الخميس 25 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم

بصمة الحشرات

24 ابريل 2011 20:59
كثيراً ما نحيت جانباً الكتاب أو القصة التي كنت أقرؤها، وأنا أهرب من قيظ يوم صيفي تحت شجرة «التوت»، لأشبع شغفي وهوايتي في مراقبة سلوك أسراب النمل التي تتجمع حول ثمار التوت المتساقطة، وأراقب كيف تنقلها إلى جحورها في دقة متناهية ونظام محكم، وكثيراً ما كنت أضع بعض الموانع في طريق أسراب النمل، وكيف تتغلب عليها أو تلتف حولها حتى تصل إلى هدفها عبر طرق بديلة. وأتذكر في هذه الفترة التي كنت فيها مولعاًً بمراقبة سلوك وحركة الحشرات والكائنات الصغيرة، قرأت أن مزارعاً صينياً قُتل بضربة «منجل» وهو يعمل في حقله. فقام عمدة القرية بجمع كافة المزارعين حوله قبل أن ينصرفوا من أماكن عملهم، وأمرهم بإلقاء «مناجلهم» أمامهم على الأرض، وتعمد إضاعة الوقت لدقائق في الحديث إليهم عن الجريمة. وما هي إلا دقائق حتى تجمع الذباب على أحد «المناجل». فوجه اتهامه بالقتل مباشرة لصاحبه. وجزم بأن الذباب لا يخطىء رائحة الدم حتى ولو غسل «المنجل» ! .. اليوم أصبحت علاقة الحشرات بالجريمة علماً وتخصصاً يدرس لمتخصصي وخبراء الأدلة الجنائية. والفكرة هنا تعتمد على حقيقة أن جثة الضحية تتحول فور وفاتها إلى مرتع خصب، وبيئة ممتازة لجذب الحشرات وتكاثرها. وبدراسة العلاقة بين الطرفين أصبح هناك ما يعرف ببصمة الحشرات التي تؤخذ كدليل دامغ في جرائم القتل وإدانة المجرمين! وقد تطور هذا التخصص على يد العالم الأنثروبولوجي الأميركي بيل باس في جامعة تينيسي عام 1980، الذي اهتم بدراسة تحلل جثث البشر «في مزرعة خاصة» وقام برصد التغيرات التي تطرأ عليها. ولفت انتباهه أن الذباب يحط فوق جثة الميت في الثلاث دقائق الأولى، ويعمد لوضع بيضه في الفم والأنف وثقوب الجسم النازفة. وبعد وقت معلوم تتحول تلك البيوض إلى يرقات. وبمقارنة مراحل التوالد والتكاثر مع الطقس والبيئة المحيطة يمكن استنتاج زمن الوفاة وتحديد المكان والفصل الذي حصلت فيه! .. فالحشرات يمكن أن تدل عن طبيعة المكان والبيئة المحيطة. فلقد أدين شخص بقتل زوجته، لأن خبراء الأدلة الجنائية وجدوا في حذائه نملة تنتمي لمستوطنة معينة من النمل تعيش في إحدى الغابات حيث وجدت جثة زوجته مقتولة بها. وبالمصادفة وجد رجال الشرطة في فلوريدا كميات كبيرة من الكوكايين لم يعرف مصدرها. غير أنهم وجدوا حشرة صغيرة ميتة في أحد الأكياس فاستدعوا أحد الخبراء الذي حدد موطنها في غابات الهندوراس. وفي قضية رابعة ادعى رجل أنه وجد شقيقته منتحرة خنقاً حيث ربطت رقبتها بحبل ثبت بنافذة غرفتها المفتوحة. لكن بفحص الجثة لم يجد الخبراء أثراً للذباب مما دل على أن النوافذ كانت مغلقة في آخر 21 ساعة، فاعترف بقتلها.! .. في كثير من الجرائم كانت بصمة الحشرات مفتاحاً سحرياً للاستدلال على الجاني في جرائم غامضة ومعقدة، وكانت دليل إدانة دامغاً أضيف إلى بصمة الأصابع والحمض النووي. ولنا أن نتصور مدى الغيظ الذي يصيب شخصاً حكم عليه بالسجن المؤبد أو الإعدام بسبب نملة أو ذبابة حقيرة ! .. سبحان الله، علم الإنسان مالم يعلم! Khourshied.harfoush@admedia.ae
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©