إسرائيل ما بعد أولمرت

في فجر الخميس الماضي، وبعد ليلة من التوقعات المتضاربة بشأن نتائج الانتخابات الداخلية في حزب ''كاديما'' الحاكم، أعلن ''دان أربيل'' رئيس لجنة الإشراف على الانتخابات النتائج الدقيقة· لقد فازت وزيرة الخارجية تسيبي ليفني بمنصب رئيس الحزب، وذلك بفارق ضئيل للغاية وهو 431 صوتاً على منافسها رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز· حصلت ''ليفني'' على مجموع 160936 صوتاً، في حين حصل موفاز على مجموع 160505 أصوات· وكانت نسبة الأصوات التي حصلت عليها ليفني 43% من أصوات الناخبين، بينما جاءت النسبة لموفاز 42%· لقد رأيت أهمية وضع هذه البيانات أمام القارئ نظراً لأن بعض الصحف العربية قد تعجلت ونشرت أرقاماً مأخوذة من إحصائيات نماذج التصويت في قنوات التلفزيون الإسرائيلي، والتي أشارت قبل ظهور النتائج الرسمية لفوز ليفني بنسبة 48% في حين أعطت لوزير المواصلات الحالي موفاز نسبة 37% فقط· إن هذه النتائج تعني أن أولمرت على وشك ترك منصبه بالاستقالة فور نجاح ''ليفني'' في تشكيل الحكومة الجديدة، وفي القلب منها حزب ''كاديما''· إن السؤال الذي يعنينا دائماً هو: كيف ستنعكس التطورات على قضايانا الخاصة بالتسوية العادلة للقضية الفلسطينية والمرتبطة بالانسحاب من الجولان وباقي الأراضي اللبنانية في مزارع شبعا؟ هنا سنلاحظ أن أولمرت أدلى يوم الأحد الموافق 14سبتمبر الجاري بأقوال في سياق النقاش بمجلس الوزراء، كان أبرزها إعلانه ''أن أرض إسرائيل الكاملة قد انتهت، ومن يعتقد غير ذلك إنما يوهم نفسه أو يعيش في الوهم''· هذا الإعلان يُعد تحولاً في مواقف أولمرت الأيديولوجية منذ انضم إلى حزب ''كاديما'' عند تأسيسه بزعامة مناحيم بيجين الصقر الصهيوني المتشدد عام ·1973 لقد كان الانضمام إلى ''ليكود'' إشارة إلى الإيمان بشعاره السياسي: ''ولا شبر واحد''، والذي يعني أن إسرائيل لن تنسحب من أي شبر من الأرض المحتلة عام ،1967 وكان ذلك الشعار السياسي ترجمة للفكرة الصهيونية الأيديولوجية التي ترى أن كل الأراضي التي وقعت تحت الاحتلال هي جزء من ''أرض إسرائيل الكاملة''· حتى ذلك الوقت لم تكن سيناء المصرية مستثناة من هذا المفهوم، فقد كان ''بيجين''، قد أعلن أنها جزء من أرض إسرائيل وأنه سيتخذ فيها مرقده الأبدي ببناء قبره هناك· وعلينا أن ننتبه إلى اضطرار ''بيجين'' إلى توقيع معاهدة يلتزم فيها بالانسحاب من سيناء مع الرئيس السادات تحت إشراف كارتر كان عملاً اضطرارياً يأتي تحت ضغوط حرب أكتوبر وضغوط الصداقة المصرية- الأميركية الجديدة، التي أسسها السادات على أشلاء العلاقة مع الاتحاد السوفييتي· بعد ذلك مات ''بيجين'' مكتئباً، واستمرت فكرة ''أرض إسرائيل الكاملة'' حية في صفوف وبرامج ''ليكود'' برفض قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة تحت شعار ''بين النهر والبحر هناك دولة واحدة فقط''، والمقصود نهر الأردن والبحر المتوسط· كان انشقاق شارون ومجموعته وبينهم أولمرت وليفني وموفاز عن ''ليكود'' وإقامة حزب ''كاديما'' تعبيراً عن اقتراب نظري من مفهوم إقامة دولة فلسطينية لتسوية الصراع· إن أولمرت الذي عارض اتفاقية السلام مع مصر في البرلمان يقول اليوم معترفاً إنه كان يوهم نفسه بحلم ''أرض إسرائيل الكاملة'' إلى ما قبل ثماني سنوات، ولكن مسيرة الألم والتخبط أقنعته بضرورة التنازل للحصول على السلام، بعد أن لاحظ أن قطاعاً كبيراً من الجماهير مستعد للتنازلات· إن السؤال الآن هو: هل تقود ''ليفني'' مسيرة الوهم من جديد أم تتبع رؤية أولمرت الجديدة؟ ستجيبنا الشهور القادمة عن السؤال· د· إبراهيم البحراوي أستاذ الدراسات العبرية- جامعة عين شمس ibrahim@bahrawy.com