الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

تقمص دور الضحية··· لعبة المحافظين الجديدة

تقمص دور الضحية··· لعبة المحافظين الجديدة
20 سبتمبر 2008 00:43
هل تذكرون تلك النكتة القديمة التي تقول إن المحافظين ليسوا في الحقيقة سوى لبيراليين صدمهم الواقع؟ يبدو أن الأمر يبعث فعلاً على الضحك، لأن النكتة صحيحة إلى حد كبير؛ فالمحافظون غالباً ما يتخيلون أنفسهم أنهم أناس واقعيون، إذ خلافاً لليبراليين، أصحاب العقول الحالمة الذين يقضون أوقاتهم في التطلع إلى عالم مثالي، عادة ما يتشكك المحافظون في المخططات الطوباوية والاستراتيجيات الكبرى التي يطلقها المنظرون؛ فهم يعرفون جيداً، حسب زعمهم، أن الحياة قاسية وصعبة، وليس هناك ما يكرهونه أكثر من المتذمرين المبالغين في الشكوى، لذا تجد العديد من المثقفين المحسوبين على التيار المحافظ ينتقدون بشدة ثقافة تحويل الذات إلى ضحية المنتشرة في أميركا؛ لكن إذا كان المحافظون يكرهون إلى هذا الحد ثقافة الشكوى، لماذا إذن يشجع الحزب الجمهوري قاعدته على الشعور بالظلم، لاسيما على يد هؤلاء النخب ''المتعجرفة''؟، وسواء تعلق الأمر بالانتقادات الموجّهة للجمهوريين، أو بهجوم وسائل الإعلام ونجوم هوليود على المحافظين تقمص الجمهوريون دور الضحية وحوّلوها إلى شكــل من أشكال العمل السياسي· وللإنصاف فقط، لا يمكن اتهام الجمهوريين بأنهم أول من أوجد سياسة تقمص دور الضحية، وليسوا الوحيدين الذين يلجأون إلى توظيفها، لكن الطريقة التي يمارسونها به مزعجة للغاية، ذلك أن العديد من المحافظين لا يبدو أنهم يدركون مدى غوصهم في اللعبة التي يزعمون أنهم يبغضونها؛ فعندما يذهب الأميركيون إلى انتقاد النخب ويهاجمونهم فإن ذلك يذكرنا تاريخياً بنوع من الشعبوية الاقتصادية التي كان يروج لها اليسار من خلال الدعوة إلى المساواة وإعادة توزيع الثروة· وفيما يهاجم النشطاء الليبراليون القطط السمينة في عالم الأعمال وناهبي المال العام، تركز الشعبوية المحافظة اهتمامها على الجانب الاجتماعي أكثر من الفوارق الاقتصادية؛ وبهذا المعنى تسعى أجندة المحافظين إلى تعبئة الفئات الاجتماعيــة التي تنتقــد كــل من تعتقد أنــه ينظر إليهــا نظرة استعلاء لتمتد لائحــة الأعداء إلى أساتذة الجامعات والمثقفين ومنشطي البرامج، بدلاً من أن تبقــى محصـــورة فـــي رجــال الصناعة كما هو الشأن بالنسبة لليبراليين· وعلــى ضــوء هذا المنطــق غير السليم، فكل ما تهتم به شعبوية المحافظين هو إثارة المشاعر والمظالم الشخصيــة لدى بعض الفئات دون السعي إلى معالجة الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية؛ وقد يعتقد البعض أنه بصعود وسائل الإعلام التي تتبنى أجندة محافظة وبمرور ثماني سنوات من إدارة جمهورية ومحكمة عليا منحازة، سيتراجع المحافظون عن استراتيجية تقمص دور الضحية لأنهـــم فـــي السلطــة، وهي إحــدى وسائل تعريــف النخبــة التي ينتقدونهــا· لكن في العام 2003 كتب ''براين أندرسون'' المثقف المحافظ أنه بمساعدة التكنولوجيا نجحت وسائل الإعلام المحافظة في ''كسر الاحتكار الذي مارسه اليسار على مؤسسات الرأي''؛ ومع ذلك ورغم اكتساح المحافظين في السنوات الأخيرة للساحة الإعلامية وسيطرتهم على الكثير من المنابر مازالوا ينظرون إلى أنفسهم على أنهم أقلية مهضومة الحقوق؛ وربما الصوت الوحيد بين المحافظين الـــذي أدرك هـــــذه الحقيقـــــة كـــان ''روميش بونورو'' الذي انتقد في مدونة تابعة له الرد الجمهوري على تعليقات ''أوباما'' التي فسرها البعض على أنها مسيئة للحزب، واصفاً المحافظين بـ''جماعة من المتذمرين''؛ وهو ما ينال بالطبع من مصداقية المحافظين في إنقادهم لسياسة تقمص دور الضحية، فعندما لا يكون المحافظون أنفسهم يمارسون تلك السياسة يجادلون بأنها تضعف المساءلة الأخلاقية، وبالتالي تقوض المسؤولية الشخصية، فتقمص دور الضحية بشكل دائم، كما يقولون، يحول التقمص إلى حقيقة وهو ما يعيق جهود الشخص، أو الجماعة في السعي إلى تحسين ظروفه· وبالطبع غالباً ما يكون الليبراليون هم من يلعب لعبة الضحية في عرف المحافظين، وهو ما أكده الكاتب ''دينس براجر'' قائلاً: ''إن مجمل المشروع الليبرالي اليساري يصور كل الآخرين كمظلومين باستثناء الرجال البيض المسيحيين من غير المثليين· فالنساء مضطهدات من قبل الرجال، والسود واللاتين مظلومون من البيض، والمثليون محتقرون من الأسوياء، وغير المسيحيين يعانون على يد المسيحيين''؛ ويبدو أنه نسي المواقف الأخيرة لكل من ''سارة بالين'' و''رودولف جيولياني'' اللذين سعيا في مؤتمر الحزب الجمهوري الأخير إلى اللعب على خطاب الأقليات لحشد التأييد· لكن من يهتم حقاً للإنصاف والتماسك في الخطاب عندما تدور عجلة السياســة؟ فعلى غرار النشطــاء في الأقليــات التي يكرهها المحافظون، يعرف الجمهوريون جيداً أن الصراخ في وجه العدو هــو أفضــل طريقة لرص صفوف الجنود، وهو أسلوب ناجح بشكل أوضح عندما تعاني الجهة المستخدمــة له من ارتباك سياسي وأيديولوجي، وعندما تفشل في حشـــد قاعدتهــا الشعبية عن طريق بلورة رؤية واضحة للمستقبل، في تلك الحالة يتم التلويح بالصمود في وجه الأعــداء كبديل عن التماســك الداخلي· جريجوري ردريجيز محلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة لوس أنجلوس تايمز وواشنطن بوست
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©