الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

خبراء يؤكدون نبذ كل أشكال الإساءة النفسية والجسدية للصغار

خبراء يؤكدون نبذ كل أشكال الإساءة النفسية والجسدية للصغار
22 ابريل 2013 20:56
إساءة معاملة الأطفال بكل أشكالها وصورها أكثر من مجرد كلمات أو كدمات أو إصابات جسدية، فقد تكون الأخيرة الأكثر وضوحاً لأننا نراها رؤية العين، وإنما هناك إساءات أخرى أشد وطأة، وأعمق أثراً وألماً، عندما يساء إلى الطفل معنوياً أو عاطفياً أو نفسياً، حتى وإن اقتصرت على أي صورة من صور الإهمال الذي يخلف جروحاً وآثاراً نفسية عميقة تضرب بجذورها أعماق شخصية الطفل وكيانه. قد لا نتمكن لسبب أو لآخر من منع الإساءة، عندها لا يتبقى أمامنا سوى تدارك الضرر، من ثم، فإن الحكمة تتمثل في العمل على إيجاد فرص المعالجة والتعامل السليم مع الضرر أياً كان نوعه ودرجته، وبالسرعة المطلوبة، فكلما كان التدخل العلاجي مبكراً، كلما تعاظمت فرص النجاح في إنقاذ ما يمكن إنقاذه، عندها سيكون بمقدورنا أن نصنع فروقاً هائلة في حياة الطفل الضحية. خورشيد حرفوش (أبوظبي) - الإدارة الطبية لطب الأطفال بمدينة خليفة الطبية في أبوظبي، نظمت حملة تحت شعار: «معاً .. لحماية أطفالنا من سوء المعاملة والإهمال»، وقدمت خلالها فعاليات ثقافية وتوعوية ومحاضرات علمية، وورش عمل متخصصة، وتوزيع مطبوعات إرشادية، وأنشطة ترفيهية متعددة، شارك فيها نخبة من المعنيين بشؤون وتربية وعلاج الطفل وحمايته، وعدد كبير من الأطفال وذويهم، حيث كان التفكير يتبلور ويتجه نحو هدف واحد: كيف نحقق الحماية اللازمة لأطفالنا؟، وكيف يمكن أن تصل مضامين وأهداف الحملة إلى كل أسرة، وإلى كل فرد يمكن أن يكون قريباً من الطفل بحكم عمله أو درجة قرابته أو في أي مؤسسة يوكل إليها أمر تربيته وتعليمه؟ كان الملفت في الأمر أن الحملة تنطوي على شكل جديد، ونمط حديث من أنماط التوعية والمشاركة الذاتية من قبل الأطفال أنفسهم، وأطقم العمل الطبية العاملة معهم، واستقطاب ذوي الأطفال لتفعيل المشاركة المجتمعية في اتجاه تعزيز مفهوم الحماية المطلوبة للأطفال بين كل شرائح المجتمع. أشكال الإساءة يوضح مدير الإدارة الطبية لطب الأطفال في مدينة خليفة الطبية، الدكتور ياسر نخلاوي، الأبعاد والأهداف التي تتوخاها الحملة، ونظمت من أجلها، ويقول: «هناك العديد من أشكال الإساءة، لكن العنصر الأساسي الذي يربط بينها هو الأثر العاطفي على الطفل، وليس بمقدور الأطفال الذين تعرضوا للإساءة التنبؤ عن كيفية تصرف والديهم، فعالمهم غير قابل للتنبؤ ومحيطهم مخيف دون قواعد، وإذا ما كانت الإساءة على شكل صفعة أو انتقاد قاسٍ أو صمت صاعق أو عدم معرفة إن كان هناك طعام للعشاء في الليل، فالمحصلة النهائية أن الطفل يشعر بعدم الأمان، وعدم الاهتمام، وأنه وحيد دون رعاية. وهناك مثل قديم يقول إن الإساءة العاطفية تستطيع أن تحطم الصحة النفسية للطفل وتطوره الاجتماعي بشكل بالغ، وتترك آثاراً نفسية سلبية طيلة حياته، وقد تتمثل الإساءة العاطفية للأطفال في التقليل المستمر من قدر الطفل وفضحه وإذلاله، وإطلاق تسميات معيبة