الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

الإيمان

الإيمان
20 سبتمبر 2008 00:29
روى محمد بن هشام أن رجلاً قال: خرجنا أنا وأبي الى صحراء عدن - وكان جدي قد دفن مالاً معها وأوصى أبي أنه إذا احتاج الى المال ما عليه إلا أن يأتي الى موضع كذا من الصحراء· ولما قعد بنا الدهر سرت مع أبي حتى أصبنا ثلاث روابي متقابلات· فقال لي: لقد اشتبه علي الموضع، ما أدري أي هذه الروابي هي؟ فما رأيك؟ فقلت له: لا بد من الحفر إن كنت تعلم أن المال في إحداهن، ثم لاح له أمر وعلامة· فقال لي: احفر هاهنا· فحفرت فكنت إذا حفرت وأعييت حفر مكاني أبي حتى انتهينا الى بلاطة عظيمة، فحرصنا على قلعها فعجزنا عن قلعها· ثم حفرت الثانية فوصلت الى بلاطة أخرى فأعجزتنا· فحفرنا الثالثة فقال لي أبي: ما ترى يا بني؟ قلت له: أنت شيخ كبير لا تستطيع شيئاً، فهل لك أن تخلفني هاهنا وتمضي فتأتي ببعير وعبد من عبيدنا؟ فقال أبي: يا بني، الموضع مهول وأخشى عليك الوحشة وغُلظ البلد· قلت له: دع عندي من الشراب والطعام ما يكفيني· وخرج على وجهه، فبات عني ليلتين· فلما كان في الليلة الثالثة - وأنا قائم أصلي، وكنت كثير التلاوة للقرآن - فلم أشعر إلا ورجل جميل الوجه نقي الثياب طيب الريح يمشي وهو يقول: لولا تلاوتك القرآن ما امتسكت بالأرض رجلاك فاعلم أيها الرجل في بلدة لعُتاة الجن ماردة في كل أفق لها من همسها زجل لك النصيحة عندي وهي واجبة على ذوي الدين إن لم يسبق الأجل فاستوقر اليوم من رزق خُصصت به ولا تعُدْ راجعاً ينأى بك الأجل قال: فحفظت الشعر· وطلع أبي والعبد معه والبعير، فأخبرته بما كان، وأتينا المكان الى ما حفرنا أولاً، وقلعنا الحجر فإذا بشيخ يده مغلولة الى عنقه بغل من حديد في هامته، وأصبنا عند رأسه ورقة من ذهب عليها كتابة لا نعرفها، فأخذنا الورقة، وأعدنا البلاطة الى موضعها، وأهلنا التراب على البلاطة حتى رجعت كما كانت· ثم أتينا البلاطة الثانية، فإذا تحتها عجوز مسودة الذوائب واضعة إحدى يديها على رأسها والأخرى على عورتها، والى جانبها كتاب في لوح لا ندري ما هو· أخذنا اللوح وأعدنا البلاطة وأهلنا التراب· ثم قلعنا البلاطة الثالثة، فإذا تحتها سرداب دقيق ضيق، فدخلناه فأصبنا خابيتين مكشوفتين فيهما رجلان متقاربة أسنانهما متشابهة، عليهما حلل مرصعة بالذهب ورأينا كتاباً على الجرتين لا نعرف ما هو· وأصبنا مالاً كثيراً وذهباً وفضة وغير ذلك من الدر والياقوت ما لم يُرَ مثله قط· فقال لي أبي: وثقنا بالغنى والحبور· فقلت له: يا أبي، وكيف الخلود مع الفناء! لا خير فيما يفنى، وإن مالنا من هذا قليل في حياة قصيرة؟ وأوقرنا جملنا ثم حملنا نحن ما نستطيع فلم نقدر أن ننهض به· فلم نزل ننقص منه ونريد النهوض، فلم نستطع حتى أخذنا في أيدينا درة وياقوتة فلم نقدر نهوضاً بهماً· فقال لي أبي: ألق ما معك يا بني، فقد أخذنا رزقنا، فعلمنا أننا منعنا غير ما صار إلينا وأعتق أبي العبد وكثرت نعمنا ووهب للعبد مالاً جسيماً· وقد حذرناه هو والعامل من أن يعود أحد الى هذا المكان· ولكن العبد أخذ لذلك الموضع ما يصلحه، فأخذ معه عونين وسار لأنه يعرف علامات الموضع، فلما نال من الغار توارى عن عونيه ليقضي أربه، وبات عوناه أرقين قد ذعرهما ما يريان من وحشة ذلك الموضع وهوله· فحدثني العوان قالا: سمعنا في جوف الليل حساً وذعراً وحركة شديدة من ناحية العبد واضطراباً، فجزعنا من القيام إليه لخوف داخل قلوبنا· فلما أصبحنا وجدناه ميتاً وفي حلقه آثار وفي ثيابه أخداش· فحفرنا له وأورينا وولينا هاربين لئلا يدركنا الليل في ذلك الموضع· قال: ومكثت الورقة واللوح عندنا سنين لا نجد أحداً يعلم ما فيها· فبينما أنا في موضع إذا برجل من أهل نجران من بني الحارث بن كعب، نبيل جميل، وهو يسأل· فقلت له: يا عبدالله، إنك لجميل وخليق بالخبر فما اضطرك للمسألة؟ قال لي: يا عبدالله، الحمد لله الذي أحسن إليك وأغناك عن خلقه ومنعك عن هذا المقام· وحدثني كيف تغيرت أحواله بعد أن كان من أعز الناس· قلت له: إنك لفقيه، فما دينك؟ قال: الإسلام· قلت: فهل تقرأ؟ قال: نعم، بثلاثة ألسن· فوقع في نفسي أمر الورقة واللوح فأخرجتهما إليه فإذا هو يقرأ ذلك الكتاب، وإذا هو بالمسند قد كتب· وأما الشيخ المغلولة يده الى عنقه والمضروب في رأسه، فقد كان عمرو بن لحي أول من غير دين إسماعيل، وعَبَد اللات (الأصنام)· وقرأ اللوح الثاني الذي كان مع العجوز فإذا فيه: هذه سعدة بنت جرهم، جلبت السحر من ديناوند وتعلمته، وسحرت سبعة أخوة من خيار جرهم فصيرتهم وحوشاً لا يَقَرون مع الإنس ولا يطمئنون الى دعة ويرعون مع الوحش كما ترعى فأتت أمهم الى نابت بن قيذار بن إسماعيل في الشهر الأصم، فقالت له: يا ولي الله، إن سعدة الساحرة أتلفت أولادي عني وما أحوج ما كنت إليهم· فأنا مؤمنة وهي كافرة، فهل أدعو الله عليها؟ فقال لها: افعلي· فقالت: رب إنه الشهر الأصم، حرمت ما حرمت فيه، فانتقم ممن لم يُحرم حرامك ولم يُحل حلالك· قال نابت: اللهم افعل! قال: فأنساها الله السحر، وهتك عنها الستر، ستر الحياء، فما لبست ثوباً حتى ماتت· ورجع السبعة النفر الى نابت فأعلموه بما كان يتخايل لهم في أعينهم وقلوبهم، فدعا عليها نابت فهلكت وكُفنت، فلم تقبلها الأرض حتى غرقت· وذلك مقام الظالمين·
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©