الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

وليد الشيخ: التجريب محاولة تخريبية.. بريئة

وليد الشيخ: التجريب محاولة تخريبية.. بريئة
9 ديسمبر 2009 21:39
قالوا عن شعره بإيجاز: التعبير عن الطيش بعين حكمة الشعر، وقالوا عنه مراهق يكتب الشعر، وقيل عن كتاباته أنها لا تعرف العزف على أنغام الرداء العام والزي الموحّد، ولكنه في النهاية صغيراً وإن كان لا يصدق ذلك، فهو يملك مكاشفات الشعر والقدرة على قول الأشياء دفعة واحدة. ذلك الرجل الأربعيني المولود في مخيم الدهيشة قضاء بيت لحم المدينة المقدسة في عام 1968 نلتقي معه هذا اللقاء الخاص: أنت تكتب قصيدة تنأى عن آفات الشعر العربي فكيف تسنى لك ذلك؟ أنا أبتعد عن الافتتان بالبلاغة لذاتها والمزاج الزجلي؛ ورغم أن قصيدتي تميل نحو الغنائية، وخصوصاً حين يكون موضوعها الأنثى، فأنا أذهب إلى نبرة رعوية لا يجدها القارئ في بقية القصائد: “غرفتُها سريران منفصلان/ تركضُ الشّهوة بينهما مثل أولاد الصفّ الأول/ كتفُ المليحة أيضاً/ سهلٌ للخبز/ واللذة / والترانيم”. إلى أي مدرسة شعرية تنتمي؟ لا أحب المدارس أصلاً ، إن كانت شعرية أو مدارس التربية والتعليم، أرى أن هناك اتجاهات في الشعر لكن كلها متداخلة وتستفيد من بعضها، وللدقة هناك خيارات شعرية في مجالات الشكل واللغة والإيقاعات. إن انتماء الشاعر إلى اتجاه دون آخر هو تصرف غير شعري ربما. تحدثت كثيراً عن التجريب واللغة الجديدة برأيك مع من يصطدم هذا التجريب في لغته الجديدة؟ قد يكون التجريب محاولات “تخريبية” بريئة، أو خربشة على أيقونة، أو هدم لبناء رتيب وممل، لكنه في كل الأحوال تعبير عن عدم اليقين والقبول بما هو موجود، والتجريب باللغة وعليها قد يكون وسيلة سلمية للتغيير. كشاعر من شعراء فلسطين أليس غريباً أنك تتجه للكتابة عن المرأة فيما الحال يدعوك إلى الاتجاه إلى القصيدة السياسية؟ القضية الجوهرية في العالم العربي كله هي قضية الإنسان وحريته، الحرية هي شرط الإبداع الأول، لكن هامش الحرام في العالم العربي اتسع كثيرا وصار متيناً، لا مجال للحديث عن حرية الأرض قبل تحرير الإنسان الذي يعيش عليها، والمرأة العربية بالذات تدفع ثمن قيم بالية ومهزومة، أرى أن الكتابة عن المرأة هي الكتابة عن الحياة التي يحاول كثيرون محوها والتشكيك بها. إلى أين وصلت قصيدة المقاومة حاليا؟ الشعر مقاومة جمالية، لكن إن كان المقصود ما اصطلح على تسميته “قصيدة المقاومة” ربما يحتاج إلى تدقيق أو إعادة قراءة، إن القصائد التي كتبها محمود درويش وسميح القاسم وتوفيق زياد في الستينيات حملت لغة شعرية جميلة وهذا بالأساس ما جعلها تصمد، وليست المقاومة هي التي جعلت تلك القصائد حية، أي أن الشرط الأول جمالية القصيدة. كيف ترى الساحة الشعرية بعد رحيل درويش؟ برحيل محمود درويش خسرت فلسطين صوتها الأكثر جمالاً، الصوت الذي أعطى بعدا إنسانيا لقضية شعب يعيش تحت الاحتلال، إن ما حققته تجربة محمود درويش الشعرية من انتباه على كل المستويات لم يتحقق منذ منتصف القرن الماضي لتجارب شعرية أخرى. المشهد الشعري متنوع وغني، لكن ضوء محمود درويش كان الأكثر إشراقا فيه، غيابه الجسدي لا يعني خفوت نوره، سيعيش شعر محمود درويش وسيقرأ بطرق مختلفة، لكن الثابت أن محمود درويش هو الموهبة الشعرية الأكثر حضوراً وتأثيراً في المشهد الشعري العربي. يقال إن قصيدة النثر قد سيطرت على المشهد الشعري بعد عودة الشعراء من الشتات الفلسطيني فما رأيك؟ إن عودة عدد من الشعراء الفلسطينيين إلى الوطن ساهم بشكل كبير في تحرير اللغة الشعرية الفلسطينية، وفتح لها شرفات جديدة، فالشعراء الذين عادوا إلى الوطن حملوا معهم تجارب واتجاهات شعرية مختلفة ومتنوعة وهذا ساهم في إغناء الحالة الثقافية برمتها، وقد رافق عودة الشعراء من الشتات تغييرات كبيرة في بنية المجتمع الفلسطيني، بسبب التغيرات السياسية، قصيدة النثر في رأيي هي استجابة لواقع جديد. نقرأ في نصّ “حماقات بعيدة عن المنزل”، قولك: “أن تنتسب للحزب الشيوعي/ وتدفع من جيب أبيك الاشتراك/ أن تجتمع مَرتين أسبوعيّا/ لأنّ الرفاق يدرسون سيغال/ وما العمل؟ أنْ تكونَ صغيرًا/ ولا تصدّق ذلك!” هل هذه دعوة للخروج عن تسلط الأب؟ أم هي دعوة للخروج عن ماذا؟ المراهقة مرحلة مؤلمة، لكن حين تعيشها داخل حزب شيوعي يصبح لها طعم آخر، أن تؤمن بالقدرة على تغيير العالم لأنك تقرأ في كتاب لينين الشهير “ما العمل”، وتبحث فيه عن إجابات، ولا تجدها طبعاً، وتدعي انك تملك المعرفة، وتتكئ على الكتب الصادرة عن دار التقدم في موسكو باعتبارها حجة المعرفة، كل ذلك شكل تمرداً يثير الحزن وليس الضحك، مع أني ما زلت أشعر بالحنين لكل تلك الحماقات الجميلة التي ارتكبتها في تلك المرحلة. يرى الشاعر وليد الشيخ، في نصّ بعنوان “رام الله”، بأنّ هذه المدينة “اقتراح أعمى” فما هو الاقتراح المبصر في رأيك؟ رام الله اقتراح لأن تكون عاصمة متنوعة وهذا جيد، لكن لا أحد يعرف في أي الطرق يذهب هذا الاقتراح حتى الآن، المدينة تبحث عن هويتها، الآن هي تتشكل بتسارع، وحتى اللحظة لا ملامح نهائية لوجهها، ثمة ألوان كثيرة ومتزاحمة. رأينا أن هناك من يحاكم ديوانك “الضحك على المصاطب” لدرجة أن يتساءلوا هل كلمة المصاطب تكتب بالسين أم بالصاد فما ردك عليهم؟ في الحالة الفلسطينية نلحظ بشكل خاص سيطرة نماذج التلقّي الموروثة عن “شعر المقاومة” التي تفترض ـ على سبيل المثال ـ إن أي حديث عن المرأة هو حتماً استعارة يُقصد بها الوطن. فمثلاً قصيدة “ملاحظة”: (لم أنتبه جيداً في 11 سبتمبر/ كانت أمي في المستشفى/ تتكئ على الدرجات الأخيرة/ في حرب صغيرة مع السرطان)، رأى بعض الكتاب “الأم” فيها على أنها الشعب الفلسطيني، وأخذ علي مسألة “الاتكاء على الجنس” في الكتابة، ولكني لست ممن يؤخذ عليهم “مأخذ الاتكاء على الجنس”، كما يسميه هؤلاء، ويمكن أن يُسأل عنه كتّاب يتعمدون الإثارة، فأنا أبحث في الطبقات المكبوتة للجسد وأرفع من شأن إنسانيته. ما تقييمك لأدب المعتقلات في فلسطين؟ يمكنني أن أقسم أدب المعتقلات إلى قسمين أساسين: الأول عبارة عن أدب توثيقي لنضالات الحركة الأسيرة ومعاناة الأسرى داخل السجون، والثاني منتوجات أدبية صرفة لشعراء وكتاب وأدباء فلسطينيين كتبوا منتوجاتهم داخل المعتقلات فصقلت تجربة الاعتقال المنتوج الأدبي بالبعدين النضالي والوطني.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©