عليه، أو إجراء مقارنات سلبية بينه وبين الآخرين، أو إخباره بأنه «طفل غير جيد» أو «عديم الجدوى» أو «سيئ» وأنه كان «خطأ»، كذلك الصراخ المستمر والتهديد والتخويف، وتجاهل أو رفض الطفل كعقاب له من خلال المعاملة الصامتة، أيضاً هناك التواصل الجسدي المحدود مع الطفل، فلا عناق ولا تقبيل أو غير ذلك من مؤشرات العاطفة، كذلك تعريض الطفل للعنف أو الإيذاء من الآخرين، سواء كان الإيذاء من أحد الوالدين أو الأشقاء، أو حتى من حيوان أليف في المنزل. الإيذاء العاطفي يضيف الدكتور نخلاوي: «تعتبر إساءة معاملة الأطفال أكثر من مجرد كدمات وعظام مكسورة، نعم الإساءة الجسدية قد تكون مروعة بسبب الآثار التي تتركها، لكن ليس كل حالات الإساءة واضحة للعيان، فتجاهل احتياجات الأطفال، وعدم الإشراف عليهم، أو تعريضهم للمواقف الخطرة، أو أن نشعره بأنه عديم الجدوى أو القيمة، أو أنه غبي، كلها صورمن أشكال الإساءة، وبغض النظر عن شكل هذه الإساءة، فإن النتيجة هي حدوث إيذاء عاطفي بالغ، وعادة لا يلفت الانتباه، أو يبدو أنه لا يستدعي تدخل الآخرين، ومن شأن كل أشكال الإساءة أن تترك آثاراً سلبية، لكن الآثار العاطفية تبقى لها آثار عميقة في نفس الطفل مدى الحياة وتتسبب في تعطل الإحساس لديه، وتعيق قدرته على تكوين علاقات صحية في البيت والمدرسة، ومن أهم تأثيراتها السلبية فقدان الثقة بالنفس وإيجاد مشاكل في التواصل والعلاقات الاجتماعية، فإذا وصل للطفل مفهوم أنه «غير ذي جدوى» أو «محطم»، فمن الصعوبة التغلب على تلك المشاعر الجوهرية، فقد يواجه هذه المشاعر على أنها حقيقة قائمة، كما لا يمكن للأطفال الذين تعرضوا للإساءة التعبير عن عواطفهم بشكل آمن، حيث ينجم عن ذلك أن هبوط مستوى هذه المشاعر بطرق غير متوقعة، فقد يستطيع الكبار الذين تعرضوا للإساءة في طفولتهم مجابهة ذلك من خلال قلق غير مفسّر واكتئاب وغضب، وقد يتعاطون المواد الكحولية أو المخدرات بغية تخدير وإطفاء المشاعر المؤلمة، وفي أحوال كثيرة، إن الذين يتعرضوا للاعتداء الجنسي وهم أطفال، غالباً ما يصاحب ذلك من وصمة عار وإحساس بالخزي، وليس باستطاعة الأطفال الذين تعرضوا للإساءة التعبير عن عواطفهم بشكل آمن، حيث ينجم عن ذلك هبوط مستوى هذه المشاعر بطرق غير متوقعة». الإهمال يكمل الدكتور نخلاوي: «يعد إهمال الطفل شكلاً مألوفاً من أشكال إساءة المعاملة، وهو نمط يتمثل في الإخفاق في تلبية الاحتياجات الأساسية للطفل مثل الطعام المناسب والملابس وتأمين الأمور الصحية والإشراف، وليس من السهولة دائماً تسليط الضوء على الإهمال، فأحياناً قد يصبح الوالدان غير قادرين جسدياً أو نفسياً على رعاية الطفل، مثل تعرض الطفل لإصابة بالغة أو اكتئاب لا يتم رعايته وعلاجه أو القلق، وفي أوقات أخرى، قد يضعف تعاطي الكحول والمخدرات بشكل خطير الحكم على الأمور وعدم القدرة على الحفاظ على سلامة الطفل، وقد لا يظهر الأطفال الأكبر سناً علامات ظاهرية عن الإهمال بحيث يصبحوا متعودين على إبراز الوجه المؤهل إلى العالم الخارجي وحتى لعب دور الوالد، لكن في نهاية اليوم، فإنه لا يتم تلبية الاحتياجات البدنية والعاطفية