الجمعة 19 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

عبد الهادي التازي.. النص الأخير

عبد الهادي التازي.. النص الأخير
22 ابريل 2015 21:56
فقدت الثقافة العالمية، مؤخراً، قامتين إبداعيتين من العيار الثقيل هما: جونتر جراس وإدواردو جاليانو. عربياً، أيضاً، فقدنا قامة كبيرة، كان لها حضورها في الإمارات بشكل خاص، وفي الثقافة العربية بشكل عام، وهو المؤرخ والكاتب والرحالة المغربي عبد الهادي التازي... الراحلون الثلاثة يجتمعون في كونهم خاضوا الحياة ببسالة، وكانوا بها جديرين.. لقد عاشوها بجدارة كلّ على نحو ما... وربما برحيلهم منحونا فرصة أن يلتقوا على صفحات «الاتحاد الثقافي».. الراحلون الثلاثة نقدمهم من خلال الزملاء: عبد اللطيف فدواش، محسن الرملي، حاتم الصكر وحسونة المصباحي. عبد الهادي التازي ابن لأب لقب بـ«الأمين»، وأم تنتسب إلى أسرة الأزرق، اللذين لهما فضل في إدخال المطبعة إلى المغرب، وكما يقول في أحد حواراته، إنه تربى في بيت مخضرم يجمع بين السياسة والفكر والأدب، وعائلته سبق أن عملت مع ملوك المغرب. وعبد الهادي التازي الدبلوماسي، والمؤرخ، والباحث، والأديب، وأحد مؤسسي اتحاد كتاب المغرب، تقلد مناصب عدة، علمية ودبلوماسية، إذ عين سنة 1947 مديرا للمعهد الجامعي للبحث العلمي، وسفيرا للمغرب لدى عدد من البلدان، منها ليبيا، والعراق، والإمارات العربية المتحدة، وإيران، قبل أن يعين مكلفا بمهمة بالديوان الملكي. ويعد عبد الهادي التازي «أحد المؤرخين والأكاديميين المتميزين في العالم الإسلامي»، على حد تعبير الدكتور عبد العزيز بن عثمان التويجري، المدير العام للمنظمة الإسلامية للتربية والعلوم والثقافة - إيسيسكو-، الذي قال في بيان النعي الذي أصدرته المنظمة أن عبد الهادي التازي اهتم بتاريخ المغرب الدبلوماسي، وأصدر مرجعا مهما فيه، كما اهتم برحلة ابن بطولة، وحققها مصححا كثيرا من المعلومات الخاطئة حولها. وأضاف الدكتور التويجري أن المجتمع العلمي فقد بوفاة الدكتور عبد الهادي التازي «علما من أعلامه، ومؤرخا أضاف الكثير والمفيد للمعرفة بأعماله المتميزة». ويعتبر عبد الهادي التازي الرئيس المؤسس لنادي الدبلوماسيين المغاربة، الذي تأسس سنة 1990، كما سبق أن عين رئيسا للمؤتمر العالمي السادس للأسماء الجغرافية بنيويورك. وشغل عبد الهادي التازي، أيضا، عضوية المجمع العلمي العراقي، ومجمع اللغة العربية بالقاهرة، والمعهد العربي الأرجنتيني، ومؤسسة آل البيت، ومجمع اللغة العربية في الأردن، ومجمع اللغة العربية في دمشق عاصمة سوريا، وعضوا في المعهد الإيطالي الإفريقي والشرقي، ومقره في روما العاصمة الإيطالية، وعضوا بالمجلس العلمي لهيئة المعجم التاريخي للغة العربية. ووشح التازي، الذي عمل أستاذا جامعيا ومحاضرا في جامعات في المغرب وخارجه، بعدد من الأوسمة، منها وسام العرش في المغرب سنة 1963، ثم الحمالة الكبرى للاستقلال، في ليبيا سنة 1968، ووسام الرافدين في العراق سنة 1972، كما وشح بقلادة الكفاءة الفكرية من الدرجة الممتازة في المغرب، سنة 1976 ثم الميدالية الذهبية للأكاديمية