الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

أوروبا.. ومسلسل غرقى «المتوسط»

22 ابريل 2015 22:24
كانت ثمة طرق لإنقاذ مئات الأشخاص - ربما 700، وربما 950 - الذي ماتوا غرقاً قبالة السواحل الليبية يوم الأحد أثناء محاولتهم الفرار إلى أوروبا، وثمة طرق لإنقاذ الأشخاص الذين من المؤكد أنهم سيحذون حذوهم ويركبون البحر من جديد للوصول إلى الضفة الأخرى، ولكن ربما أول ما يتعين على البلدان أن تقوم به هو الكف عن إلقاء اللوم على الآخرين لأن المسؤولية لا تقع على عاتق الدول الأوروبية فحسب، ولكن الولايات المتحدة أيضاً. مهربو البشر يفضلون الطريق البحري الذي ينطلق من ليبيا منذ التسعينيات. ووفق الباحثين «فيليب فارجس» و«سارة بونفانتي» من مركز سياسة الهجرة، فقد اكتُشفت طرق أخرى للعبور وأُغلقت، ولكن هذه الطريق بقيت. غير أنه في 2014، ارتفع بحدة عدد من يصلون عبر هذه الطريق إلى أوروبا، وخاصة إيطاليا. ويقول «فارجس» و«بونفانتي» إن الارتفاع «يعزى إلى جملة من العوامل: عملية الإنقاذ الضخمة التي أطلقتها إيطاليا، اعتبارا من أكتوبر 2013 بكل تأكيد، ولكن أيضاً إلى تزايد موجات الأشخاص النازحين في الشرق الأوسط، وانهيار الحاجز الأخير بين أفريقيا وأوروبا مع انهيار دولة ليبيا». عملية الإنقاذ التي يشيران إليها كانت تسمى «ماري نوستروم»، وهي برنامج كلف إيطاليا 9 ملايين يورو شهرياً. وقد ظلت إيطاليا تطالب البلدان الأوروبية الأخرى بالمساهمة في تحمل الكلفة المالية لهذه العملية نظراً لأن معظم المهاجرين الذين يصلون إلى الجزر الإيطالية يذهبون لاحقاً لطلب اللجوء أو العمل بشكل غير قانوني في أماكن أخرى من أوروبا. غير أن لا أحد في أوروبا وافق على ذلك، ليس فقط لأن الناس الذي يغرقون قرب السواحل الإيطاليون لا يمثلون مشكلة سياسية ملحة بالنسبة لهم، ولكن أيضاً لأن برنامج البحث والإنقاذ كان بمثابة شبكة سلامة بالنسبة لمهربي البشر. وهكذا، تخلت إيطاليا في ديسمبر الماضي عن برنامج «ماري نوستروم» واستبدل بجهد أوروبي أصغر يدعى «ترايتون»، بتكلفة شهرية تناهز 3 ملايين يورو. ومع ذلك، رفضت بريطانيا دعمه لأن الحكومة كانت ترى أنه لن يعمل سوى على تشجيع مزيد من عمليات العبور غير الشرعي. ومنذ إنشائه، أنقذ «ترايتون» أكثر من 22 ألف مهاجر، ولكنه أثبت أنه غير كاف حيث استمر موت المهاجرين في البحر بالمئات. ولا شك أن الكارثة الأخيرة، التي قد تكون الأكبر في تاريخ الطريق البحري الذي ينطلق من ليبيا، ستثير مزيداً من النقاش حول ما تستطيع البلدان الأوروبية القيام به لوقف هذه المأساة الإنسانية. والواقع أن يمكن لأوروبا أن تستثمر في عملية أكبر للبحث والإنقاذ، ولكن ذلك لن يحول كلياً دون وقوع كوارث أخرى، بل إنه قد يشجع على مزيد من عمليات العبور غير القانوني. ويمكن لأجهزة الأمن الأوروبية أن تبذل جهوداً أكبر وتحاول اختراق وإغلاق المنظمات التي تهرب البشر. ولكن نظراً لأن ليبيا باتت دولة فاشلة، فإن شبكات جديدة ستظهر وتتشكل على الفور. كما يمكن للأوروبيين إقامة مراكز لمساعدة اللاجئين في ليبيا وبلدان عبور أخرى، مثلما يقترح «فاجرس» و«بونفانتي»، ما سيساعد على توجيه تدفق اللاجئين الشرعيين إلى الوجهات الأوروبية، ولكن هذا المقترح قد يزيد من تدفق اللاجئين على أوروبا على نحو يفوق قدرات البلدان على مساعدتهم. ثم إن أولئك الذي سترفضهم مراكز اللاجئين سيتكدسون في قوارب، وسيحاولون العبور إلى الضفة الأخرى رغم ذلك. وعليه، فالحل الأكثر شمولية ربما يكمن في القضاء على جذور الهجرة غير الشرعية أو، في حال تعذر ذلك، إشراك مزيد من البلدان في مساعدة اللاجئين. فالبيانات تشير إلى أن معظم الأشخاص الذين يسعون لعبور المتوسط إلى إيطاليا، وبدرجة أقل، اليونان ومالطا وإسبانيا، ليسوا مهاجرين اقتصاديين وإنما لاجئون يواجهون الموت أو شظف العيش إنْ بقوا في أوطانهم. فالإريتريون يفرون من حكم ديكتاتوري قاس يفرض على الناس، من بين أشياء أخرى، أداء الخدمة الوطنية لفترات غير محددة ومن دون أجر تقريباً. ولا توجد طريقة لحل هذه المشكلة من دون تغيير النظام، وعليه، فربما الحل السلمي الوحيد هو إرسال اللاجئين إلى مكان ما قريب من الحدود الإريترية. أما سوريا، فمسألة أخرى. فهناك، يقوم ائتلاف بقيادة الولايات المتحدة ويشمل دولاً عربية بشكل رئيسي، بخوض حرب. وهذه الدول تتحمل جزءاً على الأقل من المسؤولية عن محنة السوريين السلميين. وبالمثل، يتوجب على البلدان التي قامت بالتدخل العسكري في ليبيا عام 2011 وساهمت في تحولها إلى دولة فاشلة - مثل الولايات المتحدة - أن تساعد على حل الكارثة الإنسانية التي ساهمت في وجودها. وهذا يعني المشاركة في برنامج دولي واسع لإعادة توطين الناس في البلدان المشاركة في هذا الجهد. حينها، يمكن أن تصبح عملية «ترايتون» أكثر فعالية بكثير لأن عدد المهاجرين الذين يقدمون على عبور المتوسط سينخفض إلى مستواه التاريخي على الأقل - نحو 40 ألف شخص سنوياً، كما سينخفض عدد حالات الموت غرقاً: ففي أوائل سنوات العقد الماضي، غرق أقل من 500 شخص سنوياً في عمليات العبور – أي أقل من عدد من هلكوا في كارثة يوم الأحد. ليونيد برشيدسكي* *محلل سياسي ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلوميبرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©