الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

مدن الاستدامة.. وعالم 2050

22 أغسطس 2016 21:25
يمكن لمدن العالم الكبيرة أن تمتلك المفتاح لرفاهية الجنس البشري. ولكن، هناك دراسة شاملة جديدة، تشير إلى اتجاه مثير للقلق، وهو أن تكلفة المياه التي تحتاجها تلك المدن للنمو، تزداد ارتفاعاً بشكل مطرد، لأنها تعجز عن حماية البيئة الطبيعية التي تقوم بتنقيتها. والمدن تمثل قاطرات مدهشة للإنتاجية. فباعتبارها محاور مجتمعاتنا الحديثة، تضم تلك المدن خليطاً من الأفراد الذين يتمتعون بمهارات متنوعة، كما توفر بيئة خصبة للتعلم، والاختراع. فمن نواحي عديدة، كلما كانت المدن أكبر، كلما كان ذلك أفضل. فالمدن الأكبر حجماً، يكون لديها عادة عدد أكبر من براءات الاختراع، ومن المخترعات للفرد الواحد، كما تتمتع بكفاءة أعلى في الطاقة والمصادر، نتيجة لوفورات الحجم الكبير. فعلى سبيل المثال، تحتاج تلك المدن إلى عدد أقل- للفرد الواحد- من الكابلات الموصلة اللازمة لتوصيل الطاقة إلى أي مكان تكون هناك حاجة إليها. وتركز الناس في المدن، يترك مساحة أكبر للطبيعة. وهذا سبب من ضمن الأسباب، التي دفعت «بول رومر» الذي عين مؤخراً في منصب كبير المسؤولين الاقتصاديين في البنك الدولي، للدفاع عن فكرة «مدن الميثاق»، ويقصد بها المدن الجديدة تماماً التي يمكن لنا بناءها واستخدامها في إجراء تجارب على مخترعات واسعة النطاق في التكنولوجيا، أو الحكومة. فبناء العشرات من هذه المدن، يمكن أن يساعدنا على استكشاف طرق أكثر استدامة للحياة، ويساعدنا أيضاً على الوفاء بالحاجة، لإيواء الكثيرين من بين 3.4 مليار إنسان يتوقع أن يضافوا لعدد سكان العالم بحلول 2050. وقد تبين لنا أن حماية الطبيعة المحيطة بالمدن أمر مهم أيضاً، على الأقل كي تتمكن تلك المدن من العمل. فكل مدينة تستمد مياهها النقية من مناطق مستجمعات المياه الطبيعية- بعضها يكون قريب من تلك المدن وبعضها على مسافات أبعد. فمياه الأمطار المتساقطة التي تتجمع في مناطق المستجمعات، يتم تصفيتها وتنقيتها بوساطة الغطاء الطبيعي للأرض المتمثل في الغابات، والمستنقعات، والمراعي- قبل الدخول كـ«مياه خام» إلى منشآت المعالجة. مع نمو المدن، جرى تطهير أراضي مستجمعات المياه، لتوفير المساحات الكافية لبناء المساكن، والمصانع، والتوسعات الزراعية. كنتيجة لذلك تدهورت نوعية المياه. فمياه الصرف الزراعي، على سبيل المثال، تزيد من تركيزات النيتروجين والفوسفور، والرواسب في التربة مما يستدعي إزالة هذه الشوائب بوساطة محطات معالجة المياة وهو ما يتطلب بدوره استخدام تقنيات تزداد تعقيداً وتكلفة على الدوام. تشير دراسة حديثة أجراها«روبرت ماكدونالد» عالم البيئة في مركز«المحافظة على الطبيعة» الذي يتخذ من واشنطن مقراً له، أن تكلفة معالجة المياه باتت تمثل عبئاً كبيراً على الصعيد العالمي. فبالنظر إلى التغيرات التي حدثت خلال السنوات ما بين 1900-2005 لمستجمعات المياه في 309 مدن من المدن الكبرى- كلها يزيد عدد سكانها عن 750 ألف نسمة، وجدت الدراسة المشار إليها، أن ما يزيد على 90 في المئة من تلك المستجمعات، تعرضت للتدهور وأن ثلث عددها على وجه التقريب، قد عانى من ارتفاع كبير في تكاليف المعالجة بلغ 50 في المئة بالنسبة لعديد من تلك المستجمعات. وتؤكد الدراسة ما كان الاقتصاديون البيئيون يشكون فيه من قبل، وهو أن فقدان القدرة على تنقية المياه الطبيعية، يؤدي على نحو منهجي إلى زيادة تكلفة المعالجة في مختلف أنحاء العالم. وأفضل تقدير يضع الزيادة في النفقات عند رقم يتجاوز 5 مليارات دولار في العام. ليس هذا فحسب، بل إن الأمر مرشح للمزيد من التفاقم: فتدهور مستجمعات المياه، يتوقع أن يصبح أكثر حدة خلال العقد الأخير أو ما يقارب ذلك، بسبب التوسع في مساحة الأراضي الصالحة للزراعة. وبحلول عام 2030 يتوقع أن يرتفع معدل استخدام الأسمدة والمخصبات بنسبة 60 في المئة على المستوى العالمي أيضاً. الدرس الذي نخرج به من ذلك كله، أن مدننا ستحتاج إلى استثمارات منسقة في مجال المحافظة على مستجمعات المياه. الخبر الجيد أنه ليس هناك ما يدعو أن تكون تكلفة ذلك باهظة. فالمشروعات المستهدفة يمكن أن تحدث فارقاً كبيراً في هذا الصدد. فمنذ عام 1997، على سبيل المثال تحركت إدارة الحماية البيئية بمدينة نيويورك، لحماية ما يزيد على 130 ألف فدان من مستجمعات المياه القيمة، ما أدى إلى انخفاض تكلفة معالجة المياه في المدينة مقارنة بغيرها من المدن الأميركية. وتفكير نيويورك التقدمي يمكن، بل يجب، أن يتم استنساخه على المستوى العالمي. ويقدر ماكدونالد وآخرون، أن مدينة واحدة تقريباً من بين 4 مدن – يفترض أن تضم في مجموعها ما يقرب من 800 مليون إنسان- يمكن أن تحقق عائداً إيجابياً، على الاستثمارات الهادفة للمحافظة على مستجمعات المياه. بمعنى آخر، أن ذلك أمر يستحق القيام به، وسيكون بمثابة خطوة مهمة نحو تأمين نوع البيئة التي نحتاج إليها من أجل البقاء على قيد الحياة. *عالم فيزياء وكاتب متخصص في الشؤون العلمية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©