السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوكرانيا وشروط التقارب مع أوروبا

21 ابريل 2012
خلال الآونة الأخيرة وقع دبلوماسيون أوكرانيون بالأحرف الأولى على اتفاقية مهمة ترمي إلى تقريب أوكرانيا أكثر من الاتحاد الأوروبي، غير أن الاستمرار في سجن زعيمين كبيرين من زعماء المعارضة أخذ يدفع أوكرانيا ويبعدها أكثر عن تطلعاتها الأوروبية. خلال الأشهر المقبلة، سيتعين على الرئيس الأوكراني فيكتور يانوكوفيتش أن يختار بين تعزيز سلطته من خلال وسائل غير ديمقراطية، والدفع بتطلعات بلاده الأوروبية نحو الأمام. ومن خلال إنهاء المتابعات القضائية الانتقائية، وإصدار عفو عن الزعماء السياسيين المسجونين من دون شروط، وضمان انتخابات حرة ونزيهة الخريف المقبل، يستطيع "يانوكوفيتش" أن يصبح الزعيم الذي ينجح في إدماج أوكرانيا في أوروبا. غير أنه إذا فشل في القيام بذلك، فإنه سيصبح مجرد سياسي آخر يخيب آمال الأوكرانيين. وفي إطار بعثة تابعة لمنظمة "فريدم هاوس" تضم محللين أميركيين وأوكرانيين أوكلت إليهم مهمة بحث وتقييم حالة الديمقراطية في أوكرانيا، قمتُ بزيارة كل من رئيسة الوزراء السابقة "يوليا تيموشينكو" ووزير الداخلية السابق "يوري لوتسينكو" في سجني "كشانيفسكا" و"لوكيانيفسكا"، على التوالي، هذا الشهر. وقد كانت زيارتُنا هذه الأولى من نوعها التي تتلقاها تيموشينكو من مراقبين مستقلين منذ ديسمبر الماضي، بينما كنا المنظمةَ المستقلة الثانية التي تزور لوتسينكو منذ اعتقاله. هدف زيارتينا كان هو إبراز فكرة أن تجريم الخلافات السياسية يؤدي إلى تآكل الديمقراطية في أوكرانيا ويُضعف تطلعاتها الأوروبية. فهذان المسؤولان السابقان إنما يقبعان في السجن اليوم نتيجة لما سماه البيت الأبيض والاتحاد الأوروبي "متابعات قضائية انتقائية" ضد الخصوم السياسيين للحزب الحاكم. ذلك أن "تيموشينكو" و"لوتسينكو" زعيمان مهيبا الجانب، واعتقالهما بتهم مشكوك فيها يبعدهما عن الساحة كمنافسين ممكنين للحكومة. كانت "تيموشينكو" شاحبة وضعيفة وعاجزة عن الوقوف حين زرتها. وقد أخبرتنا بأن السلطات الأوكرانية تحاول "تدميرها" من خلال ضغوط جسمية ونفسية، وذلك من أجل إقصائها كتهديد سياسي. وتعتقد أنها مستهدَفة بحملة تشهير. ويشار في هذا السياق إلى أن بعض التقارير التي ظهرت أثناء وجودنا في أوكرانيا تتحدث عن مشاركتها المزعومة في جريمة قتل عمرها عقد من الزمن. ورغم حالتها الصحية المتدهورة، فإن طبيعتها القوية كانت تُظهر أنها مصممة على أن تظل قوةً في الحياة السياسية الأوكرانية حتى من وراء القضبان، غير أنها تحتاج على نحو عاجل إلى رعاية طبية مستمرة من أطباء تثق فيهم. وعلى غرار "تيموشينكو"، فقد رحب "لوتسينكو" بزيارتنا أيضاً باعتبارها وسيلة للإبقاء على الانتباه الدولي على حالة الديمقراطية في أوكرانيا وتأمين رعاية طبية أفضل، ولكنه رفض أي إشارة إلى عرض تم تداوله مؤخراً ويتمثل في نيله حريته مقابل اختياره المنفى. ويعلق كلا المسؤولين السابقين آمالاً عريضة على جلسة هذا الشهر للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان بشأن ما إن كان اعتقالهما غير قانوني. وبينما كان هذان الزعيمان يقبعان في السجن الشهر الماضي والسلطات الأوكرانية تعلن اعتزامها توجيه تهم جديدة إليهما، وقع مفاوضون بالأحرف الأولى على اتفاقية الشراكة بين الاتحاد الأوروبي وأوكرانيا، تشمل اتفاق تجارة حرة عميقة وشاملة. غير أن الاتحاد الأوروبي من غير المرجح أن يوقع ويصادق على الاتفاقية طالما أن تيموشينكو، التي تعتبر أشهر زعيمة معارضة في أوكرانيا، في السجن أو قبل انتخابات برلمانية هذا الخريف، تُعد اختباراً كبيراً لرغبة هذه الحكومة في إجراء انتخابات حرة ونزيهة. غير أن الحكومة الأوكرانية تتبع سياسات متناقضة: ذلك أنها تسعى إلى دمج أوكرانيا في أوروبا في الوقت نفسه الذي تعمل فيه على إضعاف معارضتها الداخلية. ولئن كانت السلطات الأوكرانية قد حققت تقدماً خلال عاميها الأولين على كلا الجبهتين، فإنه سيتعين عليها الاختيار في نهاية المطاف. غير أن الاختيار الذي أمام أوكرانيا ليس بين روسيا والغرب، لأن ذلك يعتبر اختياراً زائفاً. فقد تحدى "يانوكوفيتش" على نحو شجاع مخطط الرئيس المنتخَب فلاديمير بوتين لفرض سيطرة على جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق من خلال اتحاد يضم بلدان منطقة أوراسيا، بل السؤال هو حول ما إنْ كانت أوكرانيا ترى مستقبلها في التيار الرئيسي الأوروبي أو أنها تراجعت إلى مناطقها الحدودية. والواقع أن الوقت لم يفت بعد لسلك المسار الديمقراطي، فقد حققت الحكومة بعض التقدم خلال العام الماضي من خلال سن قانون يسمح للمنظمات غير الحكومية بأن تنشط بخصوص المواضيع السياسية المدنية من دون أن تعتبر لاعباً سياسياً وأن تقبل التمويل الأجنبي بطريقة شفافة، والدفع بقانون جنائي أكثر عصرية إلى الأمام، ووصول الجمهور إلى المعلومات الحكومية. ولكن عليها أن تقوم بالمزيد، ولعل أول خطوة يتعين على الحكومة اتخاذها هي تسهيل رعاية طبية مستقلة لـ"تيموشينكو" و"لوتسينكو". وخلاصة القول إن أوكرانيا تستطيع تجنب عزلة دولية، وربما حتى عقوبات أميركية وأوروبية، من خلال احترام استقلال القضاء والسماح لكل شخصيات المعارضة، بما في ذلك المسجونون منها، بالترشح في الانتخابات البرلمانية في أكتوبر المقبل. إن أوكرانيا تترنح بين مشكلة أوراسيا وتردد أوروبا، غير أنه طالما أن الحكومة في كييف تعمل على تجريم الخلافات السياسية، فإنها ستجد نفسها مسيطرة على الأوضاع في الداخل، ولكن معزولة على نحو متزايد في الخارج. دايمون ويلسون نائب الرئيس التنفيذي لـ«المجلس الأطلسي» ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©