السبت 20 ابريل 2024 أبوظبي الإمارات
مواقيت الصلاة
أبرز الأخبار
عدد اليوم
عدد اليوم
التعليم والمعرفة

مكتبات الموتى إلى الرصيف.. ولا عزاء للمثقفين!

مكتبات الموتى إلى الرصيف.. ولا عزاء للمثقفين!
1 يوليو 2017 15:58
محمد عريقات (عمّان) منذ أن أصبح للكتاب أولوية في حياتي وأنا أذهب إلى المكتبات والمعارض وبذهني مسبقاً عناوين أنوي شراءها، فلست ممن تستوقفهم الكتب المستعملة على الأرصفة.. لكون أغلبها في فنون الطبخ وعلوم الأبراج، وفي أحسن الأحوال روايات جيب بوليسية أو رومانسية، إلا أن ذلك الشاب الذي راح يفرش كتبه ومجلاته على الرصيف الذي يأخذني إلى البيت، استفزني لأن أقلّب نظري في عناوين كتبه، ومن النظرة الأولى راحت يدي تلتقط كتاباً تلو الآخر وكلها لأسماء شعرية وروائية معروفة، وكانت الصدمة عظيمة حين طلب البائع ثمناً بخساً لكل هذه الكتب، أي ما يعادل أقل من ثمن كتاب واحد من التي اشتريتها. دفعتني الصدمة لأن أسأل أو بالأحرى أستجوب هذا البائع «الأمي» بالضرورة عن مصدر هذه الكتب ومن أين أتى بها، فجاء جوابه كالصفعة: «هذه مكتبات موتى» يهبني إياها الورثة دون أن أدفع لهم ثمناً أو يدفعون لي أجرة تخليصهم منها «رأس برأس، تماماً كما يفعلون حيال قمصانه وأحذيته». لم تتوقف الصدمة عند هذا الحد، فحين رحت أقلب بعض الكتب، في زيارة ثانية لهذا البائع، صعقتني أيضاً الإهداءات التي تحملها الأوراق الأولى لبعض الكتب، وقد جاءت كلها موقعة من مؤلفيها إهداء إلى مؤسسات ثقافية أردنية كبيرة وجدت من بينها مجموعتي الشعرية موقعة إلى أحد الأقسام الثقافية بالصحافة الأردنية فتساءلت: كيف تسللت هذه الكتب إلى الرصيف؟ وهل هذه المكتبات هي أيضاً من مكتبات الموتى؟ هل مات رؤساء تلك الهيئات ومات معهم أعضاء هيئتيها الإدارية والعامة فقام مالك المبنى أو عامل البوفيه بالتخلص منها بطريقة زوجات الشعراء والكتاب ذاتها؟ ضحك البائع، وقال: «يا سيدي هذه الكتب أمرها مختلف، هذه أشتريها، أدفع ثمنها، لذلك لن تحصل عليها بالثمن الذي دفعته لي في المرة السابقة». غادرته وأنا أقول بسري فعل خيراً «لص الهدايا» هذا من حيث لا يعلم، فقد أخرج الكتب من أقبية المؤسسات الثقافية الزائفة إلى فضاءات الأرصفة والقرّاء الحقيقيين، وصرت من مرتادي كتب الأرصفة لما تحمله لك من دهشة وألم حيال علاقتنا بالكتاب. «مكتبات الموتى» جملة مرعبة رغم أنها ليست بجديدة، فإنشاءُ مكتبة حلم لا يتحقق لصاحبه، ولا هو مشروع قد ينجز بعامٍ ولا حتى بأعوام، بل هو هاجس يسكن صاحبه، هاجس جمع الكتب واقتنائها الذي يستغرق العمر ولا يتم، يراقب، بعد كل كتاب، زحف الكتب على جدران بيته كما لو أنه يراقب نمو أحد أبنائه، لتجيء لحظة باردة تعدم بها الزوجة أو الابن أو المؤسسة هذا الإرث الثقافي والإنساني بغير اكتراث، ولعل خير مثال على ذلك مكتبة الأديب عباس محمود العقاد الضخمة التي فرط بها الورثة بعد وفاته بأن ذهبوا بها إلى مكب نفايات مع بقية أثاث بيته. وتفادياً لهذا المصير الذي يتهدد المكتبات شرع كثيرون من الأدباء والقراء إلى توزيع مكتباتهم التي جمعوها على مرّ سنوات عمرهم، بإرادة منهم، كأن يهبوها للمدارس والمنتديات، أو للمكتبات العامة، أو حتى للأصدقاء، وخير مثال على ذلك الشاعر الراحل محمود درويش الذي أهدى كتبه لأصدقائه، وكذلك أيضاً الشاعر الراحل محمد القيسي الذي اشترط على الجهة التي أهداها مكتبته أن يوضع لافتة تحمل اسمه، أما الروائي رشاد أبوشاور قام مؤخراً بإهداء مكتبته لنادي أسرة القلم الثقافي بالأردن، والنماذج كثيرة في تاريخنا القديم والحديث.
جميع الحقوق محفوظة لمركز الاتحاد للأخبار 2024©