الأربعاء 24 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

فوضى الأطباق اللاقطة تحجب جمال الجزائر العمراني

فوضى الأطباق اللاقطة تحجب جمال الجزائر العمراني
21 ابريل 2013 21:05
حسين محمد (الجزائر) - تشكو مختلفُ المدن والأحياء وحتى الأرياف الجزائرية الغزوَ الكبير للأطباق اللاقطة لأسطح بناياتها وتشويه منظرها وجمالها العمراني بشكل ينفر أي زائر. وقد فكرت السلطات في حلول عديدة للظاهرة، ولكنها بقيت مترددة في تنفيذها، ومؤخراً حزمت أمرها وبدأت بتنفيذ تجربة جديدة في ولاية «سطيف» 306 كلم شرق الجزائر، لإزالة الأطباق لاقطة، بانتظار تعميمها على باقي أنحاء البلد لاحقاً. ظاهرة حديثة لم تكن الأطباق اللاقطة موجودة في ثمانينيات القرن الماضي، وكان كل الجزائريين مجبرين على مشاهدة القناة التلفزيونية الداخلية بهوائي بسيط، ولكن ابتداءً من أواخر الثمانينيات، بدأت الأطباق اللاقطة بالظهور على أسطح بعض العمارات في مدينة الجزائر، وكان ذلك «حدثاً كبيراً» بنظر المواطنين آنذاك لحداثة التجربة وجِدّتها، وكان يُنظر إلى من اقتنى طبقا لاقطا آنذاك بأنه ثري لغلاء ثمنه. وبعدها بدأ سكان العمارات يشتركون لاقتناء طبق لاقط جماعي ينصِّبونه على سطح عمارتهم ويدفعون أسعار الاشتراك في كل فترة، وكانت القنوات الفرنسية الست المعروفة، هي الوحيدة المتاحة للمشاهدة آنذاك، وقد ازداد الإقبالُ على اقتناء الأطباق اللاقطة لمشاهدتها بالرغم من الضجة الكبرى التي أثارتها بعض القنوات الفرنسية آنذاك بأفلامها الإباحية، في الأوساط الإعلامية والدينية والاجتماعية المحافظة. لكن حدة معارضة الأطباق اللاقطة والتهجم على امتلاكها تراجعت بعد توالي ظهور القنوات العربية في مستهلّ التسعينيات، حيث ييمّم الكثير من العائلات شطرَها إليها، وفي تلك الفترة بدأت أسعار الأطباق اللاقطة بالانخفاض التدريجي، ما مكّن المزيد من العائلات من اقتنائها، فبدأت أعدادُها تتزايد على أسطح العمارات والبنايات، ولم يكد عقدُ التسعينيات ينتهي وتدخل الألفية الجديدة حتى كانت الأطباق اللاقطة قد غزت جل البيوت الجزائرية، بعد أن أصبحت أسعارُها بخسة بفعل كثرة الاستيراد واتساع دائرة المنافسة بين المنتجين، ثم امتدّ «غزوُها» حتى أحياء الصفيح، وأصبح من النادر جدا العثور على بيت واحد لا يعلوه طبق لاقط، سواء كان قصرا أو بيتا عاديا أو قصديرياً، بل إن أسعارها البخسة دفعت الكثير من العائلات إلى اقتناء ما بين هوائيين إلى ثلاثة لتنويع الاختيارات. نقطة سوداء من جهتهم، اعترف مسؤولون جزائريون عديدون بأن غزو الأطباق اللاقطة لشرفات البيوت وتركيبها بطريقة عشوائية يُعدّ أحد العوامل المسيئة إلى جمال المدن، ويعتبرها وزير البيئة وتهيئة المدن، عمارة بن يونس «نقطة سوداء تشوّه المنظر العام للمدن». ووعد بالتفكير في حل يُفضي إلى «القضاء إليها» تماماً وطرح بدائل مناسبة لها. إلى ذلك، بدأت وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام تتحدث عن خطة لإزالة نحو 20 مليون طبق لاقط عن شرفات 6,5 مليون مسكن، وتعويضها ببدائل أخرى ومنها العودة إلى الأطباق اللاقطة الجماعية التي ظهرت في نهاية الثمانينيات مع دفع حقوق الاشتراك دورياً، ومن البدائل أيضاً التي طرحتها الوزارة الحديث عن تقنية «أف تي تي إكس» التي تضمن خدمات الأنترنت والهاتف الثابت، وتسمح بالتقاط الفضائيات المختلفة من دون الحاجة إلى طبق لاقط. وكشف وزير البريد وتكنولوجيات الإعلام موسى بن حمادي أن وزارته «تتفاوض» مع وزارة السكن، قصد تمكين المواطنين من هذه التقنية المتطوِّرة، مع احتساب ذلك في سعر السكن، واقترح بن حمادي رفعه بنسبة 1 بالمائة لتغطية تكاليف تزويد السكنات الجديدة مستقبلاً بهذه التقنية. وقال الوزير «سعر هذه