السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

منطقة «اليورو»... أزمة الحلقة المفرغة!

21 ابريل 2012
يبدو أن أزمة منطقة اليورو عادت مجدداً لتؤرق الدول الأوروبية، لاسيما في ظل المخاوف من احتمال دخولها حلقة مفرغة تنتج الأزمة نفسها باستمرار ضمن دوامة لا متناهية، فجهود الإصلاح لإثبات قدر أكبر من الاستقامة المالية لم تفضِ حتى اليوم سوى إلى اقتصاد ضعيف، كما أن وصفة التقشف القاسي قد تقتل المريض أكثر مما تشفيه. وبالنسبة لصناع القرار في منطقة "اليورو" تنطوي سياسة التقشف على تعقيدات كبيرة، والسبب أن بعض الدول على أطراف أوروبا، وعلى رغم إعلانها التقيد بسياسة التقشف والإصلاح المالي، تسحب وراءها تاريخاً طويلاً من فبركة الأرقام وطبخ الموازنات غير الحقيقية. ولكن مع ذلك ليست كل البلدان متشابهة في أزمتها المالية، فكما أشارت إلى ذلك الاقتصادية، "لورا تايسون"، في مجلة "الاقتصاد الدولي" كانت كل من إسبانيا وإيرلندا في عام 2008 نموذجاً رائداً في الاستقامة المالية، فيما نسبة الدَّين الإيطالي من الناتج المحلي الإجمالي كانت هي الأقل ارتفاعاً بين جميع دول منطقة اليورو، وإن كانت الديون الخاصة للبنوك في تلك الدول وصلت إلى مستويات غير مسبوقة سرعت من حالة الأزمة المتفاقمة التي تعرفها حاليّاً. ولعل ما يفسر هذا الركون إلى التقشف كوسيلة لمحاربة العجز المتسع في الموازنات الأوروبية تلك النظرية القائلة إن الانضباط المالي في السياسات العامة للدول كفيل بالتوسع إلى قطاعات أخرى لكبح جماح العجز والتحكم فيه. والحال أن هذه النظرية لم تنجح في حالة اليونان، ذلك أن سياسات التقشف التي كان الهدف منها تقليص الدين العام أدت في النهاية إلى انهيار الطلب والتوظيف، وهو ما أفضى بدوره إلى انكماش الوعاء الضريبي وتراجع المداخيل وبالتالي ارتفاع الدَّين وتفاقم العجز، والدليل هو نسبة الدَّين اليوناني من الناتج المحلي الإجمالي الذي انتقل من 127 في المئة خلال 2009 إلى 160 في المئة خلال السنة الماضية، وذلك على رغم كل الجهود والإصلاحات التي غطت تلك الفترة الزمنية. أما بالنسبة لإسبانيا فإن مشكلتها مختلفة طالما أن العجز لديها منشؤه البنوك الخاصة وليس موازنة الدولة، فبنوكها تعاني اليوم شبح الإفلاس المتربص بها، ولكن التداعيات كانت تقريباً هي نفسها بالنسبة لليونان، حيث انهار النمو الاقتصادي، وارتفعت البطالة إلى 24 في المئة، بل وصلت إلى 50 في المئة لدى الفئة العمرية بين 15 و24 سنة، وما زال القطاع العقاري المتضخم في قيمته ينتظر المزيد من الهبوط في السنوات المقبلة. وفي هذه الظروف تواصل الحكومة الإسبانية التمسك بسياسة الانضباط المالي رغم انهيار سوق السندات وارتفاع معدلات الفائدة، لتخرج الأسواق المالية باستنتاج مفاده أن الوقت لم يحن بعد لضخ المزيد من الاستثمارات وأنه من الأفضل الانتظار والتريث، وهو ما يحيلنا على سؤال جوهري: هل تنجح سياسة التقشف بدون سياسة مصاحبة تحفز النمو الاقتصادي؟ وهل يمكن الاستمرار في إنقاذ دول مثل اليونان قد لا تعمر فيها الحكومة طويلاً، أو أن الحكومة القادمة قد لا تلتزم باحترام التعهدات السابقة والاتفاقات المبرمة مع سابقتها كمن يلوح الآن في فرنسا؟ الحقيقة أن جوهر المشكلة الأوروبية يكمن في فقدان الأسواق المالية لثقتها في الاقتصادات الأوروبية وقدرتها على الخروج من الأزمة، فالسوق تعتقد أن الحكومات الأوروبية لديها الاستعداد وقادرة على التدخل لإنقاذ دول صغيرة مثل اليونان والبرتغال وإيرلندا، ولكن عندما تخيم الشكوك حول اقتصادات أكبر مثل إسبانيا وإيطاليا تنهار ثقة الأسواق وتحجم عن شراء السندات، ولاسيما عندما تتململ ألمانيا وتبدي تحفظها على مواصلة الإنقاذ. وفي هذا السياق لابد من تثمين قدرات صناع القرار الأوروبيين في صرف الانتباه وشغل الرأي العام الدولي بأمور صغيرة وتحديات تكتيكية مثل امتناع مسؤول يوناني عن التوقيع على ورقة الإصلاح، ومدى سلامة السندات الإسبانية وغيرها، فيما المشكلة الأهم تتمثل في وجود 7 تريليونات دولار من الديون المستحقة تنتظر الحل، ولذا فلا غرو أن يحجم حراس السندات ومراقبوها عن الشراء ويؤثروا الانتظار. ومن ناحيتهم يرى بعض المراقبين أن معضلة منطقة اليورو تكمن في اليورو نفسه، فقد تحولت العملة الموحدة حسب المحلل "برنارد كورني" إلى فخ ائتماني موحد، ولذا أصبحت أزمات الديون سواء السيادية، أو المصرفية، حسب قول الاقتصادي، "مارتن نيل بايلي"، في الحقيقة "أعراضاً وليست أسباباً" لمشكلة عجز الأوروبيين عن تحقيق المزيد من الاندماج. وبعبارة أخرى أن الدول الأوروبية ما زالت تعمل ضمن مستويات متباينة من القدرة التنافسية وفي ظل اختلافات كبيرة في درجة العجز المالي، وهو ما جعل الدول المثقلة بالديون التي هي في أمسِّ الحاجة إلى تخفيض قيمة العملة غير قادرة على ذلك لأن نظام العملة الموحدة لا يسمح بخفض اليورو. ولذا فليس أمام حكومات منطقة اليورو سوى الاستمرار في الضغط على بنوكها المركزية لشراء كميات كبيرة من الدَّين العام من خلال ضخ أموال في البنوك الخاصة، ولكن هذا الحل يواجه تعقيداً آخر أيضاً يتمثل في تدني أسهم البنوك، وهكذا أصبحت نسبة الديون التي يمولها البنك الأوروبي المركزي أعلى بثماني مرات من حجم ديون بنك "ليمان براذرز" عندما انهار في سنة 2008. وتسعى جميع الحكومات الأوروبية اليوم إلى دفع بنوكها المركزية للتدخل في الأسواق من أجل تحقيق نسبة فائدة تقارب الصفر، والهدف رفع معدل التضخم لتقليص قيمة الدَّين، والحال أن ارتفاع التضخم هو بمثابة ضريبة مرتفعة على الدخل في وقت تعاني فيه الأجور من الجمود. ولذا فليس مستغرباً أن تتساقط الحكومات الأوروبية في الانتخابات الواحدة تلو الأخرى لتصبح بعض الأحزاب السياسية هي الضحية الأولى للوضع الاقتصادي الهش، فهل تحاول الحكومات القادمة التنصل من سياسات التقشف التي وافقت عليها إنقاذاً لنفسها من الانهيار؟ هذا ما ستكشفه الحكومات المقبلة وخاصة في كل من اليونان وفرنسا. ديفيد سميك كاتب أميركي متخصص في الشؤون الاقتصادية ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفيس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©