الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

اعتماد الأبناء على الخادمة.. «اتكالية» وجملة تداعيات سلبية

اعتماد الأبناء على الخادمة.. «اتكالية» وجملة تداعيات سلبية
5 مايو 2014 02:15
نسرين درزي (أبوظبي) بقدر ما تقدم الخادمة مساعدات لربة البيت وأفراد الأسرة، فإن تحملها للأعباء المنزلية وحدها والاعتماد الكلي عليها تترتب عليه تداعيات سلبية، ولا سيما مع وجود الأبناء وعدم تنبيههم إلى ضرورة القيام بأمورهم الخاصة بمفردهم، فالأولاد يحتاجون منذ الصغر إلى تعليمهم الاعتماد على النفس، والبنات لا بد من أن يتدربن على أعمال المطبخ وترتيب الأسرة والملابس وما شابه ليحسن القيام بدورهن الأساسي كزوجات وأمهات المستقبل. وأوضح تربويون أنه مع انتشار مفهوم استقدام الخادمات لدى شريحة كبيرة من الأسر على اختلاف المستوى الاجتماعي، فإنَّ إدارة المنزل لم تعد للأم كما في السابق، إذ إن الظروف المعيشية باتت تنظر إلى راتب الزوجة على أنه ضرورة حتمية، وبالتالي لا بد من خروجها للعمل، في حين أن الخادمة هي البديل العملي للاهتمام بالبيت، وهذه المعادلة تجر خلفها تداعيات على تربية الأبناء قد لا يدرك خطورتها كثير من الأهالي. جيل متخاذل ويتعامل الآباء بأساليب متفاوتة مع هذه المعضلة التي تتسبب مع الوقت ببناء جيل اتكالي، اعتاد أن يرى أموره جاهزة، والأسوأ أنه لا يطلب المساعدة من الخادمات وحسب، إنما يطلب منهن القيام بأمور يجهل كلياً كيفية التعامل معها، جيل لا يعرف تحضير «ساندويش» على جوع أو كي قميص على عجالة، أو وضع أغراضه في مكانها ليجدها بنفسه حين يريدها. وتقول سحر إدريس، وهي أم لولدين وبنت: إنها تعاني اعتماد أبنائها على الخادمة حتى في ارتداء ملابسهم، ومع أنهم أصبحوا في سن يجب أن يقوموا ببعض أمورهم بأنفسهم، غير أنهم ينتظرون الخادمة حتى تساعدهم. وتذكر أنها كثيراً ما تنهرهم طالبة منهم أن يتكلوا على أنفسهم في جلب ما يريدونه، لكن عبثاً، وهم طوال اليوم ينادون الخادمة لتحضر لهم إما العصير وإما الماء وإما علبة الألوان أو جهاز الريموت كونترول من أمامهم على الطاولة. وتعتبر سحر أن الخادمة هي مَنْ عودتهم على الدلع لأنها معهم طوال النهار، وهي ترعاهم منذ ولادتهم ولا تؤخر لهم طلباً، وأنه بسبب انشغالها عنهم في الدوام لساعات طويلة، فهي ترجع إلى البيت تعبة ولم تلاحظ من قبل هذا السلوك لديهم، وسعياً منها لتدارك الوضع السلبي لدى أبنائها، بدأت تُعيد النظر في الأمور التي يمكن للخادمة أن توفرها لهم، وفي الأمور التي من واجبهم القيام بها. معاملة الفتيات توافقها الرأي منال عيسى، وهي أم لـ 3 بنات في سن المراهقة المبكرة ترى أنهن لا يشبهنها عندما كانت في مثل سنهن، وتذكر أنّ هذا الجيل نشأ على تسهيلات لم تكن موجودة للأجيال السابقة بهذا الحجم، ولم يطلب منه القيام بأي دور مساعد في البيت. وبالإشارة إلى البنات تحديداً، تقول منال: إنه من الضرر ألا تتم معاملة الفتيات منذ سن الطفولة على أنهن مسؤولات، ومن الضروري تدريبهن على الأعمال المنزلية، لأنه من المعيب لاحقاً أن يجهلن القيام بأمور هي من البديهيات التي تخص الأنثى، سواء في منزل أهلها وأمام الضيوف أو في بيتها الزوجي، وهذا ما تحاول منال شرحه لبناتها. وتعترف أن حال التلكؤ لدى بناتها يعود إلى تقصيرها منذ البداية في متابعتهن وإرشادهن إلى ضرورة الاعتماد على أنفسهن، وأنها من كانت توكل كل طلباتهن إلى الخادمة على اعتبار أنها بذلك تدللهن ليركزن على الدراسة، إلا أن حساباتها جاءت لغير صالحهن. والوضع حالياً لم يعد من السهل إصلاحه كما تقول، إلا بإجبارهن على ترتيب أمورهن مع الاستغناء عن وجود الخادمة في البيت ولو لسنة واحدة. القدرة على التصرف ومع أنَّ متابعة أمور الخادمات وعلاقتهن مع الأبناء هي من اختصاص الأمهات أكثر من الآباء، غير أن الأزواج يزعجهم عموماً الشعور بأي خلل يصيب أفراد الأسرة، ومع غيابهم أحياناً ولفترات طويلة عن الإشراف على تربية الأبناء ومراقبة تفاصيل يومياتهم، فهم يرفعون الصرخة ويتصرفون بحزم عند أول إشارة سلبية