الثلاثاء 23 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

المرونة

المرونة
21 سبتمبر 2008 00:20
تتعدد معاني المرونة، فقد تعني قابلية الشيء للتغير، كما تعني اختيار أيسر الحلول من البدائل المتاحة، والتراجع عن الأمر المتخذ عند تبين قصوره أو إيجاد قرار أفضل منه· ويؤكد الدكتور منتصر مجاهد -أستاذ الدراسات الإسلامية بجامعة قناة السويس- أن المرونة مفهوم إسلامي أصيل عرفته الشريعة الإسلامية وأخذت به وكان من ثماره خلودها وصلاحها لكل زمان ومكان· ويضيف: لابد من المرونة لكل تشريع عملي يود أن ينظم الحياة، ومن القابلية للتطور وفق الحاجات المتغيرة المتجددة· وبمقدار ما يتوفر للشرائع من هذين العنصرين الأساسيين، يكون التفاضل بين الشرائع والحكم لها أو عليها، من حيث خلودها وصلاحها للبقاء والبناء· ويوضح د· مجاهد: إن هناك أدلة من القرآن الكريم على المرونة، قال تعالى: ''وإما تعرضن عنهم ابتغاء رحمة من ربك ترجوها فقل لهم قولاً ميسوراً'' سورة الإسراء الآية ·28 وقد فسر ابن كثير هذه الآية: ''أي إذا سألك أقاربك ومن أمرناك بإعطائهم وليس عندك شيء وأعرضت عنهم لفقد النفقة ''فقل لهم قولاً ميسوراً'' أي عدهم وعداً بسهولة ولين''· وتتبين من هذه الآية الكريمة المرونةُ في الإسلام بالقول الميسور حتى عند عدم القدرة على تلبية الطلب أو عدم الاستطاعة، فلا وجود للرفض المطلق الجارح، وكذلك في العمل الإداري فإنه تنبغي المرونة في القول وفي التصرف مع جميع العاملين· ويقول تعالى: ''وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون'' سورة البقرة الآية ·281 ويقول تعالى:''··· إن الذين يستأذنوك أولئك الذين يؤمنون بالله ورسوله فإذا استأذنوك لبعض شأنهم فأذن لمن شئت منهم واستغفر لهم الله إن الله غفور رحيم'' سورة النور الآية ·62 وهذه قمة المرونة، إذ إن المعسر في الإسلام لا يطارد من صاحب الدين أو من القانون والمحاكم، إنما ينظر حتى يوسر، ثم إن المجتمع المسلم لا يترك هذا المعسر وعليه دين، فالله يدعو صاحب الدين إلى أن يتصدق بدينه إن تطوع بهذا الخير وهو خير لنفسه كما هو خير للمدين وهو خير للجماعة كلها ولحياتها المتكافلة· ونجد المرونة كذلك في قبول أعذار العباد من الله سبحانه وتعالى، قال تعالى: ''يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون أياماً معدودات فمن كان منكم مريضاً أو على سفر فعدة من أيام أخر وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين فمن تطوع خيراً فهو خير له وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون'' سورة البقرة الآيتان 183 - ·184 وتضمن السنة النبوية الشريفة الكثير من الأدلة على المرونة، ومنه ما روي عن عائشة -رضي الله عنها- أنها قالت: ''ما خير رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا أخذ أيسرهما ما لم يكن إثماً، فإن كان إثماً كان أبعد الناس منه، وما انتقم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لنفسه إلا أن تنتهك حرمة الله عز وجل'' رواه مسلم· ويبين الدكتور مجاهد: أن التشريع الإسلامي مطبوع بطابع المرونة التي يحتاج إليها كل تشريع كتب له الخلود، بل إن نصيب الإسلام من هذه المرونة يفوق نصيب كل شريعة سبقته أو لحقته· ويلخص مرونة الإسلام في نواح ثلاث، أولاً، المرونة في مقاصد التشريع من حيث العدالة: ''وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل''، ودفع الظلم: ''وما الله يريد ظلماً للعالمين''، وكذلك، من حيث المصلحة فإن نصوص الشريعة قاطعة بأن الإسلام جاء لتحقيق مصالح الناس· ثانياً، المرونة في نصوص التشريع، فيقول تعالى: ''يأيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم''، ونص الشورى: ''وأمرهم شورى بينهم''، ونص العدالة: ''وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل''، ومثل ذلك ما جاء بالقرآن في لباس المرأة، فإنه لم يعين فيه لوناً ولا شكلاً، وإنما طلب فيه الحشمة والعفاف· وفي مثل قوله تعالى: ''ولا تبخسوا الناس أشياءهم'' نص عام وهو باب واسع يؤخذ منه ما يَحتاج إليه مجتمعنا اليوم من تشريع يصون حقوق العمال والفلاحين والموظفين وكل من يؤدي عملاً لغيره· وتتجلى المرونة في مصادر التشريع، من خلال استعراض أهم المصادر التشريعية من أصلية وفرعية، فالقرآن جاءت أحكامه مجملة، والسنة، وإن جاءت بالتفصيل لأحكام القرآن المجملة، فإنها وضعت قواعد عامة فيها من المرونة ما ينطبق عليها كثير من الحوادث المتجددة، مثل قوله -صلى الله عليه وسلم-: ''المسلمون عند شروطهم إلا شرطاً أحل حراماً أو حرّم حلالاً''· والقياس إلحاق الحادثة الطارئة بحادثة تشبهها في العلة وإعطاؤها حكمها، وهذا من أبرز المرونة في التشريع الإسلامي، أما الاستحسان فهو العدول بالمسألة عن حكم نظائرها إلى حكم آخر لعلة أقوى وأوفق بقواعد الشريعة العامة، ومعناه ترك القياس إذا كان في تطبيقه أذى يلحق بالناس إلى حكم آخر ينطبق على أسس الشريعة العامة من التيسير ورعاية المصلحة· كما تظهر هذه المرونة في قاعدة أخرى من قواعد التشريع وهي الاستصلاح: ويعني رعاية كل مصلحة لم يرد في الشرع نص على إلغائها، كما تتجلى في العرف وهو اعتبار عرف الناس في معاملاتهم وآدابهم الاجتماعية فيما لم ينص الشارع على إلغائها· وقد تأتي نصوص التشريع بناء على عرف أو عادة، فإذا تغير العرف أو العادة تغير الحكم، ومن هنا نشأت في الفقه الإسلامي قواعد فقهية، منها ''استعمال الناس حجة يجب العمل بها''، ''لا ينكر تغير الأحكام بتغير الأزمان''· أما إذا خالف العرف نصاً تشريعياً خاصاً كما إذا تعارف الناس على نوع من البيوع يتحقق فيه الربا، فإنه يهمل ولا يعمل به، وهذا لا ينافي المرونة، لأن النظام العام هدف في كل شرائع العالم· وكان من ثمار هذه المرونة في التشريع أن تطور الفقه الإسلامي وفقاً لتطور الأوضاع بين زمن وزمن
المصدر: القاهرة
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©