الشفافية النووية

كتاب مفتوح رغم حساسية فهرسه، وخصوصية مضامينه، هكذا تتعامل الإمارات مع خيارها النووي السلمي للطاقة، تعطي دروساً في الشفافية، والقدرة على استشراف المستقبل بتحدياته والإمكانات المطلوبة لمواجهتها، بحرفية بالغة وعقول نابغة. كيف تكون الإمارات شفافة إلى هذه الدرجة في ملف يفترض أن يحاط بسياج منيع من السرية والتكتم؟ ببساطة نقول إن الدولة تطرق باب الطاقة النووية بسلمية قد يشعر البعض بأنها مفرطة، ليس لأنها تخشى هذا أو ذاك، ولكن لأنها تشعر بالمسؤولية تجاه الجيل القادم من أبنائها والبيئة التي سيعيشون بها. وفي دائرة أوسع، تحترم الإمارات الاتفاقيات الدولية التي أبرمتها، وتقدّر الحاجة إلى الحصول على متطلباتها من الطاقة بأقل الخسائر البيئية والمادية الممكنة، في ظل التحول إلى اقتصاد المعرفة، وتقليل الاعتماد على النفط الذي لم يعد يشكل سوى ثلث الاقتصاد الوطني. أبهرتني الصراحة التي تحدث بها السفير حمد علي الكعبي المندوب الدائم للإمارات لدى الوكالة الدولية للطاقة الذرية، الممثل الخاص لوزارة الخارجية في شؤون التعاون النووي الدولي عندما أكد أن التخصيب النووي لن يتعدى 5% في أحسن الظروف، وأن الإمارات تخلت طواعية عن فكرة تطوير أو إنشاء منشآت لإعادة معالجة الوقود المستهلك، وأسهب بالشرح عن البرنامج وتفاصيله. هذا الحوار الشفاف يضيف إلى سجل الإمارات الناصع ولا يقلل من شأنه، ويؤكد أن الدعم العالمي الذي حظي به البرنامج النووي لم يأت من فراغ. وكما هو حال الطاقة النووية، قدمت الإمارات نماذج عالمية ريادية في الطاقة المتجددة النظيفة من خلال عدة مبادرات، أبرزها “مصدر”، المشروع المتكامل الذي يؤمن الطاقة ويؤهل الكوادر ويبني المدينة المثالية. واقعياً، الإمارات ليست مطالبة بهذا القدر من الشفافية، ولا مضطرة للعب هذا الدور الحيوي في تبني المفاهيم الخضراء، خصوصاً أنها دولة غنية بالنفط ويمكنها أن تركز على هذه الثروة في تنمية اقتصادها والتفكير، لاحقاً، بتغيير النهج الاستثماري في قطاع الطاقة، كغيرها من الدول النفطية. حملة عالمية تقودها الإمارات نصرة للبيئة والمستقبل، ولكن بالنووي السلمي، تتغلب من خلالها على تحدي التلوث الذي يقض مضاجع مسؤولي العالم، وتحدي الطلب المتزايد على الطاقة. baha.haroun@admedia.ae