التقنية لا يقل عن 40 ألف دينار، وهو سعرٌ عال وسيرفضه الكثيرُ من المواطنين، ولذلك نقترح إدراجَه مسبَّقاً في تكلفة السكنات الجديدة التي ستُوزّع مستقبلاً حتى تنجح العملية». ويعني هذا التصريح أن الوزير متأكد مسبقاً من عدم الإقبال الشعبي على هذه التقنية في حال عرضها على الجزائريين بهذا السعر المرتفع، وأنهم سيتشبَّثون بأطباقهم اللاقطة، ويرفضون هذا البديل باهظ الثمن، ما دفعه إلى التفكير في إدراجها في المشاريع السكنية الجديدة لتحسين الوجه العمراني للأحياء الجديدة فقط. ويعني هذا بوضوح أن «فوضى الأطباق اللاقطة» السائدة حالياً مرشحة للبقاء على حالها، إلا إذا وجدت السلطات بدائل أخرى أقل تكلفة. تجربة نموذجية مؤخراً، اهتدت السلطات إلى حلّ قليل التكلفة على المواطنين، من خلال تزويدهم بتقنية جديدة تمكّنهم من التقاط برامج فضائيات أربع أقمار اصطناعية، وشرعت بتطبيق هذه التجربة في بعض أحياء ولاية «سطيف» شرق الجزائر، على أن تعممها لاحقاً إلى باقي أحياء المدينة، فباقي المدن الجزائرية إذا نجحت التجربة. وانطلقت العملية في شطرها الأول في مارس الماضي، وشملت حيا سكنيا يتكون من 15 عمارة، حيث أعلن محمد الطيب رجم، مدير البريد وتكنولوجيات الإعلام بولاية «سطيف» بدء إزالة الأطباق اللاقطة من أسطح شرفات البيوت واستبدالها بلاقط جماعي كبير يُنصّب على سطح كل عمارة ويمكّن سكانها من التزود ببرامج فضائيات أربعة أقمار صناعية ما يُتيح لهم مجالات واسعة للاختيار»، علماً بأن من بينها قمراً صناعياً عربياً. وأضاف محمد الطيب «الأطباق اللاقطة الفردية المنصوبة على الشرفات شوَّهت المنظر العام للمدينة، وآن الأوانُ للقضاء على ذلك واستعادة وجهها العمراني المشرق». من جهتهم، يعترف جزائريون بأن هذه الهوائيات التي نصَّبوها بأنفسهم، تشوِّه فعلاً الجمال العمراني لمدنهم، ولكنهم يبدون تحفظهم على البدائل المطروحة. ومن خلال جولة قمنا بها في بلدية «الجزائر الوسطى» لمعاينة مدى تقدّم تجربة إزالة الهوائيات المقعّرة التي بدأت قبل أكثر من عامين كاملين، لاحظنا أن نتائجها كانت محدودة واقتصرت فقط على واجهات الشوارع الكبرى، بينما بقيت الأخرى منصوبة في زوايا أخرى خلف العمارات، أو نُصّبت بشكل مكثف فوق العمارات، وأبدى عددٌ من سكانها الذين تحدثوا إلينا تحفظهم من تجربة الهوائيات الجماعية وأكدوا أنها تعني المزيد من المصاريف، يقول علي بنّونة «لديّ طبق لاقط منذ سنوات، وأنا أوجِّهه في كل مرة إلى القمر الصناعي الذي أريد، ولا أدفع شيئاً غير حقوق الكهرباء، فلماذا أتخلى عنه وأدفع كل شهر أسعار الاشتراكات في هوائي جماعي قد لا أجد في قنواته المعروضة ما يروق لي؟ فليقدموا لنا حلولا تكنولوجية أخرى ولكن شرط أن لا تكلفنا المزيد من النفقات». وأبدى السكانُ تشكيكهم في مدى جدية وزارة البريد وتكنولوجيات الإعلام في إيجاد حلول للظاهرة، بينما تؤكد الوزارة أنها ستضع القضاءَ على الأطباق اللاقطة الفردية هدفاً لها تحققه قبل نهاية سنة 2014. شهادة قاسية أضحت الشرفات في الجزائر تعجُّ بها في منظر شوّه منظر الأحياء السكنية والبنايات المختلفة، ودفعت المهندس المعماري الإيطالي فرنسيسكو نيساردي، الذي زار الجزائر في أكتوبر 2012، إلى الاستغراب من هذا «الانتشار الفوضوي للأطباق اللاقطة، وكثرتها في شرفات البيت الواحد». وأكد نيساردي أن «هذا المنظر المنفّر قد شوه الجمال العمراني للجزائر وقلل من قيمة ثروتها المعمارية ذات القيمة العالمية». وأوضح المهندس، العضو في مكتب الدراسات ‹›الفونسو فيميا حيونلويا بيلوفو 5+1 أ أ››، أن هدفه من الزيارة حينها هو تقديم اقتراحات وحلول من أجل إعادة تأهيل المدن الجزائرية بمعايير عالمية.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©