. في جعبتي الكثير من الحكايا التي تشرح الجهود التي بذلوها والتضحيات التي قدموها لهذا الوطن. وسأروي في صفحات قادمة بعض هذه الحكايات التي تشكل تسجيلاً من نوع آخر لتاريخ الإمارات.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©