سنة 1982، وآخر توشيح كان في يوليو 2006، بمناسبة ذكرى عيد العرش، بوسام العرش من درجة ضابط كبير. مسار علمي عبد الهادي التازي من مواليد العاصمة العلمية للمملكة المغربية، الرباط، في 15 يونيو 1921، حيث تعلم القرآن في «المسجد» كباقي جيله، خاصة بعد رفض والده تسجيله في المدرسة العمومية التي كانت تشرف على إدارتها فرنسا، وكان الخلاف بينه وبين والده الذي كان يصر على إدخاله المدرسة الأصيلة (الحرة) التي أنشأتها الحركة الوطنية، ضد التعليم الاستعماري، فيما كان الابن عبد الهادي يصر على ولوج المدرسة الفرنسية. كما درس بجامعتها الشهيرة، القرويين، حيث نال شهادة العالمية سنة 1947، وعين بداية، أستاذا بالجامعة ذاتها، سنة 1948، قبل أن يحصل سنة 1953 على شهادة معهد الدراسات المغربية، ثم شهادة الدراسات العليا سنة 1963 من كلية الآداب بالرباط، لأنه شعر أن شهادته في جامعة القرويين غير كافية. زاوج بين العمل والدراسة، قبل أن يحصل على شهادة الدكتوراه، سنة 1971 من جامعة الإسكندرية، وقبلها حصل على شهادة في اللغة الإنجليزية من معهد اللغات بمدينة بغداد سنة 1966. وارتباط عبد الهادي التازي بجامعة القرويين، جعله يفضل أن يلقب بصفة «الفقيه»، على حد قوله في إجابته على سؤال صحفي حول أي الصفات يفضل أن يوصف بها، على اعتبار أنه خريج من القسم الفقهي، لأنه متخصص في الفقه المقارن.. المذاهب الفقهية، وخاصة المذهب المالكي. وعلاقة عبد الهادي التازي بالكتابة قديمة جدا، حيث كتب مقالات نشرت في الصحف وعمره لا يتجاوز الـ15 سنة. وسبق للتازي أن صرح في حوار صحفي أن أصله من اليمن، وبالضبط من مدينة مخا، التي تنسب إليها القهوة اليمنية، (البن اليمني)، موضحا أن جده كان يحتكر تجارة القهوة اليمنية، ولذلك يطلق على فرقتهم لتمييزها عن باقي الفرق التازية، «التازي موخا». مع المناضلين انخرط عبد الهادي التازي باكرا في صفوف الحركة الوطنية في فاس، كباقي جيله، خاصة من درسوا في المدارسة التي أنشأتها الحركة الوطنية مقابل المدرسة الفرنسية، حيث سجن في 1936، وهو ابن الـ 14 سنة، مع أطفال آخرين، من بينهم الشاعر إدريس الجاي، والمؤرخ عبد اللطيف بن منصور، بعد مظاهرة صاخبة بشوارع فاس. ولم تكن تلك المرة الأخيرة التي سيعتقل فيها التازي، بل اعتقل للمرة الثانية عام 1938، والتهمة امتلاك كتاب الأمير شكيب أرسلان «لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟» وكتابه «حاضر العالم الاسلامي»، أما الاعتقال الثالث فكان في عام 1944، عند تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، حيث تعرض خلال هذا الاعتقال للضرب وسجن لمدة سنتين. وبسبب تلقي عبد الهادي التازي تعليما أصيلا، أي في المسجد، وبعدها القرويين، لم يحظ مثل جيله، الذين ولجوا المدارس الفرنسية بتعلم لغة ثانية، فكان السجن فرصة لتعلم اللغة الفرنسية، بعد أن جمعته الظروف في السجن، في المرة الثالثة، مع سجين فرنسي، أديب وصفه في أحد حواراته بـ«الكبير»، اسمه موريس، كان ألقي عليه القبض خلال الحرب العظمى بتهمة التجسس لألمانيا. ومن الحكايات التي