للأطفال الذين يتعرضون للإهمال». مفاهيم مهمة أما استشاري ورئيس قسم الطب النفسي للأطفال والمراهقين بمدينة خليفة الطبية، الدكتور أحمد الألمعي، فيرى أن هناك مفاهيم كثيرة مغلوطة فيما يتعلق بالإساءة إلى الأطفال، فقد يتصور البعض أن الناس السيئون فقط هم من يسيئون معاملة أطفالهم، فالأمر ليس دائماً كهذا قاتماً أوناصعاً، إذ ليس كل المسيئون لديهم النية لإلحاق الضر بأطفالهم، فالكثير من هؤلاء كانوا ضحية لإساءة المعاملة وهم لا يعرفون أي طريقة أخرى للتصرف كآباء أو أمهات. كما أن مثل هذه الإساءة قد لا تحصل فقط في العائلات الفقيرة أو الجوار السيئ، فهي تتعدى كل النواحي العرقية والاقتصادية والثقافية، وأحياناً هناك عائلات يبدو أنها تمتلك هذه النواحي من الظاهر، لكنها تتخفى خلف الأبواب المغلقة، كذلك قد يتصور البعض أن معظم من يسيء معاملة الأطفال هم من الغرباء، فالحقيقة تذهب إلى أن معظم من يقوم بهذه الإساءة هم من أفراد العائلة أو الأقارب، ومن المفاهيم الخاطئة أيضاً أن نعتقد أن الأطفال الذين تعرضوا للإساءة يصبحون أفراداً يسيئون معاملة غيرهم، فقد يكون من المرجح أن يكرروا نفس حلقة العنف عندما يكبرون، ونجد تكرارا لما عانوه في طفولتهم، من ناحية أخرى، لكن يمكن أن يتكون لدى الأطفال الذين تعرضوا للإساءة حافز قوي لحماية أطفالهم ضد ما عانوه من إساءة ويصبحوا آباءً صالحين». الإيذاء الجسدي يشير الدكتور الألمعي، إلى أشكال الإيذاء الجسدي، ويقول: «الإيذاء الجسدي يشمل إلحاق الأذى أو الإصابة بالأطفال، وقد يكون هذا الإيذاء نتيجة لمحاولة متعمدة لإيذاء الطفل، لكن لا يتم ذلك على الدوام، وقد ينجم هذا الإيذاء من جراء التأديب الصارم، مثل استخدام الضرب، أو العقاب الجسدي الذي لا يتناسب مع عمر الطفل، أو حالته الجسدية، ويصر العديد من الآباء الذين يمارسون الإيذاء الجسدي، وكذلك مقدمي الرعاية الذين يعتبرونه ببساطة شكلاً من أشكال التأديب، أو أنها طرق تعلم الأطفال كيف يتصرفون، لكن هناك اختلاف كبير بين استخدام العقاب الجسدي المحدود للتأديب، والإيذاء الجسدي، إذ يمكن تأديب الأطفال في تعليمهم كيف يفرقون بين الصحيح والخطأ، وليس بجعلهم يعيشون في حالة من الخوف والرعب الدائم». دعوة إلى الإهتمام بالتنشئة الاجتماعية السليمة أوضحت الدكتورة فاطمة الجابري، بمدينة خليفة الطبية، إلى أهمية إشاعة ثقافة حماية الطفل، والمفاهيم الصحيحة للحماية، وتعزيز الوعي الذاتي المبكر لدى الطفل من خلال التنشئة الاجتماعية السليمة، وتربية الطفل في مناخ صحي يقوم على الحوار والتواصل وعدم الخوف، وترسيخ القيم الأصيلة، وأهمية احترام كرامة الطفل كإنسان، وعدم إهانته، أو تقريعه ولومه عند الخطأ، وتنمية مفهوم حرمة الجسد منذ وقت مبكر، وعدم ترك الأمر بيد الخدم أو المربيات دون رقابة أو توجيه. أما في حالة الاعتداء الجسدي أو الإساءة الجنسية، فيلاحظ أن الأطفال الضحايا يعانون بالطبع معاناة شديدة، وقد لا يستطيعون الإبلاغ عن الضرر إذا حدث من أحد أفراد الأسرة أو الموثوق فيهم من الأهل والأصدقاء ولا يستطيعون الإفصاح، إما لأن أعمارهم لا تسمح