الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

حرب العملات.. الكل خاسرون

19 أغسطس 2016 21:32
مر عام منذ أن هز التخفيض المفاجئ لليوان الصيني بنسبة 1,9% الأسواق العالمية وأثار المخاوف من احتمال نشوب حرب عملات عالمية. ومنذ ذلك الحين، تمكنت الصين من تهدئة أعصابها. ولكن الأمر الحقيقي الذي يجعلنا لا نشعر بالقلق هو إدراك أنه لا أحد، ولا حتى الصين نفسها، التي يمكن القول إنها تسببت في إثارة القلق، على الأقل جزئياً، على خلفية انخفاض اليوان بشكل مصطنع، يمكن أن يفوز في حرب حقيقية للعملات اليوم. وبطبيعة الحال، فإن الإغراء بكسب ميزة على منافسيها في ظل وجود عملة أرخص لم يتضاءل. وخفض قيمة العملة يحمل وعداً بزيادة الصادرات من خلال جعلها أقل تكلفة. وحيث يكون لدى الدولة اقتراض خارجي كبير بعملتها الخاصة، فإن العملة الأضعف أيضاً تحقق نقلًا للثروة من المدخرين الأجانب، حيث إن قيمة هذه الأوراق المالية تنخفض من حيث القيمة الدولارية. ومن الممكن أيضاً أن يحفز خفض قيمة العملة التضخم، حيث إن التكلفة الأعلى للمنتجات المستوردة تدفع مستويات الأسعار لأعلى. وفي السنوات الأخيرة، امتنع كثير من الحكومات عن التدخل مباشرة في أسواق العملات، حيث كانت تفضل استخدام سياسة نقدية للمساعدة على خفض قيمة عملاتها. وهذه السياسات، التي يمكن أن نراها على وجه الخصوص في اليابان وأوروبا، من المفترض أن تهدف إلى زيادة الطلب، ولكن الشركات أثبتت ترددها في اقتراض المزيد من الديون لتمويل الاستهلاك أو الاستثمار. وبدلاً من ذلك، فإن المعدلات المنخفضة، وفي بعض الأحيان السلبية، ساعدت على خفض تكاليف خدمة الدَّين، ومن خلال تشجيع هروب رأس المال، أوجدت ضغوطاً على العملة. وليس من الواضح، مع ذلك، ما إذا كانت هذه الاستراتيجية من التخفيض الضمني للعملة يمكن أن تحقق أي فوائد على نطاق واسع. وهذا يرجع لسبب واحد، أن ضعف العملة لا يضمن بعد ذلك زيادة في الصادرات. ويظل الطلب الخارجي راكداً بسبب التباطؤ في النمو العالمي. وقد تباطأ نمو التجارة بصورة حادة منذ عام 2014. وعلاوة على ذلك، فإن التعقيد في سلاسل التوريد العالمية اليوم، مع انتشار الإنتاج في بلدان عديدة، يقوض مزايا العملة الضعيفة. وعندما كان «الين» مثلاً قوياً، بادرت شركات صناعة السيارات اليابانية بنقل مصانعها إلى أماكن أرخص في الخارج، وهي لن تعيد هذه المصانع إلى الوطن ما لم تكن مقتنعة بأن «الين» لن يستعيد قوته مرة أخرى. وتشير آخر تقديرات البنك الدولي إلى أن انخفاض العملات لم يكن فعالًا للغاية في زيادة الصادرات. وفي العديد من البلدان، لم تعد الصادرات تهم كثيراً، كما كانت من قبل. والولايات المتحدة على وجه الخصوص تعتبر مكتفية ذاتياً بصورة نسبية، حيث تشكل الواردات والصادرات معاً نحو 20% من الناتج المحلي الإجمالي. وفي حين أن أوروبا أكثر عرضة لتقلبات التجارة، إلا أن معظم هذه التجارة يتم ضمن منطقة التجارة الحرة، حيث يشترك العديد من الدول في عملة واحدة. أما التعرض الخارجي للصين فهو معقد حيث إنها تعمل الآن في الغالب كمركز للتصنيع أو التجميع، باستخدام العمالة المحلية لتحويل المكونات المستوردة إلى منتجات وسيطة أو منتهية الصنع. وبالتالي، فإن «اليوان» المنخفض ذو تأثير أقل على النشاط الاقتصادي من ذي قبل. والقطاعات الرئيسية مثل التصنيع المتقدم، وتكنولوجيا المعلومات، وصناعة الأدوية والترفيه هي أقل عرضة للتأثر بتقلبات العملة بسبب المحتوى العالي لحقوق الملكية الفكرية، التي تقتصر على المنافسة وانتشار العقود طويلة الأجل. والخدمات، التي تلعب دوراً مهماً على نحو متزايد في الصين وفي أماكن أخرى. وأصبحت الدول ببساطة أفضل في التصدي لإغراق البضائع التي قلت أسعارها بشكل مصطنع. وهي الآن تفرض مجموعة من القيود على التجارة السرية، بدءاً من سياسات المشتريات التقييدية للغاية إلى الأحكام محلية المحتوى التي تفضل الموردين الوطنيين، وكثير منها يقدم دعماً وتمويلًا تفضيلياً للمصنعين المحليين. وفي عام 2015، ارتفع عدد الإجراءات التمييزية التي تقدمها الحكومات بنسبة %50 مقارنة بعام 2014، التي شكلت دول مجموعة العشرين فيها أكثر من %80. وأخيراً، من المهم أن نتذكر أن هناك عوامل أخرى قد تعوض أي مزايا مكتسبة من تخفيض العملة. فتقلب أسعار العملة وعدم اليقين يميل عادة إلى تثبيط الاستثمار في الأعمال التجارية على المدى الطويل، كما أن ضعف العملة يقلل أيضاً من القوة الشرائية لدى المواطنين. إن حرب العملات يمكن كسبها فقط إذا لجأت دولة واحدة لتخفيض قيمة العملة، أما إن كانت حالة عامة فلا رابح فيها أبداً. * مصرفي سابق ينشر بترتيب خاص مع خدمة «واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز سيرفس»
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©