يرويها عن سجنه، أنه عندما دخل السجن سأله المدير عن حرفته كي يلحقه بأهل الحرف، ولما أجابه أنه رجل علم، لطمه بعنف وقال له: أنا لست رئيس جامعة أنا رئيس السجن. وليحافظ على عادة الكتابة يروي عبد الهادي التازي أنه كان يكتب على ورق أكياس الإسمنت، والحبر عبارة عن دواء أزرق خصص القسم الأول من هذه الكراريس لتمارين الفرنسية، والقسم الثاني لمذكراته هذه الكراريس عرضت، قبل نحو 6 سنوات، بمعرض نظم بأحد السجون. سفارات وأسفار في عمله الدبلوماسي لم يكن التازي سفيراً فقط، بل مارس دوراً ثقافياً في كل بلد عين سفيراً فيها ليجمع بين سفارة السياسة وسفارة الثقافة، وكانت سفارته الأولى في العراق ثم الإمارات العربية المتحدة ثم ليبيا وهي التجربة التي جعلته يكتب تاريخ الدبلوماسي المغربي. وفي جل حواراته يروي ويؤكد عمق علاقته بالخليج العربي، وأدباء المشرق العربي، وكيف كان بيته في العراق مفتوحا في وجه كل الأدباء، يتبادلون الجلسات المعرفية، والنقاشات، وتوطدت علاقته بهم حيث أصبح واحدا منهم. إضافة إلى تعلقه بالكتاب والكتابة التي كان مهووسا بها، وظل وفيا لها إلى آخر أيام حياته، كان عبد الهادي التازي هاوي أسفار ورحلات ويعتبرهما مصدراً مهماً في تحقق النضج الثقافي والعلمي، وسبق أن صرح أنه قطع ألف و281 رحلة عبر الطائرة. ولا يتردد في توجيه النصيحة للجميع وخاصة الشباب بالسفر والرحلة للتعرف على ثقافة الآخر، وصقل التجربة، والاحتكاك بالثقافات لأنها مكون أساسي في التكوين، المعرفي، وأيضا الشخصية. وحول اهتمامه بالمرأة قال التازي في حديث تلفزيوني، أنه لمس دور المرأة ومكانتها المهمة من خلال بحثه في التاريخ الدبلوماسي المغربي، وما لعبته من دور مؤثر أحياناً، مشيراً إلى أن مجموعة من قادة المغرب لم يفلحوا في مسيرتهم إلا وكانت المرأة وراءهم، ما جعله يهتم بالمرأة، بعد أن لمس حضورها في كل الحقول العلمية. كتابات يتوفر عبد الهادي التازي على مكتبة غنية ومتنوعة، من إنتاجه، ومن بين أعماله تفسير سورة النور، وآداب لامية العرب، وأعراس فاس، وجولة في تاريخ المغرب الدبلوماسي، وتاريخ العلاقات المغربية الأميركية (حول العلاقات الأميركية المغربية)، وجامع القرويين المسجد الجامعة بمدينة فاس، وليبيا من خلال رحلة الوزير الإسحاقي، وقصر البديع بمراكش من عجائب الدنيا، وفي ظلال العقيدة، وصقلية في مذكرات السفير ابن عثمان، والتعليم في الدول العربية، رسائل مخزنية، والعلاقات المغربية الإيرانية، والقنص بالصقر بين المشرق والمغرب، وأوقاف المغاربة في القدس، ودفاعا عن الوحدة الترابية، والرموز السرية في المراسلات المغربية عبر التاريخ، وإيران بين الأمس واليوم، والموجز في تاريخ العلاقات الدولية للمملكة المغربية، والتاريخ الدبلوماسي للمغرب، والكويت قبل ربع قرن، والإمام إدريس مؤسس الدولة المغربية، والمرأة في تاريخ الغرب الإسلامي، وابن ماجد والبرتغال. ولعبد الهادي التازي موسوعة حول التاريخ الدبلوماسي للمغرب، في 15 مجلدا، لديه أعمال في مجال التحقيق والترجمة.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©