لهم بالتعبير عمَّا حدث لهم، أو قد يتم تهديدهم حتى لا يحكون ما تعرضوا له، أو لأنهم يعتقدون أن الأسرة لن تثق فيما يقولون، أو بسبب شعورهم بالخجل و يعتقدون أن ما حدث لهم نوع من العقاب لأنهم أطفال غير مؤدبين وأحياناً يخافون من حدوث مشكلة كبيرة لهم، ويعتقدون كذلك أنهم سيعرضون من يحبونهم للخطر، فعندما يجد الطفل من يكلمه عن التحرش ويحذره منه يكون ذلك أفضل كثيراً من طفل لا يجد من يكلمه، فالتربية القائمة على الشفافية والصراحة والمكاشفة من شأنها أن تحقق للطفل الحد المطلوب لتجنب الإساءة بكل تأكيد». الاعتداء الجنسي يرى الدكتور الألمعي، أن الاعتداء الجنسي على الأطفال يعد شكلاً معقداً من أشكال الإساءة بسبب ما يعتري ذلك من آثار وعار، ومن المهم أن ندرك أن الاعتداء الجنسي على الأطفال لا يشمل دائماً الاحتكاك الجسدي، فتعريض الطفل إلى مواقف أو خبرات، أو تعريضه لمواد جنسية فاضحة، يعد بمثابة إساءة جنسية بالغة، سواء كان هناك ضرر جسدي أم لا، والأمر المخيف أو حتى المروع حقاً هو تلك القصص التي تتحدث عن تعرض الأطفال للاعتداء الجنسي من قبل أولئك الذين يعرفونهم، أوالذين كان من الأولى أن يكونوا محل ثقتهم، ومعظمهم في أحوال كثيرة من الأقارب المقربين، أو الذين يوكل إليهم أمر تعليمهم أو حمايتهم، وبخلاف ما يعتقد كثير من الناس، فإن الفتيات لسن فقط ممن يتعرضن لخطر الاعتداء الجنسي فحسب، بل إن الصبيان والفتيات يعانون من هذا الاعتداء، وقد يتم التقليل من الإبلاغ أو الإفصاح عن مثل هذه الجرائم لاعتبارات اجتماعية، وتجنباً لوصمة العار والخزي التي تلتصق بسمعة الفرد والعائلة». الإشارات التحذيرية يتفق خبراء الطب النفسي حول أهمية تدارك إساءة معاملة الطفل في وقت مبكر، وأن عادة ما تكون الإساءات المعنوية والنفسية دائماً واضحة، ومن الأهمية أن تعي الأسرة والمعنيين بأمر الطفل بعض الإشارات التحذيرية العامة عن الإساءة والإهمال، حتى نستطيع تدارك المشكلة في وقت مبكر، وعادة ما تتمثل هذه الإشارات في: الانسحاب المفاجئ والمفرط، والخوف أو القلق، وإبراز النهج المتشدد في السلوك من خلال السلبية أو العدوانية المفرطة، وعدم إبداء أي مشاعر للانتماء إلى الوالدين أو إلى مقدم الرعاية. وغالباً ما نجد إصابات أو كدمات أو جروح لا يوجد لها تفسير، والبقاء في حالة حذر بشكل دائم، كما لو أنه ينتظر أمراً سيئاً سيحدث، ونجده يميل إلى الخجل من اللمس والإحجام في الحركات المفاجئة أو الخوف من الذهاب إلى المنزل أو المدرسة، وارتداء ملابس غير مناسبة لتغطية الإصابات مثل القمصان ذات الكم الطويل في الأيام الحارة، أو ظهور سلوك إهمال ذاتي كارتداء الملابس غير المناسبة أو القذرة، وعدم الاهتمام بالمظهر، أو النظافة الشخصية، وإهمال الواجبات المدرسية، أما الإشارات التحذيرية للاعتداء الجنسي، فقد نلاحظ صعوبة في المشي أو الجلوس، أو تفادي شخص محدد دون إبداء سبب واضح، وعدم الرغبة في تغيير الملابس أمام الآخرين أو المشاركة في النشاطات البدنية، أو الهروب من المنزل والغياب من المدرسة».
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©