الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

ضحيات الاتجار بالبشر ينسجن حكايات ملونة بالأمل

ضحيات الاتجار بالبشر ينسجن حكايات ملونة بالأمل
23 ابريل 2015 21:05
لكبيرة التونسي (أبوظبي) تغلبن على معاناتهن بالفن، عاكسات أحاسيسهن على الورق والقماش، وكتبن قصص حياتهن ليشهدها العالم من خلال المعرض السنوي «تعابير صامتة»، في دورته الرابعة، الذي ستنظمه مراكز إيواء النساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر في الفترة من 5 إلى 15 مايو المقبل، بياس مول بأبوظبي بدعم من مجموعة أبوظبي للثقافة والفنون، بهدف جمع التبرعات ورفع الوعي بقضية الاتجار بالبشر. خمسة أشهر جلست «و.ن»، في قاعة الأنشطة في مركز إيواء بأبوظبي، ضمن ورشة عمل متخصصة، منهمكة في رسم لوحتها تمهيدا لمشاركتها في المعرض، إلى جانب ثلاث فتيات أخريات كل منهن، تحاول تشكيل قصتها على هيئة عمل فني بعد خضوعهن لتدريب جعل من هؤلاء الضحايا مشاريع فنانات. وتأتي هذه الورشة، التي تستمر 5 أشهر، في سياق علاج الضحايا وتفريغ معاناتهن على شكل إبداعات، انسجما أهداف مراكز إيواء النساء والأطفال ضحايا الاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي، المتمثلة في إعادة البسمة على شفاه ضحايا هذه الجرائم، ومن ثم بناء مقومات الحياة فيهن قبل انطلاقهن في المجتمع من جديد، من خلال مدهن بالقوة والقدرة على تطوير ذواتهن ومحيطهن. واختلفت جنسياتهن وأعمارهن، لكن حكاياتهن متشابهة، منهن من ترغب في الحديث، ومنهن من ترفض مكتفية بالابتسام. وبدأت «و. ن» حديثها لـ «الاتحاد» على استحياء، راوية قصتها، فيما دموعها تنحدر بهدوء فوق خديها. رسمت المرأة والدتها وبناتها وسط طبيعة غناء وتحت شجرة وارفة الظلال، وكأنها تسافر عبر الألوان في عالم من الحرية، متناسية ما جرى لها، ومتعلقة بولادة جديدة عبر تأهيل فني قد يساعدها على سلوك طرق عوالم أكثر إشراقا. وتقول «أشعر بأمان كبير في المركز، فهو بيئة مثالية تقوم على العيش الكريم والثقة، حيث توفر كفاءات لمساعدتنا على أساليب تخفف معاناتنا»، موضحة «كلما انهمكت في الرسم أنسى همومي، وأتجاوز صعوبات الحياة التي عشتها». ورسمت «و.ن» لوحات جسدت أحلامها المستقبلية، وتميزت بأدائها المتميز، وإنتاجها الغزير. وتقول «سمعتني إحدى المتطوعات أتحدث عن حلمي في تحويل منزلي لوحة فنية، وأرسم على جدرانه ليعلم الجميع أنني تعلمت فنانة، ولتفخر بي والدتي، وتفاجأت بها تهديني كل أدوات الرسم». وتبدو أحلام المرأة مرتبطة ببناتها التي ستعمل على تحسن ظروف عيشهن لتبعدهن عن الحاجة، وتدفعهن للنجاح، وكسب قوتهن من خلال وظائف راقية، وتبعدهن عن العمل في البيوت. تغرير «صديقة» انحدرت «أ. و» من عائلة متوسطة الحال، تبدو قليلة الكلام، ولكنها غزيرة العمل، تضخ الألوان فوق الورق، مشكلة عيونا بنظرات مختلفة، ولم تكن رسومها من فراغ، بل جاءت تؤرخ لحياة سابقة، وترسم خيوط مستقبل قادم عبر ألوان زاهية تعكس تفاؤلا أصبحت تعيشه بفضل الورشة الفنية في مركز إيواء، والأخصائيين الذين استطاعوا تحرير الضحايا من إحباطهن. وتتلخص قصة «أ. و» وفق رواية إحدى المشرفات في المركز؛ في أنها طالبة جامعية كانت تبحث عن تمويل لاستكمال دراستها، بعد وفاة والدها؛ فاقترحت عليها صديقة الذهاب إلى الإمارات للعمل والدراسة، وسجلتها في إحدى الكليات المعروفة وراسلتها بكل البيانات، واستخرجت لها التأشيرة، فحضرت للبلد والتحقت بالكلية، وبدأت تبحث عن عمل فاقترحت عليها الصديقة عملا لم تدركه إلا بعد أن وجدت نفسها في حجرة مع رجل غريب، إلا أن بكاءها الشديد ورجاءها الحار أنقذها من براثن الرذيلة، فأشفق عليها الرجل، وتركها تغادر لتقصد الشرطة التي حولتها لمركز إيواء. تخفيف المعاناة تعمل جنيفر سيمون على تدريب الضحايا على الرسم، ما