الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

نموذج الجمال

نموذج الجمال
24 يناير 2008 01:49
تحلو لي هذه الأيام قراءة المختارات الشعرية القديمة، ربما لما تتضمنه من طرائف وفلذات شعرية حميمة تمثل فتات الحياة ولفتات الذهن والبصر الفنان، غير أن كتاباً واحداً من هذه المختارات، يقع في أربعة مجلدات، قد فتنني بصفة خاصة، لغرابة عنوانه، وحداثة طبعه منذ عقدين فقط، ونظام تبويبه المقسم طبقا للعنوان ''المحب والمحبوب، والمشموم والمشروب''، حيث يحتفي بمعطيات الحواس ويقدم نماذج الشعر التي تتغنى بالحسن· وقد دار الجزء الأول حول الجمال الأنثوي من قمة الشَّعر إلى إخمص القدم بالترتيب التنازلي، وأورد فيه المؤلف مقطعات بديعة لشعراء مشهورين ومغمورين لوصف مباهج الجسد ولذائذ المتعة به· من العجيب أن جامع هذه المختارات شاعر من الصف الثاني، كان عاثر الحظ في بلاط الخلفاء والأمراء في العصر العباسي، هو السرىّ الرفّاء (362 هـ) الذي عاصر المتنبي وشغف بأشعار سابقيه ومعاصريه وكان يحترف مهنة ''الرفو'' والحياكة التي لم تسعفه عندما ضاقت عليه دنيا الأدب· مايعنيني الآن هو باقة الأشعار التي يوردها بتذوق فني راقٍ، لعلي أفتتح اقتناص بعض نماذجها بمقطوعة طريفة، جامعة، لواحد من أكبر علماء العربية لغة وأدباً هو ابن دريد (320هـ) يرسم فيها لوحة لنموذج الجمال الأنثوي في عصره: غراء لو جلت الخدود شعاعها للشمس عند طلوعها لم تشرقِ غُصنٌ على دِعصٍ تبدّى فوقه قمر تألق تحت ليل مُطبقِ لو قيل للحسن احتكم: لم يَعْدُها أو قيل خاطب غيرها لم ينطقِ فكأننا من فرعها في مغرب وكأننا من وجهها في مَشْرقِ تبدو فيهتف بالعيون ضياؤها الويلُ حلّ بمقلةٍ لم تُطبقِ ولعل في هذه الجملة الوجيزة ''غُصنٌ على دِعصٍ'' تمثيل مكثف للمقاييس المحكمة حينئذ لقوام المرأة من أعلى في صورة غصن، وتأمل الأضواء التي يخايلنا بها ابن دريد في جمعه بين الشمس والقمر من ناحية، وتشبيهه الشَّعر بالليل والوجه بالضوء الذي لا يطيق ناظر التحديق فيه، ثم لاحظ رشاقة الحركة في الاحتكام للحسن والاقتصار على التغني بها وخطابها وحدها، هذه كلها أوصاف يحيط بها علم ابن دريد ويتدله بها، لكن لا تنس أن شاعراً مجهولاً ينتمي إلى المرحلة ذاتها قد تطوع لتصويب مقاييس العالم بطريقة ماهرة في قوله: أبت الروادف والثّدِىُّ لقميصها مَسَّ البطون وأن تمس ظهورا وإذا الرياح مع العشىّ تناوحت نبهن حاسدة وهجن غيـورا حيث يتعادل بروز الأرداف من الخلف، مع نهود الأثداء من الأمام، فى حرمان القمصان من مسّ الظهور والبطون، مما يعدل من مقاييس العالم النحرير الذي كان يملك معايير اللغة والأدب، لكنه لايدقق معايير الجمال الحسيّ للمرأة الخصبة الولود، فها هي أحدث الأبحاث العلمية تشير إلى أن امتلاء هذه المناطق أجدر بأن يجعل المرأة على درجة عالية من الأنوثة وكفاءة الإنجاب، وإن اختلفت عن العُصِىِّ المائسة التى نشهدها تتبختر على الفضائيات فى عروض الأزياء الفارهة·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©