الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تركيا وأرمينيا للأمام··· ببطء

تركيا وأرمينيا للأمام··· ببطء
22 سبتمبر 2008 02:16
كانت مباراة كرة قدم مخيبة للآمال، فاللعب كان عشوائياً، والملعب سيئاً، والطقس عاصفاً بدرجة لم يكن اللاعبون معها قادرين على التحكم في الكرة، ومع ذلك، فإن تلك المباراة -التي دارت بين أرمينيا وتركيا في نطاق تصفيات كأس العالم لكرة القدم لعام 2010 في العاصمة ''يريفان''، في السادس من شهر سبتمبر الحالي- كانت حدثاً غير قابل للتصديق، لم يكن ذلك بسبب النتيجة التي انتهت عليها المباراة وهي 2-0 لصالح تركيا، وإنما بسبب منظر تركزت عليه الأنظار طويلاً، ألا وهو منظر الرئيسين الأرمني والتركي اللذين جلسا معاً في المقصورة -خلف حاجز واق من الرصاص- في محاولة شجاعة لدفن واحد من أشد مواريث القوقاز مرارة· وهذه الزيارة تأتي في نطاق عملية إعادة الاصطفاف التي تقوم بها تركيا في الوقت الراهن، فبعد أن وجدت نفسها مواجهة بتحديين صعبين هما السعي لعضوية ''الناتو'' من جهة، واستمرار اعتمادها على روسيا في مجال الطاقة من جهة أخرى، أيقنت تركيا أنه ما من سبيل أمامها سوى الدفع باتجاه مبادرة دبلوماسية إقليمية تشمل روسيا، وجورجيا، وأذربيجان، وأرمينيا، وتركيا، في هذا الإطار، يمكن القول إن الأتراك والأرمن يقبضان في الوقت الراهن، على فرصة تاريخية سوف تساعدهما على التوقف عن رهن مستقبلهما للتاريخ، وذلك من خلال السعي لفض النزاع القائم بينهما منذ أمد طويل بسبب مطالبة أرمينيا بضرورة اعتراف تركيا بارتكابها لمذبحة ضد الأرمن في عهد الإمبراطورية العثمانية، أسفرت، حسب ما تدعي أرمينيا، عن مصرع ما لا يقل عن مليون ونصف مليون أرميني، وتقر تركيا التي ورثت الإمبراطورية العثمانية عام 1923 بأن هناك مئات الآلاف من الأرمن قد لقوا مصرعهم فعلاً في ذلك الوقت، ولكن حدث هذا في إطار الحرب العالمية الأولى، التي لقيت فيها أعداد كبيرة من الأتراك أيضاً مصرعها على أيدي المليشيات الأرمنية الموالية للروس الذين كانوا يمثلون العدو اللدود للإمبراطوية العثمانية؛ لذا فهم أيضاً يشعرون بالمرارة· ويشير الأتراك في هذا السياق إلى اضطرار تركيا إلى إغلاق حدودها مع أرمينيا، تعاطفاً مع أذربيجان خلال حرب ''ناجورنو- كاراباخ'' التي دارت خلال السنوات 1988- 1994 والتي قام الأرمن الذين كانوا يسعون إلى الحصول على حق الحكم الذاتي للجيب ذي الأغلبية الأرمنية الواقع في أذربيجان بالاستيلاء على 15 بالمائة من أراضي تلك الدولة، وطرد ما يزيد عن 700 ألف من الأذريين من ديارهم، وعلى الرغم من عدم وجود علاقات دبلوماسية رسمية بين البلدين، إلا أن الزيارة التي قام بها الرئيس التركي ''عبدالله جول'' إلي ''يريفان'' -بناء على دعوة من الرئيس الأرميني ''سيرج سركسيان''- لم تأت فجأة وإنما سبقتها مقدمات· ففي السنوات الأخيرة، عملت تركيا جاهدة على تمرير فكرتها القائلة إن موضوع المذبحة يجب أن يحال إلى لجنة محايدة تتكون من مؤرخين يتفق عليهم الطرفين، وذلك على الرغم من علمها بأن معظم الأرمن الذين يعيشون في الشتات لن يقبلوا سوى باعتراف كامل بالمذبحة قبل الموافقة على تطبيع العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، وفي شهر أبريل الماضي انتخبت أرمينيا الرئيس ''سركسيان'' الذي بدأ عهده بتأكيد رغبة بلاده في تطبيع العلاقات مع تركيا، الأمر الذي مهد بعد ذلك لانطلاق المباحثات بين البلدين· ولتركيا العديد من الأسباب التي تدفعها إلى التقارب مع أرمينيا، غير رغبتها في استقرار الأوضاع في القوقاز، من تلك الأسباب أنها -وفي معرض سعيها لتعظيم نفوذها الإقليمي- تسعى إلى تحسين علاقاتها مع جيرانها وعلى جه الخصوص قبرص، كما تريد كذلك أن تظهر للعالم أنها قادرة على حل المنازعات، لأن ذلك سيساهم بدروه في تعزيز وضعها في إطار المفاوضات التي تجري من أجل الانضمام للاتحاد الأوروبي، فضلاً عن ذلك تحتاج ''أنقرة'' إلى تجميع نقاط قانونية تصب في صالحها في إطار صراعها مع اللوبي الأرميني في الولايات المتحدة، الذي من المؤكد أنه سيسعى جاهداً مرة أخرى للحصول على اعتراف رسمي أميركي بتعرض الأرمن لمذبحة على أيدي الأتراك، أما أرمينيا فإن الاضطرابات التي تقع في الجوار، جعلت مسؤوليها أكثر إدراكا لحقيقة أنه بعد انفصال بلادهم عن الاتحاد السوفيتي عام ،1991 لم يعد مستقبلهم آمناً، وذلك بسبب اعتمادهم الاستراتيجي شبه التام على روسيا، ومجاورتها لإيران الصعبة المراس ومرور 70 في المائة من تجارتها عبر جورجيــا غير المستقرة· خلال مبارة كرة القدم التي دارت بين فريقي الدولتين، كانت الهتافات والإشارات المعادية للرئيس التركي ''جول'' أقل كثيراً مما كان متوقعاً، وهو ما يرجع إلى ان الأحزاب الوطنية الأرمنية كانت قد قررت تخفيف اعتراضاتها، وأن المحتجين على الزيارة الذين لم يزد عددهم عن عدة مئات اكتفوا بحمل لافتات تطالب ''أنقرة'' بالاعتراف بالمذبحة، وفي تركيا أشاد معظم معلقي الصحف الرسمية، بقرار ''جول'' بالذهاب إلى أرمينيا، كما أظهرت استطلاعات الرأي التي أجريت حول الزيارة، أن ثلثي الأتراك تقريباً راضون عنها، ومعنى ذلك كله أن هذا النزاع الذي أضر بتركيا والقوقاز ضرراً بالغاً، قد بدأ يعرف طريقه للحل أخيراً·· وهو ما عبر عنه الرئيس التركي بقوله: ''نحن جميعاً أبناء الكوكب نفسه، ولدى كل منا ذكريات بعضها حلو وبعضها الآخر مر''· هيو بوب مدير مشروع تركي في مجموعة الأزمات الدولية ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©