أكسبها خبرة في التعامل معهن. وتقول إنها تحتفظ بلوحات لضحايا أثرت فيها قصصهن. وساعدت سيمون، مجموعة مكونة من 15 امرأة، على إنتاج محتوى الأعمال الفنية لمعرض العام الجاري، إلى جانب مجموعة متطوعات. إلى ذلك، تقول سيمون «قبل أن أعلمهن أساسيات الرسم، أحاول التقرب منهن ومنحهن الأمان، وأشجعهن على العمل، فهناك من ترفض التفاعل رفضا قاطعا، ولا ترغب في إمساك الفرشاة، ولكن بالتشجيع تبدأ الضحية بالتفاعل، وقد تفاجئنا بمستوى مميز»، موضحة أن هناك من تباع لوحاتها 3 أو أربع مرات خلال المعرض. وعن مواضيع اللوحات، تقول إنها «تبدأ حزينة، ثم تعكس فيما بعد التفاؤل والأمل، ونلمس ذلك من خلال اختيار الألوان، التي نمنح لهن الحرية الكاملة في اختيارها في إطار التوجيه الفني». وتؤكد أن الرسم يساعد الضحايا على البوح بأسرارهن الدفينة، ما يخفف معاناتهن، وهو ما يظهر في تدرج أعمالهن من محزنة إلى مفرحة. وتضيف «خلال تدريبهن تتطرق كل ضحية لقصتها، وترسمها أو تشكلها عملا فنيا، فيأتي العمل حقيقيا صادقا وقريبا من القلب»، مشيرة إلى ضحية رسمت رجلا ذا وجه أخضر بطريقة بسيطة جدا العام الماضي، وعرضت اللوحة وكانت من أولى اللوحات التي بيعت. وتشير سيمون إلى أن الرسم وحد لغة الضحايا اللواتي ينتمين لجنسيات مختلفة، موضحة «الفن لغتنا المشتركة، بها تتحدث الضحية عن قصتها، وتسردها عبر مشاهد مؤثرة، كما ترسم الأمل والتفاؤل الذي أصبحت تشعر به»، مؤكدة أن الفن ساعد الكثير من الضحايا وحقق لهن ولادة جديدة، فهناك ضحايا من دورات سابقة عملن في أروقة معروفة، وهناك من أصبحن فنانات، يحقق لهن بيع اللوحات دخلا يكفيهن الحاجة. وردة بين أشواك تروي جنيفر سيمون، قصة امرأة كانت تدرس في كلية الطب، توفي زوجها ولم تستطع إكمال دراستها، فحاولت البحث عن مصدر دخل، وفكرت في العمل في الإمارات، فتم استغلالها من قبل شبكة إجرامية، إلا أنها هربت، ولجأت إلى الشرطة ليتم تحويلها إلى مركز إيواء، وبعد تأهيلها وتدريبها على الرسم، الذي كانت ترفضه بشدة، رسمت لوحة واحدة، كانت عبارة عن ورود صغيرة، محاطة بأشواك عملاقة، وشاركت بها في المعرض في دورته الثالثة، وحضرت شابة إماراتية الافتتاح، وتوقفت عند تلك اللوحة، متسائلة عن قصتها، فشرحها لها قائمون على المعرض، فاشترت اللوحة، وفي يوم الاختتام، جاءت تحمل ظرفاً فيه رسالة كتبت فيها: «أتمنى أن أكون وردة من ورود لوحتك»، وإلى جانب الرسالة، مبلغ مالي يكفي الضحية لإتمام دراستها، وتم تسليم كل ذلك إلى الضحية التي كانت سعيدة جداً بما تحقق لها من خلال لوحتها الوحيدة. محاربات سلاحهن فرشاة اعتادت جنيفر سيمون المشاركة بلوحة فنية تلخص ما عاشته مع الضحايا أثناء الورشة الفنية، لتعرض في «تعابير صامتة». وعن لوحتها هذا العام، تقول «رسمت بنات مسلحات بفرشاة الرسم، في دلالة على أنهن يحاربن المعاناة بالألوان، وهي تلخص ما عشته مع الضحايا، حيث يبدأن ضعيفات خجولات، لا تطاوعهن أصابعهن على مسك الفرشاة، ومع الوقت يصبحن أكثر مرونة، ويشرعن برسم الأمل بدل الحزن والقهر». الأمان درب العطاء فاتن فتحي، مدربة فنية متطوعة، عن دورها تقول «أدركت أن الأمان يقودهن للعطاء، وبالتالي أصبحت العلاقة بيننا شبه عائلية، ويصيبني الحزن كلما رحلت دفعة معينة، أما من الناحية الفنية، فإنني علمتهن التطريز والديكوباج وكيفية دمجها مع الفن، وكيفية إدخال القماش في اللوحات وتزيينها بالكريستال والأزرار والخرز والشك»، مشيرة إلى أن مواضيع اللوحات تعبر عن حالاتهن النفسية ومشاكلهن، كما تعبر عن سعادتهن. كادر// تنوع الأعمال تقول يسرا قدورة، مشرفة بمركز إيواء، إن «تعابير صامتة» هذه السنة يشهد تنوعاً كبيراً في الأعمال التي يقدمها من لوحات، وأعمال تطريز وشك، وفن الكولاج.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©