الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

القاعدة في اليمن··· وجه جديد

القاعدة في اليمن··· وجه جديد
22 سبتمبر 2008 02:16
لا يبدو التحول الذي طرأ على استراتيجية تنظيم ''القاعدة'' في اليمن في الآونة الأخيرة، والمتمثل في تغيير زاوية التصويب من استهداف المصالح الغربية هناك، إلى ضرب المؤسسات الحكومية اليمنية وأجهزة الأمن الداخلي، أمراً مستغرباً أو خارجاً عن المألوف وإن بدا للبعض كذلك؛ وكل متابع لتوجهات هذا التنظيم داخل اليمن وفي معظم الدول العربية والإسلامية لا يحتاج لكثير من الجهد حتى يلاحظ علامات ذلك التحول ومؤشراته التي ظهرت في وقت مبكر، لاسيما بعد الاحتلال الأميركي للعراق في ،2003 وتكوّن جبهة جديدة أعادت لهذا التنظيم الإرهابي الهُلامي بعضاً من حيويته التي فقد جزءاً كبيراً منها خلال الفترة التالية لأحداث الحادي عشر من سبتمبر ·2001 واليمن لم تخرج عن نطاق هذا التحول في استراتيجية ''القاعدة'' بل كانت في قلبه تماماً؛ فقد وجد التنظيم في هذا البلد الفقير الذي تتجذر فيه الروح القبلية والدينية المحافظة بقوة، بيئة ملائمة قابلة للاستغلال الفكري والتنظيمي، وإمكانية إدارة حملة منظمة وطويلة الأمد للتعبئة الإيديولوجية والحشد العقائدي، وتالياً استقطاب كثير من الشباب الذين يشكلون الفئة الأكبر بين فئات سكان البلاد التي تنوء بحمل ديمغرافي ثقيل ومتسارع على نحوٍ يبدو وكأنه غير قابل للكبح أو الاحتواء· والحقيقة أن أهمية اليمن راسخة في ''تفكير'' القاعدة منذ زمن ليس بالقصير، ورغم أن البعض يربط ذلك بأصول ''أسامة بن لادن'' الحضرمية، إلا أن هذه تبقى مسألة رمزية فحسب؛ فالتيار السلفي-الجهادي، بمختلف تلاوينه عموماً وتنظيم ''القاعدة'' بوجه خاص، يمتلك رؤية جيوبوليتيكية خاصة لليمن لعل أفضل من عبّر عنها، عمر عبدالحكيم المعروف بـ''أبي مصعب السوري''، وهو واحد من أهم منظري التيار، والمعتقل في باكستان حالياً؛ فقد كتب في عام 1999 مؤلفاً صغيراً بعنوان ''مسؤولية أهل اليمن تجاه مقدسات المسلمين وثرواتهم'' أبرز فيه تلك الرؤية، فأشار إلى أن العامل الديمغرافي في اليمن، والمرتبط بالشكيمة اليمنية والفقر، في آن معاً، إضافة إلى العامل الجغرافي المرتبط بما تتميز به اليمن من طبيعة جبلية حصينة ''تجعل منها القلعة الطبيعية المنيعة لكافة أهل الجزيرة، بل لكافة الشرق الأوسط، فهي المعقل الذي يمكن أن يأوي إليه أهلها ومجاهدوها''· يُثبِت رصد نشاط القاعدة في اليمن بوجهه القديم الذي تم احتواؤه (في ظل الجيل الأول) أو الجديد الحالي المستعصي على السلطات اليمنية (في ظل الجيل الثاني)، أنه لا يخرج عن سياقها جَعلها -اليمن- منطلقاً ''للجهاد'' في الجزيرة العربية، وهو ما حدث حين كان أغلب السلاح بيد ''جهاديي'' السعودية يأتي من اليمن، ومما يدلل على ذلك، أيضاً، أن اليمن والسعودية وقعتا اتفاقية للتعاون الأمني عام ،2004 ومنذ ذلك الحين، تبادل البلدان تَسَلُّم (وتسليم) العشرات من المطلوبين والملاحقين أمنياً· والظاهر أن هذا الأمر أخذ في الآونة الأخيرة زخماً أكبر في ظل الحديث عن بوادر ''تحالف'' وربما ''اندماج'' بدأت علاماته (بل وآثاره) في الظهور والتبلور بين فرع تنظيم القاعدة في اليمن وبعض الفروع الأخرى في المنطقة، ففيما يسعى الفرع اليمني الحصول على المال، يسعى الشق الآخر الى الحصول على الملاذ؛ لقد أضحى من الجلي أن تنظيم القاعدة بفروعه كافة، والذي اضطر تحت تأثير الضربات التي تعرض لها في إطار ما يسمى ''الحرب على الإرهاب'' للعمل بشكل لا مركزي والاعتماد على الخلايا المحلية، بدأ يعيد تنظيم نفسه في سياق هذه اللامركزية، ولكن عبر سياسة تسعى إلى توحيد تلك الخلايا قدر الإمكان وفقاً للمنطقة الجغرافية، سعياً للتغلب على التشتت الذي تفرضه اللامركزية؛ ومن هنا بدأت ''القاعدة'' تعمل على تنشيط خلاياها في كل من أفغانستان، والعراق، وشمال أفريقيا، وآسيا الوسطى، واليمن، والصومال· والملاحظ أن وتيرة الأعمال الإرهابية التي تطال بعض المناطق اليمنية الجنوبية قد أخذت في التزايد على نحو ملحوظ، وهذا يشير إلى حدوث نوع من ''التمدد الاستراتيجي'' لتنظيم ''القاعدة'' في جنوبي اليمن، وينبئ ذلك عن تمكن التنظيم في السنوات القليلة الماضية من الحصول على ملاذات آمنة ومساعدات لوجستية، تتضمن أموالاً وأسلحة وأدوات اتصال وبنية إعلامية متطورة نسبياً من الناحية التقنية، بالإضافة، وهذا هو الأهم، إلى عناصر وخلايا بشرية تتشكل منها شبكات التنظيم العنقودية المُستحدثة وتدعمها، الأمر الذي يجعل مهمة قوات الأمن اليمنية في محاربة التنظيم وخلاياه، النشطة منها والنائمة، صعبة بمكان وفي غاية التعقيد· يبدو أن الأميركيين قد أصيبوا بخيبة أمل كبيرة جراء الطريقة التي تدير بها السلطات اليمنية ملف الإرهاب والحرب عليه، وبدا ذلك واضحاً في تعليقاتهم وتقريراتهم الحكومية والصحفية على حد سواء، والواقع أن هذا المناخ الضاغط سلاح ذو حدين بطبيعته؛ فهو يدفع الحكومة اليمنية إلى محاولة ''تبييض'' سجلها في مكافحة الإرهاب بمختلف الأساليب والطرق، لكن هذا الأمر قد يتم على نحو تغلبه العجلة والتصرفات غير المدروسة في إدارة هذا الملف البالغ الحساسية، وربما يتطور الأمر إلى نوع من التطرف غير المحسوب في اتخاذ المواقف والسياسات بحيث ينقض بعضها بعضاً، فتبدأ حلقة مُفرغة وشريرة من الانتقامات التي قد تضعضع الأمن في البلد، وتنعكس بالضرورة سَلباً على الأوضاع الاقتصادية والمعيشية والأحوال المجتمعية المتأزمة أصلاً، وهو أمرٌ بات من غير الإمكان تقبّله، ناهيك عن تحمّله أو ضبط عواقبه الوخيمة إن حدث· محمد سيف حيدر كاتب وباحث يمني ينشر بترتيب خاص مع خدمة مصباح الحرية
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©