تصلهم، وهم لا يتقبلون أبداً أن يروا أولادهم أو بناتهم في موقع يعجزون فيه عن التصرف بسبب الشخصية الاتكالية التي نشأوا عليها. تفكير الأبوين ويوضح سليم سماحة، وهو أب لـ 4 بنات وولد، أنه لا بد من الوعي الكامل من قبل الأهل لمسألة الدور المنوط بالخادمة، ويؤكد أنه من غير المقبول عدم وضع حدود لدورها في البيت ومع الأبناء على غرار ما يحصل مع عدد كبير من الأسر، بحيث ترمى كل المسؤوليات على الخادمة وكأنها وجدت ليس لمساعدة ربة البيت وأفراد الأسرة، وإنما لتحل مكانهم في مواضع كثيرة، ويذكر أن بناء شخصية الأبناء من أهم الأمور التي يجب أن تشغل تفكير الأبوين مع الامتناع عن كل ما يمكن أن يؤثر فيها بشكل سلبي، وهذا ما تنبهت له زوجته مع أول خادمة دخلت بيتهما، إذ أخبرتها بأن دورها ينتهي عند أمور التنظيف والكوي والتحضير لما تطلبه منها في المطبخ. وكل ذلك يصب في صالح الأبناء الذين أرادت لهم ألا يعتمدوا في كل كبيرة وصغيرة على الخادمات، مما يجعلهم غير قادرين في المستقبل على تحمل المسؤوليات عموما والقدرة على التصرف، وبحسب سليم أن هذا الأسلوب أثمر خيراً مع أبنائه، فالبنات على صغر سنهن إلا أنهن يدركن كيفية القيام بمختلف الأعمال المنزلية برشاقة ونشاط بالرغم من وجود الخادمة في البيت، وكذلك ابنه الوحيد الذي لا يركن أموره على أحد ويعرف تماما كيف يخدم نفسه بنفسه منذ كان في الثالثة من عمره. تحديد الأدوار داخل الأسرة عن الدور البارز الذي يجب أن يلعبه الأهل في تربية أبنائهم على الاستقلالية، وعدم الاعتماد على الآخرين قال الاستشاري الأسري سمير غويبة، إن الخادمات لسن وحدهن من يشكلن الخطر على شخصية البنات والأولاد، وإنما أي شخص في الأسرة يحاول أن يدلل الطفل حتى مراحل متقدمة من عمره. وخصوصاً عندما يصبح قادراً على تدبر ملبسه ومأكله والحصول على حاجاته بنفسه، إذ إن القيام عن الطفل بمعظم الأمور الصغيرة منها والكبيرة يوجد لديه حتى بعد سن النضوج، حالة من الاستسلام الكلي، وعدم الرغبة في فعل ما قد يأتيه جاهزاً من دون عناء. ويذكر أن تحديد دور الخادمات في البيوت لابد وأن يلقى تجاوباً واعياً من قبل الأهل، وذلك حرصاً على سير الحياة الأسرية عموماً. فالخادمة يجب أن تقوم بأعمال المنزل والتنظيف وما شابه، ومن غير المقبول أن تحل مكان الأم في البيت، ولا أن تتحول إلى الظل واليد المحركة للأبناء. وإلا فإن العواقب تأتي قاسية على العلاقات فيما بين الأبناء أنفسهم، وفيما بينهم وبين الأهل، والعكس صحيح. هذا عدا عن التسبب في حدوث تدهور في مفهوم قدرة الأبناء لاحقاً على اتخاذ القرارات، والتصرف بثقة وعدم الشعور بالحاجة للآخرين لبلوغ الاطمئنان من عدم الفشل. تجربة شخصية عن تجربته الشخصية مع الخادمات، تحدَّث عبد الهادي مارديني، مشيراً إلى أنه منذ بداية حياته الزوجية لم يكن يحبذ الاستعانة بهن، ويقول إنه بعدما أنجبت زوجته ابنهما الأول، لم يوافق على استقدام خادمة للمكوث في البيت، وأقنع زوجته على وضع طفلهما في الحضانة إلى حين موعد دخوله الروضة التي تتوافق مواعيدها مع دوامها الوظيفي، ويوضح أن قصده من ذلك كان أن ينمي شخصية ابنه منذ الصغر على التعامل المباشر مع المجتمع الخارجي بمفرده، ومن دون مساعدة مباشرة من أحد. ويضيف عبد الهادي أنه مع قدوم طفلهما الثاني، وزيادة المسؤولية على زوجته، نزل عند رغبتها واستعانا مربية تحضر إلى البيت طوال النهار، وتخرج إلى بيتها في الليل، وكانت النتيجة بأن ابنه الثاني تعلق بالخادمة بشكل قوي، وهو لا يقوى على فعل شيء بمفرده على عكس أخيه الذي يتصرف براحة مع نفسه، والمحيطين به. ومن هنا، ومع إدراكه للأثر السلبي الذي وقع على ابنه بسبب متابعته من قبل الخادمة لحظة بلحظة، فقد تدارك الأمر، وسجله في الحضانة، تمهيداً لدخول المدرسة في السنة المقبلة. والأسلوب المتبع معه داخل البيت، أن يجلس بعيداً عن مكان وجود الخادمة، بحيث لا يشعر بوجودها طوال الوقت، ويحاول أن يقوم بأموره بنفسه على حسب استطاعته كنوع من التدريب العملي.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©