يحتضن الليالي العربية الساهرة

يرمز حصن عجمان إلى ماضٍ عريق وعظيم· ولا يعرف بالضبط العام الذي بني فيه حصن عجمان أول مرة، وإن كان أغلب الظن أنه بني في أواخر القرن الثامن عشر، حيث استعملت في بنائه المواد المحلية كحجارة البحر المرجانية والجص وتم تسقيفه بالجندل، وقد تعرض الحصن عام 1820 للقصف والتدمير من قبل السفن الحربية البريطانية، وأعيد بناؤه زمن الشيخ راشد بن حميد الأول· وتعاقبت على الحصن عمليات الترميم والإضافة طوال القرنين التاسع عشر والعشرين، حيث بقي مقراً للأسرة الحاكمة حتى عام ،1970 وتحول الحصن إلى مقر للقيادة العامة لشرطة عجمان للفترة من ''1970ـ ·''1981 وفي أواخر عقد الثمانينات من القرن الماضي، أمر صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي بإعادة ترميمه وتحويله إلى متحف، حيث قام المغفور له بإذنه تعالى الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان ''طيب الله ثراه'' بافتتاحه رسمياً· إلى ذلك، يقول نائب مدير دائرة الثقافة والإعلام ومدير متحف عجمان علي محمد المطروشي ''تقام على أرض متحف عجمان فعاليات متعددة أبرزها ''الليالي العربية''، حيث تأتي الفرق الفنية الموسيقية العربية، إضافة إلى الفلكلور الإماراتي، وبعض المعروضات الفنية، والأمسيات الشعرية، حيث يؤم المتحف العديد من الزوار، وكانت الليلة الأولى من الليالي العربية ''ليلة فلسطينية'' حيث أقيمت فعاليات جميلة ومتنوعة، وجذبت جمهوراً كبيراً من الزوار الذين سهروا على وقع الأغاني والدبكات والرقصات حتى ساعة متأخرة من الليل''· وأضاف أن دائرة البلدية تقيم احتفالات لرجال الأعمال المشاركين في الندوات والمؤتمرات التي تنظمها البلدية، وكذلك تنظم لجان فنادق عجمان حفلات عشاء للسياح الأجانب، إضافة إلى المحاضرات التي تلقى في المدارس والجامعات· وذكر المطروشي أن متحف عجمان يشارك حالياً، ضمن جناح الإمارات في معرض آثار مجلس التعاون المقام في السعودية، كما أن المتحف أنشأ القرية التراثية بمهرجان عجمان، إضافة إلى مشاركته في المعارض التراثية التي تقام في المؤسسات التعليمية في المناسبات الوطنية· وشدد المطروشي على أن المتحف يمثل واجهة حضارية، ويعبر عن الهوية الوطنية، لأنه معرض للتراث الوطني، ولا يعبر عن عجمان فقط، وإنما عن دولة الإمارات العربية المتحدة بمجموعها، ذلك أن أنماط الحياة في الماضي كانت متشابهة إلى حد كبير· وأشار إلى أن مدن الإمارات تقع على الساحل، وذلك نظراً لارتباط الحياة الاقتصادية بالبحر، حيث كان السكان يعملون في مهنة الصيد والغوص بحثاً عن اللؤلؤ واستخراج حجارة البحر المرجانية للبناء، وكذلك فإن صناعة السفن متعلقة بالبحر، بل إن الموارد التي كانت تشكل أهم مصدر للدخل بالنسبة للحكومات المحلية، اعتمدت قديماً على الصيادين وأصحاب سفن الغوص· وكان وكيل الطيران البريطاني ،الذي زار الحصن في ثلاثينيات القرن الماضي، وصف ما شاهده قائلاً ''القصر صرح عظيم تجتذب النظر بوابته الكبيرة، يعلوها قوس ضخم مقام على عضادتين، وكلها مبنية بحجارة رملية عسلية اللون الدابغ، من أجمل القلاع في عجمان، تساند جنباته أبراج سامقة تشبه أبراج القلاع الصليبية المقامة على سور عكا بفلسطين، يتجه برجان منها نحو الجنوب، ويلاحظ أن هندسة القصر متأثرة بالهندسة البرتغالية التي كانت سائدة في القرن السابع عشر، وكأنها رباطات للدفاع، وسبب ذلك مرتبط بالأجواء الحربية المضطربة التي سادت الصحراء طوال تلك المدة· تابع ترجلنا خارج البوابة ولما نظرنا إليها عن قرب لاحظنا أنها تتناسب وعظمة القصر، وكأنها شقت من الجدار شقاً، وأدركنا أن سبب ذلك استراتيجي دفاعي، أما البوابة الأخرى الكبيرة المنفتحة من الجدار الغربي فقد لاحظنا أن أبوابها الخشبية مزينة بمسامير نحاسية تزيد من وزنها، وأن الجدار الذي يعلوها يرتفع نحو ثلاثين قدماً· ومن فوقها شرفة لها شبابيك محكمة التحصين، وخلفها سكن النساء، ويقبع أمام هذه البوابة مدفع قديم سبك من النحاس، كان مخصصاً للقنابل لا يزيد وزنها على اثنتي عشرة أوقية، ويثبت عادة فوق الأسوار، ويبرز أنفه من أحد شقوقها للقذف، أما الآن فلم يبق له دور إلا للزينة، وهو من صنع برتغالي على التأكيد، ومازال واقفاً على عجلاته الخشبية القديمة ذاتها، إنها قلعة رائعة المنظر''· يحتوي متحف عجمان على العديد من الأقسام، منها غرفة الشيخ راشد بن حميد النعيمي ''1928ـ''1981 التي استغلها سكناً لعائلته، وتضم هذه الغرفة مجموعة من ممتلكات الشيخ الخاصة والهدايا والوثائق الرسمية، إضافة إلى الملابس الشخصية والأسلحة النارية التي كان سموه يستخدمها أثناء حياته· ويضم المتحف كذلك غرفة الهدايا التذكارية، حيث قام صاحب السمو الشيخ حميد بن راشد النعيمي حاكم عجمان بإهداء المتحف مجموعة من الهدايا التذكارية التي أهديت إليه في المناسبات الرسمية أو الزيارات الخاصة أو في المناسبات العلمية والأدبية من قبل رؤساء الدول أو كبار المسؤولين والشخصيات الرسمية· وهناك غرفة للأسلحة عبر العصور وكذلك الأسلحة النارية التي وصلت إلى منطقة الخليج قبل الهجوم البرتغالي· وفي المتحف غرفة للأزياء الشعبية الرجالية والنسائية، وأخرى للمعيشة التي كانت نقطة التجمع بالنسبة لأفراد العائلة فيها يجتمعون وينامون وفيها يأكلون كما يتم فيها أيضاً تربية الأطفال· وداخل المتحف غرفة المطبخ القديم، وبيوت الجريد· وهناك مكان للطب الشعبي· والمتحف يضم بين جنباته نماذج من البيئة الصحراوية، حيث الخيام المصنوعة من وبر الجمال أو شعر الماعز والأغنام التي كان يسكن فيها البدو· وفي المتحف نماذج للصيد بواسطة الصقور، والصيد البحري، وسفن للغوص بحثاً عن اللؤلؤ، ويشاهد الزائر كذلك تاجر اللؤلؤ ''الطواش'' والسوق الشعبية، ومحلات البقالة، ومحلات بيع التمور، ومحلات الخبازين وصناع الحلوى، والعطار، والحلاق، ومحلات الخياطة وتجارة الأقمشة، والمقهى الشعبي